مستقبل صناعة "المحتوى على الموبايل"
ما زالت صناعة محتوى الموبايل في أول أيامها وذلك لأن معظم مؤسسات محتوى الموبايل تستثمر رأسمال أكبر في التسويق والعلاقات التجارية بدلا من الاستثمار في المحتوى نفسه.
قد لا يعرف الكثيرون الذين يستهلكون نغمات الانتظار على الجوال ويسمعون نغمات الاتصال ويرون خلفيات الصور على الجوالات أو يستقبلون الأخبار ورسائل المعلومات أن وراء هذه النغمات والصور والرسائل صناعة ناشئة يصل حجمها إلى عشرات ملايين الريالات وتسمى بـ"محتوى الموبايل" Mobile Content، والتي تقوم باختصار على البحث عن المحتوى الجذاب والمناسب لوضعه على الموبايل والحصول على الحقوق الخاصة به مقابل مبلغ معين من المال أو مقابل نسبة من الأرباح ثم تقديمها لشركات الاتصالات في دولة أو أكثر من الدول العربية.
بدأت هذه الصناعة بالنمو قبل نحو ست سنوات من خلال نغمات الجوال، ثم جاءت بعد ذلك الخدمات الإخبارية والمعلوماتية ثم بعدها نغمات الانتظار ومقاطع الفيديو القصيرة على الجوال، والآن مع انتشار تقنية الـ 3G واستثمار شركات الاتصالات في بوابات المحتوى مواقع "الواب" التابعة لها والتي يمكن زيارتها من خلال الاتصال بالإنترنت على الموبايل، توسعت فرص مؤسسات محتوى الموبايل، وخاصة أن عدد زوار هذه البوابات يزداد بشكل مضطرد حتى إن حجم دخل شركات الاتصالات في المملكة - حسب بعض المصادر - من محتوى الموبايل يزيد على مليار ريال سنويا.
على الرغم من ذلك، فإنه – باستثناء المحتوى الموسيقي والمحتوى الإسلامي - ما زالت صناعة محتوى الموبايل في أول أيامها وذلك لأن معظم مؤسسات محتوى الموبايل تستثمر رأسمال أكبر في التسويق والعلاقات التجارية بدلا من الاستثمار في المحتوى نفسه، بينما لا تكاد توجد مؤسسات متخصصة في إنتاج المحتوى الخاص بالموبايل إلا بشكل محدود جدا.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يذهب صاحب المحتوى بشكل مباشر إلى شركة الاتصالات ويلجأ للشركات الوسيطة؟
السبب في الغالب أن بناء علاقات قوية ومثمرة مع شركات الاتصالات "والتي في الغالب يصلها عشرات العروض يوميا التي تزيد على قدرة موظفيها للتعامل معها" يستهلك جهدا واستثمارا ويحتاج للمهارة والعلاقات مع موظفي الشركات حتى يمكن للأمور أن تمضي بسلاسة، والأمر نفسه ينطبق على تحصيل الدفعات المالية من الشركات والمتابعة التقنية وغير ذلك. لهذا السبب يلجأ الكاتب المبدع الذي لديه ما يقدمه للموبايل أو الشخص الموسيقي أو منتج الفيديوهات ومنتج الدراما وأصحاب العلامات التجارية إلى هذه الشركات المتخصصة، بما يعني أن صناعة "محتوى الموبايل" ما زالت تشبه صناعة نشر الكتب حيث يوجد الناشر الذي يتابع التوزيع والطباعة، ويشتري المحتوى الذي يعتقد أنه سيحقق الجاذبية اللازمة لتحقيق الأرباح من المؤلفين.
لكن هذه السلسلة التجارية الموجودة حاليا في عالم "محتوى الموبايل" والتي تشبه نشر الكتب هي مجرد سلسلة مؤقتة لأن تكنولوجيا منصات المحتوى تسمح في الأصل لصاحب المحتوى بوضعه على النظام الخاص بذلك، وتسمح له بمتابعة دفعاته المالية من على الإنترنت، وهو أمر موجود في الأصل لدى جميع شركات الاتصالات في المملكة، ولكنه أمر غير مفعل بما ينبغي.
خلاصة القول إن وسطاء بيع محتوى الموبايل ومقدمي الخدمة هم في حالة تجارية مؤقتة ستندثر قريبا مع تطوير شركات الاتصالات لإمكانياتها ومع زيادة أثر المحتوى في المنافسة بين شركات الاتصالات، وسيكون البقاء في هذه الصناعة في النهاية لثلاثة أنواع من المؤسسات فقط:
الأولى، المؤسسات التي تخلق المحتوى من الناحية الإبداعية وتبني الخبرة اللازمة لفهم ما يحتاجه مستهلك محتوى الموبايل ويقبل عليه من الشباب، وإذا كانت الشركات الإعلامية الكبرى هي الأولى في تحقيق النجاح على هذا المستوى، إلا أن ضعف فهم هذه الشركات لما يحتاجه الشباب، وعدم قدرتهم على تجاوز الأنماط التقليدية في صناعة المحتوى سيفتح الباب للمؤسسات الصغيرة التي تتجاوز هذه المشكلات.
النوع الثاني، هي المؤسسات التي تملك التكنولوجيا التي تقدم المحتوى على الموبايل، ويوجد عدد من المؤسسات حاليا في السوق التي تملك فريقا برمجيا متقدما، وبدأت هذه المؤسسات بتحقيق نجاحات مميزة في السوق في العامين الأخيرين، وخاصة مع بطء شركات الاتصالات في تقديم هذه الخدمات لمقدمي المحتوى المتعاونين معها.
النوع الثالث، هي المؤسسات القادرة على تسويق المحتوى للجمهور لأنها تملك قاعدة ذكية ومصنفة من أرقام هواتف الجمهور، أو لأنها تملك وسيلة الإعلام الجماهيرية التي تدعم ترويج المحتوى.
لكن تنظيم السوق بهذا الشكل، وهو الأمر الذي من شأنه أن يسهم في نمو قطاع "محتوى الموبايل"، لا يمكن أن يتم إلا إذا بذلت شركات الاتصالات جهدا ضخما في جعل التعامل معها سهلا سلسا، وتحويل تحصيل الدفعات المالية لعملية ميسرة ولا تستهلك الكثير من المال والجهد، وهو جهد مبرر رغم أنه يتطلب أيضا استثمارا في الموارد البشرية والأنظمة (من قبل شركات الاتصالات) وذلك لأنه بلا شك سيساعد في النمو السريع لصناعة "محتوى الموبايل"، وهو الأمر الذي سيعود بالفائدة بالدرجة الأولى على شركات الاتصالات التي استثمرت مئات الملايين في تقنية الجيل الثالث وتقنيات تزويد المحتوى، وفي ظل انخفاض معدل الدخل الذي تحصل عليه من المستهلك ARPU نظرا للمنافسة الحادة بين الشركات في السوق.
في الأسبوع المقبل سأتناول بعض المعطيات العالمية في مجال تزويد المحتوى على الموبايل.