قيادة العمل عندما تتخذ القرارات في وقت المسؤولية

قيادة العمل عندما تتخذ القرارات في وقت المسؤولية

عندما ننظر إلى الاقتصاد العالمي في يومنا هذا، بإمكاننا أن نرى أن جزءاً أكبر من العالم يعمل بموجب فلسفة تدعى "رأسمالية السوق" حسبما يلاحظ سوبي رانجان، الأستاذ للاستراتيجية والإدارة، وزميل شيل Shell في الأعمال والبيئة في إنسياد.
يقول رانجان: " مقارنة بعشر سنوات مضت، وبالتأكيد مائة عام، فإن قطاع العمل في يومنا هذا يتخذ مجموعة هائلة من القرارات، ويصبح موزعاً للموارد الرئيسية".
حان الوقت، حسبما تأكيد رانجان،لأن ننظر إلى عشرات الملايين من المشاريع في العالم وكأنها "مواطنون"، ويتوقع منها أن تتصرف كذلك.
كان رانجان يتحدث في قمة قيادة انسياد التي انعقدت عام 2009 في فونتانبلو، أثناء جلسة حول قيادة العمل، أدارها مقدم أخبار العالم في محطة هيئة الإذاعة البريطانية BBC World News ، نيك غوينغ.
الأداء وعالم متغير.
على نحو تقليدي، كان يتم تعريف الأداء بأنه نمو مربح مستدام. ويشير رانجان قائلاً: "إذا كنا نعني حقيقة ’مستدام‘، فعلينا أن نعطي المزيد من الجوهر إلى ذلك.
وجاء الوقت الآن لإعطاء ذلك مزيدا من الجوهر بأخذ المجتمع بالحسبان، وفقاً لرانجان. ويقترح أن تأخذ الشركات بعين الاعتبار المفهوم الذي ينبغي صياغته بعبارة "النمو المربح المشروع على الصعيد الاجتماعي".
وتشير عضوة اللجنة نانسي مكنستري، رئيسة مجلس الإدارة، والرئيسة التنفيذية لشركة المعلومات العالمية والنشر، والترز كلوير Wolters Kluwer، إلى أن عديدا من الخصائص التي صنعت قادة جيدين قبل عشر سنوات – "الرؤية، والالتزام، والقدرة على التكيف" – ما زالت ذات علاقة في يومنا هذا.

وتقول إنه إذا أمكن غرس هذه الخصائص في "جميع المديرين داخل مؤسساتنا"، عندئذ سوف تكون الشركات قادرة على إشباع حاجات المجتمع، وحاجات المساهمين في تلك الشركات.
بالنسبة لجيم هاجمان سنابي، وهو عضو مجلس إدارة تنفيذي في عملاقة البرمجيات، ساب SAP، فإنه ينبغي على رجال الأعمال والشركات إيجاد سبل ليس لجني الأرباح فحسب، وإنما أيضاً أن تكون الأرباح مستدامة في أسواقها المختارة. وإن التصرف على نحو مسؤول مهم، حسبما يقول، لأن لذلك تأثيراً، ليس فقط على "الكيفية التي ينظر بها الزبائن إليك – بل بشأن الكيفية التي ينظر بها موظفوك إليك".
وقال سنابي لإنسياد نولدج INSEAD Knowledge ، إن وجهات نظره بشأن قيادة العمل تغيرت خلال قيامه بزيارة إلى الهند، وأدرك أن على الشركات أن تلعب دوراً مسؤولاً، وأن تحاول تحسين نوعية الحياة في المجتمعات التي تخدمها. وحسبما يقول، "دون أن تكون متشدداً بشأن ذلك"، فإن سنابي عاد إلى ساب ليرى كيف يمكنه أن يرفع شأن قاعدة زبائن شركة البرمجيات لكي تفيد الآخرين.
ونفذت ساب تحقيقاً مطولاً في انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون، وأبدت التزاماً بتخفيضها بشكل ملحوظ.
ويذكر سنابي إن ساب الآن لديها "هدف جديد يتعدى نطاق بيع البرمجيات" وأن تصبح على نحو فاعل "شركة تساعد في أن يصبح العالم مكاناً أفضل". وكان التأثير على الموظفين حسبما يقول، لا يمكن تصديقه. وكان ذلك يعني القدرة على "إعطاء الزبائن عرضاً مشوقاً" وفي الوقت ذاته الفوز، إلى حد ما، "بقلوب الموظفين".
ويضيف: "إن الأمر بسيط للغاية: افعل الشيء الصحيح، ويتعلق ذلك بالكيفية التي تعمل بها. وإذا عملت، فإن الأشخاص سوف يعملون أيضاً". ويضيف قائلاً إنه في حين أن الصفات العامة المطلوبة في القيادة الجديدة يمكن ألا تكون قد تغيرت في العقد الأخير من الزمن، إلا أن العالم اليوم مكان مختلف للغاية. ويقول: "إن العالم في غاية الشفافية اليوم... وإذا كانت لديك، كشركة، أهداف ليست قصيرة النظر للغاية، فإن ذلك سوف يكون واضحاً بقوة في عالم متصل فيه الجميع تماماً، وتنتشر هذه المعلومة في جزء من الثانية إلى شتى أرجاء العالم".

الموهبة والقيادة
وقامت إنسياد بتنظيم رحلة سنابي الدمشقية إلى الهند، بالتعاون مع ليدرز كويست Leaders' Quest، وهي مؤسسة اجتماعية. تقول مؤسسة ليدرز كويست، وشريكها الإداري، ليندسي ليفين، التي شاركت في القمة أيضاً، إنه من المهم بالنسبة للشركات أن تفهم ما تطلق عليها "الوقائع الجديدة للحياة". وتعتقد ليفين أننا بحاجة إلى مزيد من الأشخاص في مراكز القيادة ممن هم "مرتبطون بشكل عميق" بالإنسانية، وبالحياة في شتى الأرجاء حولهم – ولديهم اهتمام عميق بقضايا مثل التغير المناخي.
قالت ليفين لانسياد نولدج: "أعتقد أن فكرة رؤية المسؤولية الاجتماعية للشركات وكأنها ’شيء إضافي‘ هي خطأ جسيم"، وأضافت قائلة إن على الشركات أن تتطلع لرؤية كيف يمكنها المساهمة في "تحسين البشر"
وتوضح ليفين: "إننا بحاجة إلى أشخاص في مراكز القيادة ممن هم متجذرون عميقاً فيما نشعر به ككائنات حية". ويجب أن يكون القادة من ذوي الرؤية، ولديهم الشجاعة والرغبة لاختبار الفشل، حسبما تضيف.
القوانين والتنظيمات.
ويعتقد سنابي من ساب أن الإنتاجية يتم خنقها بعديد من القوانين. والمهرب الوحيد لقيادة العمل هو التصرف بطريقة مختلفة. والأمر بسيط للغاية، حسبما يقول: يتم تنظيم الشركات لأنها تسيء التصرف.
ويتساءل "إما أن تتصرف، ويكون لديك مطلق الحرية في قوانينك، أو لا تتصرف، وتجلب أنت قوانين قوية فعلياً. وفي نهاية اليوم، نقتل إنتاجية".
وأشار كلود برونيت، مسؤول التشغيل الأعلى في أكسا AXA، وخريج انسياد (ماجستير في إدارة الأعمال عام 1987)، قائلاً: "يمكن أن تكون لديك كافة القوانين في العالم، ولكن لا يوجد بديل عن مسؤولية الإدارة".
وقال برونيت "لإنسياد نولدج": "ينبغي أن يكون لديك أشخاص لديهم قيم شخصية قوية، يعيشون معها، حتى في بيئة صعبة. وإن التنظيم لا يحل على الإطلاق مكان المسؤولية الفردية".
ومضى يوسي روزين، رئيس مجلس إدارة شركة أويل ريفاينريز Oil Refineries إلى أبعد من ذلك. وهو يعتقد أن السيطرة يجب أن تأخذ شكل السلوك الأخلاقي، وليس التنظيم، مضيفاً أن التنظيم فشل في الماضي.
ويقول روزين: "اعتقد أن المبالغة بالتنظيم سوف تقتل العمل، ولا تستطيع إدارة أي عمل بموجب تنظيم يومي".

ويشير روزين إلى أنه من السهل للغاية بالنسبة للقادة أن يكونوا منشغلين "بثقافة اللوم" الحالية. وبدلاً من ذلك، يحذر من أن القادة المسؤولين يجب أن يبحثوا لإيجاد ’الطريق الصحيح‘ بين الأجل الطويل والأجل القصير.
ويبين أنه أمر أساسي لأي رئيس تنفيذي أن يصر على تخصيص بعض الوقت يومياً، للتأمل في هدوء بشأن ما إذا كانوا يتخذون فعلياً أفضل القرارات الممكنة.
أما روزين، الذي عمل كرئيس، ورئيس تنفيذي للمؤسسة الإسرائيلية، حتى حزيران (يونيو) 2007، وكمدير لفروعها، فإنه يشير إلى أن في حين أن الرؤساء التنفيذيين يحصلون على دعم مجالس إداراتهم، إلا أنهم في نهاية المطاف يعملون بمفردهم.
وتتفق معه في الرأي ليفين من ليدرز كويست قائلة: "لو أن الأمر يتعلق بالقوانين فقط، فإننا لسنا بحاجة إلى قادة. والمغزى من القيادة هو أنك لا يمكنك فقط أن تتبع مجموعة من القوانين.
وأبدى رانجان من انسياد ملاحظة تحذيرية. وبشكل عام، حسبما لاحظ، فإن بني البشر غير جيدين في اكتشاف الإشارات الضعيفة.
وقال لانسياد نولدج: "إن الناس لا يعملون بناء على إشارات ضعيفة، بل بناء على إشارات قوية".
حسبما يؤكد، فإنه في هذا المجال يمكن أن تلعب ثقافة الشركة دوراً مهماً. ويقول: "إذا لم تكن لدينا أنظمة – لا يكفي أن تكون لدينا الذهنية والرغبة – فإننا بحاجة إلى بعض الأنظمة أيضاً، وهنا أيضاً يأتي دور القيادة، وهنا يأتي دور ثقافة الشركة".
ويشير رانجان إلى أن قادة العمل ليسوا وكلاء عقلانيين فحسب، ويعالجون المعلومات، بل إنهم أيضاً "أشخاص لديهم قيم، ولا يمكنهم الانتظار دائماً للحصول على مزيد من المعلومات".
إنهم يتخذون القرارات على الرغم من "الغموض" حسبما يقول، و"يقتضي ذلك الحكم الجيد"

الإطار الزمني للتحديات: الأجل الطويل مقابل الأجل القصير.
يذكر رانجان أن المعضلة التي تواجه المؤسسات هي أن عواقب العديد من القرارات التي يتخذها التنفيذيون، الذين يمكن أن يكونوا في مركز السلطة لسنوات قليلة فقط، سوف تصبح واضحة على الأرجح بعد أن يترك أولئك الذين اتخذوا القرارات الشركة بفترة طويلة. ومن الواضح أن الأمرين (القرارات والعواقب) ليسا منسجمين، وفي حين أن الخطط يمكن تدقيقها وتقييمها مرة كل ربع سنة، أو مرة في العام، إلا أنه يمكن أن يكون لعواقبها تأثير بعد أن تمر عقود.
وقال لإنسياد نولدج إنه يرى تناقضاً محتملاً بين الابتكار لأجل طويل، وأن يكون المرء "منطقياً وحذراً" بشأن أداء الشركة والتدفق النقدي في الأجل القصير.
ويوضح "سوف تكون هناك بعض الانعكاسات، وفي هذه المرحلة، فإن الأشخاص معرضون إلى تهديد تكلفة العقوبات. وبناءً عليه، إذا أخطأوا، فإن ذلك سوف يكون إلى جانب كونهم محافظين".
ويقول برونيت، التنفيذي في أكسا، إن الشركات يجب أن تكون ’مرنة وفطنة‘ في الأجل القصير. ويضيف: "ولكن ما لم تعرف إلى أين أنت ماضٍ، فمن الصعب للغاية المناورة في البيئة الحالية".
أما بالنسبة لمكنستري من ولترز كلوير، فإنها تشعر أنه بالنظر إلى التقلبات الحالية، "فمن الضروري أن تكون لديك بعض الأمور التي تعمل عليها، ليست لأجل طويل للغاية، وتكون ملتزماً فعلياً تجاهها، بناءً على حدسك الداخلي لما هو صحيح، واعتماداً على استراتيجية الشركة، لأنه سيكون هناك العديد من الضغوط التي تجعلك تتحرك بعيداً عن تلك الالتزامات الأطول أجلاً".
وفي مقابلة مع انسياد نولدج على هامش القمة، قدمت مكينستري مزيدا من التفاصيل: "إننا بحاجة إلى رؤية لأننا يجب أن نكون على استعداد للقول إن هذه الاستثمارات الخاصة ستكون في غاية الأهمية للشركة بعد 50 عاماً من الآن"، عندما لا تكون الإدارة الحالية موجودة.
بعد كل ما ذكر، حسبما تقول، فإنه يجب أن يكون هناك توازن ما بين التزامات الشركة قصيرة الأجل، والتي يمكن أن تعني في الوقت الحاضر البقاء، وخططها الاستثمارية من أجل المستقبل.
وبشكل مختصر، يجب على الشركات أن تخطط للأجل الأطول، ولكن في الوقت ذاته أن تكون أكثر مرونة وفطنة. وسوف يقتضي ذلك تخطيط سيناريو إضافياً، حسبما تقول، إلى جانب اعتراف الشركات بأن من الصعب التنبؤ بالنتائج المستقبلية. وسينبغي على الشركات أيضاً أن تزيد مستوى الاتصالات لديها، حسبما تقول.

القادة كصمامات للحدود.

في الختام، يلاحظ الأستاذ رانجان أنه عندما يحين وقت المسؤولية، يجب على قادة العمل الإدراك والتصرف وفق أدوارهم وكأنهم صمامات للحدود.
إن الحدود الثلاثة التي يلمح إليها هي حدود مجتمع العمل، والحدود المؤقتة قصيرة الأجل مقابل طويلة الأجل، والحدود التقريبية مقابل المكانة العالمية.
إن القيادة عندما يحين وقت المسؤولية، حسبما يستنتج، تتعلق بالتصرف بطرق شجاعة ومبدعة للتسوية بين المتطلبات ذات العلاقة بهذه الحدود الثلاثة.

الأكثر قراءة