جسر الملك فهد .. أزمة شاحنات !
أصبح تكدس الشاحنات المحملة بالبضائع والسلع المختلفة من الظواهر المعتادة التي يلحظها العابرون لجسر الملك فهد الرابط بين السعودية والبحرين يوميا، دون أن يلقوا لها بالا أو اهتماما فهم أيضا يواجهون ذات المصير وإن كان في أيام معينة وبدرجات متفاوتة.
وإن تبادر إلى ذهن أحدهم السبب وراء ذلك فإن الإجابة تكاد تكون متشابهة في كثير من الأحيان وهي "بطء في إنهاء الإجراءات على الجسر"، رغم أن هنالك أطرافا أخرى وراء الظاهرة.
"الاقتصادية" زارت الموقع ورصدت تكدس الشاحنات على الجسر وحاولت الوصول إلى الأطراف الأخرى لسبب ذلك التكدس واستمرار معاناة سائقي تلك الشاحنات، والتقت عددا من المستثمرين وسائقي تلك الشاحنات والمسؤولين هناك لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تقف خلف ذلك الانتظار الطويل.. فإلى التفاصيل:
#2#
500 شاحنة تنتظر يوميا
إن تمركز أكثر من 500 شاحنة محملة بسلع تجارية على الطريق المؤدي لجسر البحرين، جعل من المنطقة شبه معسكر للسائقين يمارسون فيه هوايات متعددة لتكسير ساعات الملل والانتظار اليومية.
محمد بشير (باكستاني)، سائق شاحنة عمل في السعودية لأكثر من ثماني سنوات قضى أغلبها في العمل بين السعودية والبحرين، يعمل على شاحنته الخاصة يضطر للمكوث قرابة خمسة أيام متواصلة حتى يتمكن من عبور جسر الملك فهد، يقول بشير "خمسة أيام متواصلة أمارس فيها مهنا مختلفة من قيادة للشاحنة مرورا بالطبخ والحراسة الليلية".
يضيف بشير أنه يضطر في كثير من الأحيان للتزود بكميات كبيرة من الأطعمة ومياه الشرب داخل شاحنته، خاصة وأنه لن يكون بمقدوره مغادرتها بعد أن تأخذ دورها في الصف المؤدي إلى الجسر، وفي بعض المرات يضطر هو وغيره من السائقين الآخرين الذين يشاطرونه ذات الهموم إلى تنظيم عمليات إعداد الوجبات فيما بينهم والمناوبة على الحراسة الليلية للشاحنات حتى لا تتعرض للسرقة.
أما أأخطر حيدر سائق باكستاني آخر، فيشير إلى أن أغلب الشاحنات على الطريق المؤدي إلى الجسر يعمل في مجال نقل الأسمنت والحديد والرمل وهي حمولات عائدة لمستثمرين وأنه يقوم بمهمة النقل فقط وأن أي تأخير يحدث له يضر بأصحاب الحمولة أكثر ما يتضرر منه شخصيا طالما أن أصحاب تلك الحمولة يدركون تماما أن التأخير ليس بسببه وإنما بسبب أطراف أخرى.
لماذا التكدس؟
#3#
يرى أحمد محمد المقبل رئيس لجنة النقل البري في غرفة الشرقية سابقا، وأحد المستثمرين في قطاع النقل البري، أن مشكلة تكدس الشاحنات على الجانب السعودي مرتبطة ببطء في إنهاء الإجراءات التفتيشية من قبل إدارات الجمارك في البلدين، فضلا عن أن وقت دوام العاملين في الجمارك لا يتناسب أبدا مع الأعداد الكبيرة من الشاحنات التي تحتاج إلى تفتيش وإنهاء إجراءات عبورها للجسر.
ويتساءل المقبل "لماذا تحدث اختناقات على جسر الملك فهد، في حين أن التعاملات التجارية مع البحرين تعتبر طبيعية للغاية؟، فمعدلات التصدير والاستيراد بين السعودية والبحرين تكاد تكون عادية للغاية حتى السلع التي يتم التعامل فيها تكاد تكون معروفة لدى الجانبين ولا أعتقد أنها يمكن أن تكون وراء هذه المشكلة التي أصبحت تؤرق الجانبين.
وأضاف أن الجسر عانى في السابق مشكلة ازدحام المركبات الصغيرة، فقد كان الراغبون في عبور الجسر ينتظرون قرابة ثماني ساعات قبل دخولهم الجسر، وتم حل هذه المشكلة عندما تم توسيع وزيادة عدد المسارات على الجانب السعودي وزيادة عدد الموظفين العاملين في الجوازات وتسهيل إجراءات العبور بما يتناسب مع الزيادة المطردة في أعداد المسافرين من الجانب السعودي للبحرين، مشيرا إلى أنه حان الوقت لتعمل الجهات المعنية في الجانبين السعودي والبحريني لاتخاذ خطوات عملية وجادة لإنهاء المعاناة الإنسانية للسائقين المتضررين من هذه الظاهرة ومن ثم العمل على زيادة معدلات التبادل التجاري بين البلدين وتوسيع فرص الاستثمار والعمل.
إنشاء منطقة مساندة
ويقترح المقبل إنشاء منطقة خارج نطاق الجسر يتم فيها إنهاء جميع إجراءات العبور والجمارك بحيث يكون بمقدور الشاحنة عبور الجسر دون الحاجة إلى التوقف لأيام متعددة، مضيفا أنه من شأن هذه المنطقة أن توفر جميع الخدمات التي يحتاج إليها أصحاب الشاحنات من إجراءات ومعاملات قبل الدخول إلى الجسر حتى تكون عملية العبور سلسلة وسهلة بالنسبة إلى الشاحنات، إضافة إلى أنه يتوجب تمديد وقت دوام العمل للعاملين في الجسر ليكون عملهم على مدار الساعة وذلك عن طريق زيادة الكادر الوظيفي في الجسر.
وأوضح المقبل أنه يجب أن ينظر لجسر الملك فهد نظرة استثمارية يمكن من خلالها زيادة معدلات التبادل التجاري مع البحرين التي تعتبر الجسر المنفذ الوحيد لها مع علاقاتها التجارية مع دول العالم الأخرى.
ويضيف أنه في حال تحقق ذلك فهنالك قطاعات كثيرة ستعمل على الاستفادة من الخدمات المتوافرة على الجانب السعودي أبرزها عمليات الشحن عن طريق مطار الملك فهد الدولي في الدمام مما يفعل من عملية النشاط التجاري للمطار.
ويقول "إن هنالك مشكلة حقيقة وراء تكدس الشاحنات" يجب التصدي لها والإسراع بحلها وإزالة المعوقات بالتنسيق بين الجانبين السعودي والبحريني، لذا لابد من عقد لقاءات مشتركة لإيجاد حلول عملية ومن ثم تطوير العمل داخل الجسر.
ويشير المقبل إلى أن غالبية الشاحنات على جسر الملك فهد عائدة لشركات ومؤسسات نقل سعودية وبحرينية تعمل في مجال نقل الأسمنت والرمل وأن القليل منها يعود لأفراد, لكن في النهاية تبقى المعاناة واحدة بالنسبة إلى المستثمرين والسائقين.
الناقلون يتحملون المسؤولية
#4#
في المقابل، حمل فهد عبد الله الشريع نائب رئيس لجنة النقل البري في الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية، وأحد أكبر المستثمرين هذا القطاع، شركات ومصانع محلية والناقلون مسؤولية تكدس الشاحنات على الجسر، عندما عمدت للتنافس فيما بينها لتحميل أكبر عدد من الشاحنات لتضمن دخول أكبر عدد ممكن للجسر وهذا الأمر زاد من تفاقم المشكلة.
ويشير الشريع إلى أن هنالك مجموعة من الاقتراحات التي من شأنها المساهمة من الحد من المشكلة، لعل من أبرز هذه المقترحات إنشاء "منطقة" مزودة بالخدمات الضرورية التي يحتاج إليها السائقون والمستثمرون تكون قريبة من مدخل جمارك الجسر يتم فيها إنهاء كافة الإجراءات المتعلقة بدخول الشاحنة للجسر وتتم فيها عمليات التفتيش الجمركية ثم بعد ذلك تقوم إحدى الدوريات الأمنية بمرافقة دفعة من الشاحنات في حدود 100 شاحنة مثلا ، التي تم إنهاء إجراءات تفتيشها، لحين عبورها الجسر ومن ثم يتم التنسيق بالإدارة المسؤولة عن "المنطقة المقترحة" ليتم تحريك دفعة أخرى من الشاحنات حتى يسهل عملية عبورها، مضيفا وإذا كان هنالك تكدس للشاحنات فمن الأفضل أن يكون داخل المنطقة المقترحة " التي تتوافر فيها جميع الخدمات الضرورية للسائقين" يكون تكدس الشاحنات بعيدا عن مدخل الجسر.
تحديد عدد معين من الشاحنات
ويرى الشريع أنه لابد من أن يكون هنالك اتصال وتنسيق بين إدارة الجسر وأصحاب الشركات والمصانع التي تستخدم شاحناتها الجسر بشكل يومي، ويتم الاتفاق مع هذه الشركات على تحديد عدد معين من الشاحنات التي يتم تحملها وألا يترك الأمر للتنافس بين الشركات لتحميل أكبر عدد ممكن الشاحنات مما ينتج عنه ازدحام عند مدخل الجسر، فهنالك شركات تعمل على تحميل ما يقارب 50 شاحنة يوميا لتضمن دخول 10 منها للجسر، فمثلا لا يسمح لشركات ومصانع الأسمنت والحديد والمواد الصناعية الأخرى الراغبة في استخدام الجسر تحميل أكثر من 10 شاحنات يوميا حتى تتاح الفرصة للشركات الأخرى لأخذ فرصتها في التصدير وهذا الأمر يتم بعد تحديد الطاقة الاستيعابية اليومية للجسر ومن ثم توزيع الفرص على كافة الشركات والمصانع منعا للتنافس فيما بينها لتحميل أكبر عدد من الشاحنات.
وبين أن التزام الشركات والمصانع بتحميل العدد المتفق عليه مع إدارة الجسر سيحد من ظاهرة تكدس الشاحنات عند مدخل جمارك الجسر.
زيادة ساعات دوام الجمارك
ودعا الشريع إلى ضرورة التنسيق بين الجانب السعودي والبحريني لزيادة أوقات الدوام لموظفي إدارة التفتيش الجمركي في الجانبين حتى يساعد ذلك على انسيابية حركة الشاحنات على الجسر.
كما أنه يجب أن تكون عملية التفتيش الجمركي وفق نهج محدد تقع مسؤولية تفتيش الشاحنات المغادرة للمملكة على الجانب البحريني، في حين تتولى الجمارك السعودية عملية التفتيش للشاحنات القادمة من البحرين، مشيرا إلى أن إجراءات التفتيش المعمول بها الآن يقوم بها مفتشو الجمارك في البلدين للشاحنات المغادرة والقادمة وهذا ما يسبب ربكة وازدحاما على الجسر.
تحديد الطاقة الاستيعابية للجسر
من جانبه، يؤكد عبد اللطيف سعود الحمين عضو لجنة النقل البري في غرفة الشرقية، وأحد المستثمرين في هذا المجال، أنه سبق وأن تقدم باقتراحين لغرفة الشرقية لحل المشكلة، حيث يتضمن الاقتراح الأول عقد اجتماع موسع يضم الجمارك وإدارة الجسر والناقلين لتحديد الطاقة الاستيعابية اليومية للجسر، يتم في ضوئها الاجتماع مع شركات الاسمنت وسابك والنقل الجماعي "المصدر للرمل" والاتفاق معها على تحديد عدد الشاحنات التي يجب أن تحمل بشكل يومي منعا لحدوث أي اختناقات على الجسر وأن يكون هذا الاتفاق ملزما لجميع الأطراف.
وبين الحمين أن مثل هذه الاجتماعات من شأنها وضع تصور كامل لحل المشكلة، ويجب عدم ترك الأمر على ما هو عليه الآن من عشوائية تمارسها الشركات والمصانع والناقلون الكبار أو الصغار مهم، مؤكدا في ذات الوقت أنه ما لم يتم تحديد الطاقة الاستيعابية للجسر فإنه من الصعوبة التصدي لهذه الظاهرة التي أصبحت تشكل مظهرا غير حضاري.
في حين يتلخص الاقتراح الثاني في إنشاء منطقة يتم فيها إنهاء كافة إجراءات التفتيش قبل الدخول للجسر.
ويرى الحمين أنه لابد من وضع خطة سريعة وعاجلة لتطوير العمل بالجسر لمعالجة كافة المعوقات التي تؤثر مباشرة في أداء قطاع النقل، لتسهيل انسيابية حركة الشاحنات إلى البحرين, والعمل على تنظيم حركة دخول الشاحنات إلى الجسر تفاديا للازدحام الذي أصبح سمة واضحة.
تحديث أنظمة المنافذ البرية
#5#
يؤكد ناصر السبيعي أحد المستثمرين في مجال النقل البري، أن هناك أكثر من 120 ألف شاحنة تعمل في مجال النقل البري مما فرض ضرورة ملحة لتطوير وتحديث المنافذ البرية جميعها وليس جسر الملك فهد فقط، حتى تلبي احتياجات هذا القطاع مستقبلا في ظل تزايد الرقعة الصناعية والاقتصادية في مختلف مناطق المملكة, حيث هناك كثير من المدن الصناعية الحديثة والمدن الاقتصادية التي تقوم الدولة بإنشائها حاليا وهي بحاجة إلى خدمات قطاع النقل البري المتمثلة في توفير مواد البناء والتشييد والخدمات المساندة الأخرى التي يتطلب الأمر استيرادها من الخارج، مشيرا إلى أن هذه الخدمات لن يتم توفيرها في وقت تظل فيه تعقيدات وعقبات في المنافذ البرية.
ويقول إن المنافذ البرية التي تربط المملكة بدول جوار خليجية وعربية تحتاج إلى تطوير وتحديث أنظمتها وتوسيع طاقتها الاستيعابية حتى لا يعيق ذلك أداء ونشاط قطاع النقل المنوط به نقل صادرات وواردات المملكة عبر هذه المنافذ البرية.
موانئ بحرية لتخفيف الضغط
ويقترح السبيعي فكرة أن يكون هناك توجه لربط السعودية والبحرين عبر البواخر الكبيرة لتخفيف الضغط على الجسر خاصة من جانب الشاحنات الناقلات، حيث إن فكرة إنشاء ميناء بحري يربط بين البلدين من شأنه المساهمة في زيادة المعاملات التجارية ويخفف العبء على الجسر.
ويقول أن اعتماد المستثمرين على البواخر سواء عن طريق استغلال الشاحنات أو نقل البضائع والسلع مباشرة بواسطة هذه البواخر، رغم التكاليف المالية التي تحتاج إليها، ولكنها ستمثل حلا عمليا ومستقبلا لمشكلة تكدس الشاحنات على الجسر.
ويقول السبيعي إن تسهيل انسيابية عبور الشاحنات على جسر الملك فهد، إعادة تنظيم لاستقبال الشاحنات حسب الطاقة الاستيعابية للجسر كل يوم على حدة بحيث يضمن عبور جميع الشاحنات التي تم استقبالها في اليوم الواحد ويتم هذا بالتنسيق مع الناقلين والمصانع ولجنة النقل البري المنطقة الشرقية.