اقتصادات منطقة اليورو المضطربة .. تحسن بطيء

اقتصادات منطقة اليورو المضطربة .. تحسن بطيء

جاء الربيع، وابتهجت أسواق الأسهم المالية، بل وحتى المتنبئين يشعرون بتفاؤل أكبر قليلا بشأن التوقعات الاقتصادية. وفي منطقة اليورو، قد تصبح الأمور أسوأ قليلا بعد الشتاء القارس بصورة خاصة. وقد أظهرت الأرقام التي تم نشرها في 15 من أيار (مايو) أن الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد المكون من 16 دولة تقلص بنسبة 2.5 في المائة خلال الأشهر الثلاثة حتى آذار (مارس)، أي أقل بنسبة 4.6 في المائة مما كان عليه في الربع الأول من عام 2008. وقد بدأ الانخفاض في ألمانيا، أكبر اقتصاد في المنطقة، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7 في المائة من ذروته قبل الركود.
وقد ابتليت ألمانيا بأسوأ مظاهر الأزمة الاقتصادية العالمية: انهيار التجارة العالمية والتخفيض الهائل للمخزونات من قبل الشركات. ومثل اليابان، تدفع ألمانيا ثمن اعتمادها المفرط على النمو المدفوع بالصادرات. وقد تفاقم ألم انخفاض المبيعات الأجنبية لأن الشركات القلقة بشأن الطلب المستقبلي والحريصة على حماية احتياطياتها النقدية خفضت المخزونات وقللت الإنفاق على المصانع والأجهزة. ولم تتضرر الدول الأقل ميلا للتصنيع من ألمانيا، مثل بريطانيا وإسبانيا وأمريكا، بالقدر نفسه. وفي الواقع، تمكنت من تصدير بعض همومها لمزوديها. كما أن لدى اقتصاداتها القائمة على الخدمات مخزونات أقل لتصفيتها.
وربما يكون تخفيض المخزونات خفض ما يعادل 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول، كما يقدّر Julian Callow من Barclays Capital. وبما أنه لا يمكن للشركات تخفيض مخزوناتها للأبد، ولا يمكن للصادرات أن تنخفض أكثر من ذلك، من المفترض أن يكون الربع الثاني أقل سوءا ولا شك أن مسوحات الأعمال تشير إلى ذلك. فقد ارتفع مؤشر مديري المشتريات، وهو مقياس للنشاط تتم مراقبته عن كثب، في أيار (مايو) إلى أعلى مستوى له منذ تشرين الأول (أكتوبر). ويسجل المتنبئون الآن انخفاضا أقل في الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني، ربما بواقع نصف نقطة مئوية، وقد يتحسن الناتج لبعض الدول إذا سعت الشركات لإعادة بناء مخزوناتها بسرعة. وقد يستعيد الاقتصاد بعض نشاطه الذي فقده في وقت لاحق من هذا العام.
ولكن لا يزال الأمل بحدوث انتعاش قوي بعيدا. وأحد العقبات المحتملة هي الوظائف. وحتى الآن، كان لانهيار الناتج في منطقة اليورو تأثير متفاوت على التوظيف. ففي إسبانيا، تضاعف معدل البطالة تقريبا في العام الماضي, ولم يتغير في ألمانيا، على الرغم من الانخفاض الأكبر في ناتجها المحلي الإجمالي. ولدى ألمانيا، مثل إسبانيا، قوانين عمل تجعل عملية طرد العمال الدائمين مكلفة. ولكن في ذروة فترة الازدهار في إسبانيا، كان ثلث قوة العمل فيها يعملون بموجب عقود مؤقتة. ولا يتمتع هؤلاء العمل بالحماية الوظيفية التي يتمتع بها بقية العمال. وحال انتهاء ازدهار البناء في إسبانيا فقدوا وظائفهم بسرعة.
وعلى النقيض من ذلك، أجّل أصحاب العمل الألمان تخفيض الوظائف. وقلل بعضهم مناوبات العمل، معتمدين على خطة الدولة لدعم نظام أجور العمال المؤقتين. ولكن من المحتمل أن تتسارع عملية تسريح العمال بعد أن تعدّل الشركات جداول الرواتب وفقا لانخفاض مستوى الطلب. وسيضر فقدان الوظائف بصورة أكبر بالإنفاق الاستهلاكي، الذي صمد جيدا حتى الآن.
ويعمل البنك المركزي الأوروبي لتحقيق أهداف بعيدة المدى. وأسعار فائدته البالغة 1 في المائة أعلى منها في بريطانيا أو أمريكا، ولكنه يقدم قروضا غير محدودة للبنوك بهذا السعر، لمدة تصل حتى 12 شهرا. وساعد هذا في إبقاء الأسعار بين البنوك، وهو معيار القروض للشركات والعائلات، أدنى من المستويات البريطانية التي تستحق بعد ثلاثة أشهر، وستة أشهر، و12 شهرا. وفي الرابع من حزيران (يونيو)، سيعلن البنك المركزي الأوروبي تفاصيل خطته لشراء 60 مليار يورو (83 مليار دولار) من أكثر سندات البنوك أمنا للمساعدة في متطلبات التمويل الأطول أجلا.
ومن المفترض أن تكون هذه الإجراءات كافية لتجنب جفاف الائتمان المصرفي، الذي يعد المصدر الرئيس للتمويل بالنسبة للمقترضين في منطقة اليورو. إلا أن الشركات لن تقترض المال للاستثمار إلا إذا كانت متأكدة من انتعاش الإنفاق. فلا تزال إسبانيا، أكبر دولة مستهلكة في المنطقة، تعاني آثار فترة ازدهار الإسكان. والمستهلك الأمريكي بدأ بالتعثر، والمتسوقون البريطانيون مثقلون بالديون، ومن غير المحتمل أن يتحمل الألمان القلقون هذا العبء لوحدهم. وبالتالي من المرجح أن يتحول الانتعاش من الانهيار إلى مهمة صعبة تستغرق وقتا طويلا.

الأكثر قراءة