الجهاديون يهاجمون الصومال .. انتشار القاعدة

الجهاديون يهاجمون الصومال .. انتشار القاعدة

حين أصدر أسامة بن لادن تسجيلا صوتيا يعبر فيه عن آرائه فيما يتعلق بالصومال في وقت سابق من هذا العام، استخفت به السلطات الجديدة في عاصمة الدولة، مقديشو. فقد كان يبدو أن آراء بن لادن في هذه الدولة الفاشلة في القرن الإفريقي تعبر عن جهله بأوضاعها، بل وحتى متعالية. ولكن بعد أشهر قليلة من تشكيل الحكومة الصومالية "الانتقالية" الأخيرة في أجواء يسودها التفاؤل الحذر، بدأ المتطرفون الصوماليون المرتبطون بالقاعدة يكتسبون القوة، في حين بدأ الإسلاميون المعتدلون، مثل الرئيس الجديد للدولة، شريف أحمد، بالتراجع.
ويقال إن هناك موجة جديدة من المقاتلين الأجانب تتجه نحو مقديشو. ولم يعد بعضهم- أمريكيين وبريطانيين وإيطاليين من أصول صومالية، وكذلك العرب والشيشان والباكستانيين والأوزبكستانيين- مختفين بأوامر من قادتهم، بل يتم التباهي بهم لعرض الدعم العالمي للمتمردين.
وحين غزت إثيوبيا الصومال بتشجيع من أمريكا عام 2006، كان الهدف درء أي نوع من أنواع التهديد الإسلامي على إثيوبيا والقبض على أعضاء القاعدة القليلين الذين يختبئون في الدولة. وأدى الغزو والغارات الجوية التي تلته إلى القضاء على أول تجسيد للجهاديين الصوماليين، ولكن يبدو أن التجسيد الثاني أقوى وأشد شراسة. فقد بدأوا بالرد على الهجوم والمقاومة بشكل أعنف بعد انسحاب القوات الإثيوبية .
وفي أحدث موجة قتال في مقديشو، قتل أو أصيب مئات آخرين من الأشخاص، وتم تشريد عشرات الآلاف. وشدد المتمردون الخناق على العاصمة عن طريق الاستيلاء على مدينتي Jowhar و Mahaday المجاورتين. وهذا يسمح للجهاديين الآن بمراقبة حركة المرور بين مقديشو ووسط الصومال.
وقد تقدم المقاتلون بعرباتهم العسكرية (شاحنات صغيرة محمّلة بالأسلحة الثقيلة على ظهرها) إلى Beledweyne، وهي بلدة قريبة من الحدود الإثيوبية. ومن الواضح أن هدفهم ليس الاستيلاء على البلدة بل استفزاز إثيوبيا لكي ترسل قواتها ثانية إلى الصومال، مما قد يثير مشاعر استياء على الصعيد الوطني تجاه العدو القديم ويؤدي إلى دعم أكبر للمتطرفين الذين يقاتلونها. وتشير التقارير إلى أن الإثيوبيين مستعدون للتوغل مرة أخرى في الصومال.
ويسيطر المتطرفون من حركة شباب وحزب الإسلام، المنظمين في خلايا تتكون من 20 إلى 30 مقاتلا، على معظم مناطق جنوب الصومال أيضا. ويحصلون في جميع أنحاء البلاد على كثير من المال من الضرائب ومن أرباح القراصنة ومن عمليات الابتزاز ومن التبرعات المقدمة من قبل العرب والصوماليين في الشتات.
كما يشعر المهاجمون بحماس أكبر بسبب تحفيز القائد الإسلامي القديم، حسن ظاهر عويس، الذي عاد أخيرا من المنفى في أريتريا. فقد أثار حماس عشيرته الفرعية Ayr، وكان بمثابة نقطة تجمع للمتطرفين، الذين يفتقرون إلى قائد خاص بهم يوحد شملهم. وقد تم إحضار الرشاشات والذخائر، إضافة إلى الأسلحة المضادة للدبابات والألغام البلاستيكية التي يمكن استخدامها كقنابل، إلى مهابط الطائرات التي يسيطر عليها المتمردون في جميع أنحاء الدولة، بما في ذلك بعض المهابط بالقرب من العاصمة. وتقول مصادر الاستخبارات إن أريتريا ترسل المواد، ربما بمساعدة إيران. وينفي الأريتريون ذلك.
ويضرب الجهاديون حكومة أحمد قبل أن يتسنى لها الوقت لإعادة بناء قواتها. وقد وافقت الحكومات الغربية على منح 213 مليون دولار لإنشاء جيش قوامه 6.000 مقاتل وقوة شرطة مكونة من 10 آلاف شرطي. إلا أن الأمم المتحدة لا تزال ترفض النداءات- التي وجهها مبعوثها الخاص، أحمدو ولد عبد الله، وغيره - لكي ترسل إلى الدولة قوة حفظ سلام كبيرة، بحيث تكون كبيرة بما فيه الكفاية لتأمين العاصمة والمناطق المحيطة بها مباشرة، بما في ذلك المطار والميناء البحري. وقد زاد المفجرون الانتحاريون استهدافهم لجنود حفظ السلام الأوغنديين والبورونديين، البالغ عددهم أربعة آلاف، الذين يدعمون الحكومة الضعيفة تحت رعاية الاتحاد الإفريقي.
ويعتقد أن نحو 30 قنبلة انتحارية مميتة انفجرت منذ انفجار خمس قنابل بصورة متزامنة في تشرين الأول (أكتوبر) في أرض الصومال، التي نجحت في البقاء مستقلة فعليا (ومدارة بشكل جيد إلى حد ما) لسنوات عديدة، وفي منطقة Puntland شبه المستقلة، حيث يسيطر مختلف القادة الحربيين، القليل منهم جهاديين. وفي هذا التفجير الخماسي، فجر أمريكي من أصل صومالي نفسه. ويستخدم معظم المفجرين الأحزمة الناسفة أو يفجرون سيارات يقودونها؛ يكون الذين يستخدمون الأحزمة الناسفة من الأجانب عادة. وغالبا ما تكون الأهداف هي المباني الحكومية والمواكب الوزارية وقاعدة الاتحاد الإفريقي ورجال الأعمال ورجال الدين والصوماليين المعروفين بمعارضتهم لحركة شباب.
ويصف عويس جنود حفظ السلام التابعين للاتحاد الإفريقي بوصفهم "بكتيريا" يجب القضاء عليها؛ من غير المعروف فيما إذا كانت مثل هذه التصريحات المعادية للأجانب ستدفع مزيدا من الصوماليين إلى الانضمام للجهاديين. ويقول بعض المراقبين إن عويس عرضة للاغتيال على يد المتطرفين الذين يعتقدون أنه قومي زيادة عن اللزوم، بحيث لا يتناسب مع النزعة العالمية لأنصار بن لادن.
ويقول أحد القادة العسكريين الصوماليين إن الهدف من تمرده هو "تحرير الإسلام من آلاسكا إلى كيب تاون". ومع زيادة الحماس المتطرف خلال السنوات الثلاث الماضية، يبدو أن العديد من الشباب الصوماليين يستمدون الدعم من فكرة الجهاد العالمي. ويقول أحد المراقبين المخضرمين للأحداث في الصومال: "إن التطرف هو الاتجاه السائد حاليا". فالشباب الذين تغريهم الأموال في البداية يشعرون بالحماس لاحقا من المحاضرات والخطب، حيث يرغبون في الشهادة. ويتم استهداف العديد من الشباب الصوماليين في الشتات، الذين يشعرون بالضعف في دولهم الجديدة، بأفلام الفيديو لتجنيد الشباب على المواقع الإلكترونية للجهاديين.
وقد أصبح بعض هؤلاء الشباب مفجرين انتحاريين بعد أن تم إقناعهم بأن إثيوبيا تعمل بالوكالة لصالح أمريكا والدول الأوروبية. ويخشى أن تكون الهجمات التي نفذوها في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، متبوعة بهجمات مماثلة في نيروبي، عاصمة كينيا المجاورة، وفي مناطق بعيدة مثل لندن. فقد كان اثنان من المفجرين في الهجوم المخطط الثاني (الذي تم إحباطه) في تموز (يوليو) 2005 من الصومال. وفي حين يفرض القراصنة الصوماليون خطرا إقليميا، فإن الإرهابيين الصوماليين يملكون إمكانات دولية. ففي 17 من أيار (مايو)، أشارت التقارير إلى أنه تم قتل العديد من الجهاديين المحليين والأجانب في مقديشو حين انفجرت ورشة لتصنيع القنابل.
ويتم فرض النظام في المدن التي يستولي عليها الجهاديون من خلال ما تسميه حركة شباب "التوعية"، التي شملت أخيرا قطع اليد علنا لعقاب جريمة السرقة، والإعدام العلني لجريمة "التعاون" مع المنظمات الغربية، وهجمات القنابل على أصحاب المحال الذين يعرضون أفلاما غربية أو هندية أو الذين يشغلون موسيقى البوب أو يبيعون أقراص مدمجة لموسيقى البوب. ويقتل الجهاديون أيضا العاملين في مجال حقوق الإنسان والصحافيين؛ لم يعد أي منهم تقريبا إلى مقديشو في ظل النظام الجديد.
ولكن في بعض الأحيان يمكن للجهاديين أن يكونوا أكثر واقعية. ففي بيدوا، التي كانت تستضيف برلمان الدولة إلى أن تم طرده، سمح المتمردون للمحليين بمضغ القات، وهو أوراق مخدرة يستخدمها الصوماليون (واليمنيون)، إذا ذهبوا من المدينة إلى الصحراء المحيطة بها. ولكن عليهم أن يعودوا لقضاء فترة من التوعية في المسجد المحلي. وإذا فاز الجهاديون، سيجلبون معهم نظاما قاسيا - تمتد آثاره إلى جميع أنحاء المنطقة.

الأكثر قراءة