توقعات أسعار النفط .. ازدهار وكساد
يعتقد وزير النفط السعودي، علي النعيمي، أن ارتفاع أسعار النفط قد "يوقف قريبا الاقتصاد العالمي الذي خرج عن مساره بالفعل". ويتفق معه في الرأي نظيره الإيراني، حيث يقول: "حين تنتهي الأزمة الاقتصادية العالمية، ويزيد الطلب على النفط، قد تعاني سوق النفط صدمة أسعار أخرى". ويخشى رئيس شركة Chevron، ثاني أكبر شركة نفط أمريكية، أيضا من اقتراب "فترة أخرى من قلة المعروض النفطي". ويشعر وزير الطاقة البريطاني بالقلق أيضا. وفي الواقع، كان من الصعب في قمة كبرى الدول النفطية التي تم عقدها أخيرا من قبل منظمة الدول المصدّرة للنفط، إيجاد أي شخص لا يتوقع ارتفاع الأسعار إلى المستوى المرتفع الذي بلغته العام الماضي، عند 147 دولارا للبرميل.
وظاهريا، يبدو هذا القلق في غير محله. فانخفاض سعر النفط 115 دولارا عن ذروته في تموز (يوليو) الماضي ليصل إلى أدنى مستوى له في كانون الأول (ديسمبر) كان أشد انخفاض شهده العالم على الإطلاق. ولا يزال الطلب على النفط في انخفاض مع ضمور الاقتصاد العالمي. وتعتقد وكالة الطاقة الدولية، الهيئة البين حكومية التي تقدم المشورة للدول الغنية، أن استهلاك النفط العالمي سينخفض بمقدار 2.6 مليون برميل يوميا هذ العام، أو نحو 3 في المائة. ويتبع هذا انخفاض بمقدار 200 ألف برميل يوميا العام الماضي. ولم يتقلص الطلب العالمي لعامين على التوالي منذ أوائل الثمانينيات.
وفي الأسابيع الأخيرة، كانت مخزونات النفط في أمريكا أعلى من أي وقت مضى في هذا الوقت من العام، بل وأعلى من أي وقت باستثناء أيلول (سبتمبر) 1990، خلال الفترة التي سبقت حرب الخليج الأولى. ويقول Jeff Currie من Goldman Sachs، إنه ليس هناك مجال كبير متبق لتخزين المزيد من النفط الخام. وتكثر شائعات حول تجار يستأجرون صهاريج لتخزين الفائض لديهم من النفط. وتغطي مخزونات الدول الغنية استهلاك 62 يوما، وهو الأكبر منذ عام 1993. فقد كان المتوسط خلال السنوات الخمس الماضية هو 52 يوما.
ركود النظام
من جهة أخرى، لا تضخ شركات النفط بقدر ما تستطيع. وقد أعلنت "أوبك" عن ثلاث جولات منفصلة من تخفيضات الإنتاج منذ أيلول (سبتمبر) في محاولة لتحقيق استقرار الأسعار. وبصورة عامة، تعهدت بتخفيض ناتجها بمقدار 4.2 مليون برميل يوميا. ويعتقد المحللون أن أعضاءها غير المنضبطين يضخون بالفعل كميات أقل بنحو 3.3 مليون برميل يوميا. وهذا يعني أن لديهم طاقة فائضة تبلغ ستة ملايين برميل يوميا يمكن استخدامها في حال ارتفاع الطلب. وتقول السعودية وحدها إنها قد تضخ كميات أكبر بمقدار 4.5 مليون برميل يوميا مما تضخه الآن.
ولكن على الرغم من تزايد الوفرة، إلا أن سعر النفط يرتفع باطراد في الأسابيع الأخيرة. فقد بلغ أكثر من 60 برميلا في 20 من أيار (مايو) للمرة الأولى منذ أكثر من ستة أشهر. ويمثل هذا زيادة بنسبة تزيد على 75 في المائة منذ 12 من شباط (فبراير)، حين انخفض إلى أدنى من 34 دولارا- رابع أكبر زيادة لمدة ثلاثة أشهر، وفقا لـ Currie. وتوحي أسعار العقود الآجلة بأن تجار الطاقة يعتقدون أن السعر سيرتفع أكثر في الأشهر والسنوات المقبلة.
وتفسير ذلك بسيط. فتجار النفط يشعرون بالقلق لأنهم يعتقدون أن العديد من العوامل الكامنة وراء الارتفاع الحاد العام الماضي لا تزال موجودة، وقد تم بالفعل استخراج معظم النفط "السهل" في العالم، أو أنه بيد الحكومات الوطنية التي لن تسمح للأجانب باستخراجه. وقد أدى هذا إلى سعي الشركات للحصول على احتياطات جديدة في أماكن غير مضيافة يصعب الوصول إليها، مثل المياه العميقة قبالة إفريقيا أو المحيطات المتجمدة في القطب الشمالي. ويستغرق تطوير مثل هذه الحقول وقتا طويلا ويتطلب الكثير من التكنولوجيا المكلفة. والأسوأ من ذلك هو أن الاكتشافات الجديدة تكون أصغر عادة مما كانت عليه في الماضي، كما أنها تجف بسرعة أكبر.
لذا، فإن على شركات النفط أن تضاعف جهودها لتعويض الحقول المتقلصة وزيادة الناتج. وكما يقول Francisco Blanch من Merrill Lynch، فإن عليها إيجاد مكان آخر يحتوي على مثل كمية النفط التي تملكها السعودية كل عامين فقط من أجل إبقاء إنتاجها بالمستويات الحالية. إلا أن الصناعة النفطية تفتقر إلى المعدات والقوى العاملة، بسبب عقود من نقص الاستثمار في الثمانينيات والتسعينيات، حين كانت الأسعار منخفضة. وأدى هذا إلى كفاحها للتوسع على الرغم من الإشارة السعرية القوية في السنوات الأخيرة، وبالتالي أصبحت في وضع سيئ لا يسمح لها بتلبية احتياجات الأسواق الجديدة الواسعة في العالم النامي، بما فيها الصين والهند، اللتان يزيد فيهما استهلاك النفط بسرعة. وفي أوج الازدهار، ومع ارتفاع السعر المتكرر، انخفض الإنتاج خارج "الأوبك".
وتقول النظرية إنه بمجرد بدء الاقتصاد العالمي في النمو ثانية، سيفوق الطلب على النفط مرة أخرى قدرة الصناعة على تلبيته. وسرعان ما سيتم استنزاف المخزونات التي تبدو وفيرة والطاقة الفائضة، مما سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار. بعبارة أخرى، لم يفعل الركود العالمي سوى إعاقة "الدورة الكبرى" التي كان يتحدث عنها العديد من المحللين، والتي تفسح خلالها دورة الازدهار والكساد العادية للنفط والسلع الأخرى الطريق أمام فترة طويلة من ارتفاع الأسعار، حيث إن الطلب المتنامي من الأسواق الناشئة يبتلع كل شيء يمكن أن تنتجه الصناعات الاستخراجية. ويقول Blanch: "لم تنته الدورة الكبرى للسلع، بل تستريح فقط".
تشخيص واضح وعلاج غير موجود
يتفق رؤساء النفط ووزراء "أوبك" والمصرفيون القلقون على ما هو مطلوب لمنح تحول هذا السيناريو إلى واقع: استثمار سخي في تطوير حقول جديدة وفي الاستكشاف. إلا أن العكس هو ما يحدث. فالصناعة النفطية تقلل إنفاقها وتخفض إنتاجها في الحقول الجديدة وتقلص استكشافاتها. وتشير حسابات وكالة الطاقة الدولية إلى أن إجمالي الاستثمار سينخفض بنسبة 15 إلى 20 في المائة هذا العام.
وانخفض عدد الحفارات المستخدمة في جميع أنحاء العالم بنسبة 32 في المائة خلال العام حتى نيسان (أبريل) إلى 2.055، وذلك وفقا لشركة Baker Hughes، شركة خدمات الحقول النفطية. وفي أمريكا، حيث توجد وفرة من الغاز الطبيعي وكذلك النفط، انخفض عدد الحفارات المستخدمة بنسبة تزيد على النصف منذ ذروتها العام الماضي. ويقول عبد الله سالم البدري، الأمين العام للمنظمة، إن دول الأوبك بدأت بإلغاء أو تأخير 35 مشروعا كبيرا. وتعتقد شركة Cambridge Energy Research Associates الاستشارية، أنه سيتوقف إنتاج 5.5 مليون برميل يوميا من إضافات الطاقة الإنتاجية في جميع أنحاء العالم خلال السنوات القليلة المقبلة. وهذا يشكل ثلث صافي الزيادة المتوقعة في الناتج بحلول عام 2014.
ومن المفترض ألا يحدث هذا نظريا. فشركات النفط الغربية الكبرى تقول إنها لا تزال تستثمر باطراد في جميع مراحل الدورة، بغض النظر عن تحركات الأسعار. وتقول إن تطوير الحقول الكبيرة قد يستغرق عقدا من الزمن أو أكثر، وقد تنتج بعد ذلك النفط أو الغاز لعدة عقود أخرى. ولا علاقة بسعر النفط في الوقت الذي تمت فيه الموافقة على الاستثمار؛ المهم هو ضمان أن تكون المشاريع مربحة عبر مجموعة من الأسعار المستقبلية المحتملة. وبالنظر إلى أن معظم تجار النفط يتوقعون ارتفاع الأسعار على المدى المتوسط، يتوقع نتيجة لذلك أن يزيدوا استثمارهم للاستفادة من الأوقات الجيدة المقبلة.
وشركات النفط الكبرى ملتزمة معظم الوقت باستراتيجيتها. فلا تزال إلى حد كبير مستمرة في الاستثمار على نطاق مماثل للاستثمار في السنوات السابقة، على الرغم من الضرر الكبير الذي أصاب إيراداتها جراء انخفاض أسعار النفط. وزادت شركة Exxon Mobile، أكبر الشركات، الإنفاق على رأسمالها بنسبة 5 في المائة في الربع الأول. وتعتزم شركتا Royal Dutch Shell و Chevron استثمار نفس المبالغ التي استثمرتها العام الماضي: 31 مليار دولار و23 مليار دولار على التعاقب. وتخطط شركة BP تخفيض الإنفاق قليلا، من 21 مليار دولار إلى أقل من 20 مليار دولار. إلا أن BP، مثل Shell، أخذت ديونا أكثر من أجل الحفاظ على عائد أسهمها وخططها الاستثمارية.
ومع ذلك، لا شك أن التقلب الشديد للأسعار خلال العام الماضي جعل شركات النفط الكبرى أكثر حذرا بشأن الاستثمارات المستقبلية. فقد أجلت شركة Shell مثلا خططها التوسعية في رمال القطران في كندا، وهو شكل كثيف بصفة خاصة من أشكال النفط يتطلب الكثير من المعالجة، لذا فهو أقل ربحية من النوع التقليدي. وقد خفضت كل من Shell وBP عدد الموظفين. ومن المتوقع أن يتحمل المساهمون قدرا معينا فقط من الاقتراض قبل أن يبدأوا في الشعور بالذعر.
من جهة أخرى، لا تملك شركات النفط الأصغر مثل هذه الموارد المالية الكبيرة، وبالتالي لا تستطيع الحفاظ على الإنفاق بمستويات العام الماضي نفسه. وقد خفضت جميع الشركات الكبيرة "المستقلة" في أمريكا، أي التي ليس لديها شركات تابعة لتكرير النفط، استثماراتها بصورة حادة. وتخطط إحداها، وهي Devon Energy، لتقليص ميزانية رأسمالها إلى أربعة مليارات دولار أو ما يقارب ذلك هذا العام، من تسعة مليارات دولار عام 2008. ويقول أيمن أصفري، رئيس شركة Petrofac، شركة خدمات حقول النفط في بريطانيا، إن الشركات المستقلة الأصغر "تعرضت للدمار". وفي سوق الاستثمار البديل في لندن، التي تجتذب المشاريع الاستكشافية للموارد الطبيعية، تمكنت شركات النفط من جمع 23.6 مليون جنيه استرليني (37 مليون دولار) فقط في الربع الأخير من العام الماضي، مقارنة بـ 229 مليون جنيه استرليني في الربع السابق.
ولدى عدد قليل من الشركات المستقلة، مثل Premier Oil، الشركة البريطانية التي استكملت أخيرا إصدار حقوق اكتتاب بنجاح، موارد مالية كافية وسليمة لزيادة إنفاقها. إلا أن رئيس Premier، وهو Simon Lockett، يقول إن الشركة ستركز بدرجة أكبر على استكمال المشاريع القائمة وبدرجة أقل على الاستكشاف. ولا شك أن هذا هو النمط السائد في بحر الشمال، على الأقل. وفي الربع الأول، حفرت شركات النفط العدد نفسه من الآبار التي حفرتها العام السابق لتحديد الاكتشافات السابقة، وذلك وفقا لشركة Deloitte للمحاسبة. إلا أن عدد الآبار الاستكشافية انخفض بنسبة 78 في المائة.
وهناك أيضا الشركات المملوكة للدولة في الدول المليئة بالنفط. وتسيطر هذه الشركات على الأغلبية الساحقة من النفط في العالم. وتعتزم الشركات الأفضل إدارة وتمويلا من بينها الاستمرار في الاستثمار على الرغم من الانكماش. فأخيرا، استكملت شركة أرامكو السعودية، أكبر شركة في العالم منتجة للنفط، مخططا لمدة خمس سنوات لتوسيع طاقتها الإنتاجية من عشرة ملايين برميل يوميا إلى 12.5 مليون برميل يوميا، بتكلفة بلغت 70 مليار دولار. وخصصت على مدى السنوات الخمس المقبلة أكثر من 60 مليار دولار للاستثمارات المستقبلية. ولكنها بطبيعة الحال مترددة في مواصلة تطوير حقول جديدة في الوقت الذي تملك بالفعل 4.5 مليون برميل يوميا من الطاقة الإنتاجية التي لم يتم استغلالها بعد.
وتنوي شركة Petrobras، التي تمتلك فيها الحكومة البرازيلية حصة مسيطرة، زيادة استثماراتها بنسبة 55 في المائة لتصل إلى 174 مليار دولار خلال السنوات الخمس المقبلة. ويعتقد أن اكتشافاتها الأخيرة في المياه العميقة من بين أكبر حقول النفط التي تم اكتشافها. ولكنها على بعد عميق تحت الأرض، تحت المياه العميقة وطبقة سميكة يصعب حفرها من الملح. ولا أحد يعلم بعد كم ستبلغ تكلفة تطويرها أو كم سيستغرق ذلك من الوقت، إلا أن النطاق الهائل لبرنامج الاستثمار يوحي بأن استخراج هذا النفط سيكون مكلفا جدا.
علاوة على ذلك، فإن معظم الشركات المملوكة للدولة لا تملك مثل هذا المال لإنفاقه. ففي روسيا، ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، ينخفض الناتج لأن أصحاب رؤوس الأموال من القطاع الخاص هربوا بسبب خوفهم من سلسلة من عمليات نزع الملكية، في حين تستنزف الدولة الشركات التي تسيطر عليها حيث لا يتبقى لها ما يكفي من المال للاستثمار. وللسبب نفسه، تفتقر شركة النفط الوطنية في فنزويلا للمال، حيث إنها لم تدفع لشركات خدمات حقول النفط التي تستخدمها كمقاولين من الباطن. وحين رفض بعضها الاستمرار في العمل حتى يتم دفع المال لها، استولت الحكومة على أصولها.
ومن الطبيعي أن تشعر معظم الدول الغنية بالنفط بالسعادة بسبب ارتفاع الأسعار. وقد اعتادت الكثير منها على عائدات وفيرة في السنوات الأخيرة، وعملت جاهدة لتحقيق توازن ميزانياتها منذ انخفاض الأسعار العام الماضي. وأشار العاهل السعودي إلى أنه يعتقد أن سعر 75 دولارا للبرميل سعر عادل. أما إيران وفنزويلا فأكثر تشددا من ذلك، فمن غير المحتمل أن تستثمرا بكثافة من أجل تخفيض الأسعار.
وبصورة مماثلة، فإن الدول التي زدات الضرائب على النفط حين كانت الأسعار مرتفعة، مثل بريطانيا وروسيا، مترددة بصورة خاصة الآن بتخفيض حصتها عن طريق خفض الضرائب ثانية. إلا أن ارتفاع معدلات الضرائب الهامشية يساعد على ردع الاستثمار في الطاقة الإنتاجية الجديدة.
خدمة بطيئة
شركات خدمات حقول النفط هي من بين أول من يعاني عواقب كل هذا. والمشكلات التي تعانيها تعني تباطؤ الصناعة. فأكبر شركة من بينها، Schlumberger، خفضت استثماراتها المخطط لها بنسبة 13 في المائة هذا العام لتصل إلى 2.6 مليار دولار بعد انخفاض أرباحها بنسبة 30 في المائة في الربع الأول. وخفضت خمسة آلاف وظيفة هذا العام وتنوي تخفيض عدد أكبر من الوظائف. وتخلصت شركة Baker Hughes المنافسة لها من ثلاثة آلاف وظيفة. ويقول الأصفري رئيس Petrofac، إن الزبائن يحاولون الحصول على تخفيضات أسعار كبيرة.
ولا يؤدي انخفاض الاستثمار إلى إعاقة الاستكشاف وتأجيل المشاريع الكبيرة فقط، بل قد يؤدي أيضا إلى تخفيض الإنفاق على الصيانة، وبالتالي إلى انخفاضات أكبر في الناتج. وتقدّر وكالة الطاقة الدولية أن الناتج من الحقول القديمة خارج الأوبك سينخفض بنسبة تقارب 11 في المائة سنويا. ولكن من خلال استخدام حيل مثل ضخ المياه أو الغاز للحفاظ على الضغط، تمكنت شركات النفط من الحد من معدل الانخفاض إلى 7.7 في المائة. وتشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية إلى أن انخفاض الاستثمارات هذا العام قد يرفع المعدل إلى 9.4 في المائة. وسيقلل هذا ناتج النفط العالمي بمقدار 110 آلاف برميل يوميا هذا العام، وبمقدار 250 ألف برميل يوميا العام المقبل، وبمقادير متزايدة بعد ذلك. وفي غضون ذلك، تعتقد Merrill Lynch أن تقديرات وكالة الطاقة الدولية تقلل من معدل الانخفاض.
وسيعوض انخفاض التكاليف في الصناعة تأثير انخفاض ميزانيات الاستثمار إلى حد ما. وتقول BP إن التخفيض الطفيف في استثماراتها لا يمثل فعليا تخفيضا، بفضل الانكماش. فبعض الأسعار تنخفض: كان استئجار حفارة في جنوب شرق آسيا يكلف 225 ألف دولار يوميا العام الماضي ولكنه انخفض إلى 160 ألف دولار يوميا في نيسان (أبريل)، وفقا لـ Lockett من شركة Premier Oil.
ولكن لا يزال هناك الكثير من قيود التوسع. فأولا، ليس هناك في العالم مهندسون وجيولوجيون ذوو خبرة في النفط بقدر ما يحتاج، كما يقول Iain Manson من شركة Korn/Ferry للتوظيف. ويتوقع أن يستغرق التغلب على هذا النقص عقدا من الزمن أو أكثر. ويضيف أن الأجور في صناعة النفط تنخفض في الوقت نفسه بمقدار انخفاض التكاليف الأخرى نفسها تقريبا.
والأسوأ من ذلك هو أنه لا يوجد ما يدل على أن الحكومات مستعدة لتسهيل وصول شركات النفط إلى المناطق الواعدة للاستكشاف. فخطط العراق لتوقيع عقود كبيرة جديدة مع شركات أجنبية متأخرة سنوات عديدة عن موعدها، مثلما تأخر قانون النفط الجديد فيها. ولا تزال العقوبات الأمريكية تعرقل الاستثمار في إيران. وقامت الحكومة المكسيكية أخيرا بتوسيع نطاق شركة Pemex، الشركة المملوكة للدولة التي تحتكر النفط، لتوظيف مقاولين أجانب. ولكنها تخلت عن خطط أكبر وأشمل للسماح للاستثمار الخاص بالاستكشاف والإنتاج في مواجهة المعارضة السياسية القوية. ولم تتمكن الحكومة النيجيرية من إخماد التمرد في دلتا النيجر، مما يصعّب على شركات النفط العمل هناك. وحتى في أمريكا، فإنه على الرغم من سنوات النقاش الطويلة، إلا أنه لا يزال من المحظور الحفر في معظم المياه الساحلية ومعظم أجزاء ألاسكا.
ويقول Currie من Goldman Sachs: باختصار، لم يتم حل المشكلات "فوق الأرض" مثل محدودية الوصول وارتفاع التكاليف، وستستمر مثل هذه المشكلات في الحد من نمو إمدادات النفط العالمية. وهو يشير إلى أنه حتى حين كانت الأسعار مرتفعة، كانت هذه القيود تحد من حجم المشاريع الجديدة التي يتم الموافقة عليها من قبل شركات النفط. وسيسهم انخفاض الاستثمارات في تضخيم النقص. لذا حين يبدأ الطلب في الانتعاش، من المحتوم حدوث ارتفاع حاد في الأسعار.
ولكن لا يعني هذا أن ارتفاع الأسعار سيحدث قريبا. فالسرعة التي سيحدث بها هذا تعتمد على قوة الانتعاش العالمي. ويقول Currie أنه إذا نفدت سعة التخزين من شركات النفط قبل أن يبدأ الطلب بالزيادة، قد تنهار الأسعار مرة أخرى.
وفي الوقت الحالي، يواصل الاستهلاك العالمي للنفط انخفاضه، على الرغم من تحسن التوقعات الاقتصادية قليلا. وتوحي آخر الأرقام أن تعطش الصين يزيد مرة أخرى. وبدأت الواردات تقترب من مستوياتها قبل الأزمة وبلغت مبيعات السيارات الجديدة مستوى جديد في نيسان (أبريل). إلا أن هذا لن يكون كافيا لخفض المخزونات العالمية، بالنظر إلى أن انخفاض الطلب من العالم الغني أكبر من إجمالي واردات الصين.
ويشير Ed Morse، من شركة LCM Commodities للسمسرة، إلى أنه بعد صدمات الأسعار السابقة، لم يعد نمو الطلب إلى معدلاته السابقة، بفضل تدابير الكفاءة التي يتم اتخاذها حين تكون الأسعار مرتفعة. إضافة إلى ذلك، تسمح التطورات التكنولوجية لشركات النفط بالاستفادة من أنواع جديدة من الموارد، بما فيها الغاز المحتبس في طبقات الفحم والحجر، وحقول النفط "الملحية"، التي من المحتمل أن يتم إيجادها قبالة ساحل أنجولا وكذلك في البرازيل.
علاوة على ذلك، يمكن للحكومات القيام ببعض الأمور المختلفة لتلطيف الارتفاع الوشيك في الأسعار، كما تقول شركة McKinsey الاستشارية التي تتوقع أيضا حدوث أزمة في الإمدادات النفطية خلال السنوات القليلة المقبلة. وأحد الإجراءات البسيطة التي يمكن لها اتخاذها هو السماح للشاحنات بسحب مقطورات أطول، مما يزيد بالتالي كفاءة الوقود. ويمكن للدول الغنية أيضا زيادة إمدادات الوقود عن طريق إلغاء الرسوم الجمركية على الإيثانول المستورد، كما تقول الشركة. ومن شأن إقناع الدول النامية بالتخلي عن إعانات الوقود أن يحدث فرقا كبيرا. وعلى المدى الأطول، من المفترض أن يكون للقيود الأكثر صرامة على انبعاثات الكربون ومعايير الكفاءة الأعلى للسيارات في جميع أنحاء العالم تأثير ضار على الطلب على النفط.
وفي اجتماع أوبك، قال علي النعيمي وزير النفط السعودي، إن سعر النفط المنخفض يزرع دائما بذور الارتفاع المستقبلي للأسعار، بما أنه يؤدي إلى نقص الاستثمار. والسؤال الوحيد هذه المرة هو كم سيستغرق هذا الضغط من الوقت ليظهر.