نهاية الأندلس
مع سقوط طليلطة بدأ مخطط السقوط الإسلامي في الأندلس خلال أربعة قرون، بل قفز الإسبان إلى سبتة ومليلة وطنجة والجديدة، ومازالوا في سبتة ومليلة، وتلك الأيام نداولها بين الناس.
ومنتصف القرن الثالث عشر للميلاد يؤرخ لسقوط قرني العالم الإسلامي، في الأندلس وبغداد.
فبعد أقل من عشر سنوات من سقوط إشبيلية عام 1248م، سوف نعلم عن سقوط بغداد المريع عام 1256م. صحيح أن معركة الزلاقة فرملت السقوط ولكن مسألة سقوط الأندلس كانت مسألة وقت لا أكثر..
ولسان الدين الخطيب كان يملك الحاسة التاريخية، وهو يمر على قبر المعتمد في أغمات؛ فينشد؛
قد زرت قبرك عن طوع بأغمات رأيت ذلك من أولى المهمات
لم لا أزورك يا أندى الملوك يدا ويا سراج الليالي المدلهمات
وأنت من لو تخطى الدهر مصرعه إلى حياتي لجادت فيه أبياتي
وقفت طويلا وأنا أكرر كلمات الفيلسوف الشاعر، الذي عاصر ابن خلدون، وغنت فيروز شعره العذب، يا زمان الوصل بالأندلس!
ومنه حفظت فلسفته عن تركه الأندلس اليتيمة، لشعوره أنها آيلة للسقوط لا محالة، فقال شعرا رائعا أذكر منه
كنا عظاما فصرنا عظاما...
هذا وقد انتهى أمر المعتمد - رحمه الله - أن وقع في قبضة ابن تاشفين فحبسه في سجن أغمات بإفريقية المغربية فقيراً مجرداً من ماله..
وأظله عيد وهو في السجن؛ فزارته بناته فرأين سوء حاله في السجن والقيد، فقال قصيدته الرائعة الخالدة التي مازالت ترن في الأسماع على مدى الأيام ..يصف هذا المشهد الذي يقطع نياط القلوب:
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا .. وكان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ .. فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعةً .. في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بُعَـيد العزّ ممتهنٌ .. يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
يطأن في الطين والأقدام حافيةً .. تشكو فراق حذاءٍ كان موفورا
قد لوّثت بيد الأقذاء واتسخت .. كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ .. فردّك الدهر منهياً ومأمورا
من بات بعدك في ملكٍ يَسُرّ به .. أو بات يهنأ باللذات مسرورا
ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت .. فإنما بات في الأحلام مغرورا
وفي سنة 1970 تم بناء ضريح المعتمد بن عباد الذي يحتضن، إضافة إلى قبر الملك الشاعر، قبر حبيبته زوجته اعتماد الرميكية وابنه، والذي يتشكل من قبة مصغرة هي طبق الأصل لشكل القبة المرابطية في مراكش تزينها بعض الأبيات الشعرية التي نظمها الأمير الشاعر المعتمد بن عباد في رثاء حاله، وأمر أن تكتب على قبره:
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي حقا ظفرت بأشلاء بني عباد
بالحلم بالعلم بالنعمى إذا اتصلت بالخصب أن أجدبوا بالري للصادي
نعم هو الحق فاجأني على قدر من السماء ووافاني بميعاد
ولم أكن قبل ذاك النعش أعلمه أن الجبال تهادى فوق أعواد
لكن أشد ما ألمني شعره لابنه وهو في القيد في سجن المرابطين:
قيدي أما تعلمني مسلما؟ أبيت أن تشفق أو ترحما
دمي شراب لك واللحم قد أكلته، لا تهشم الأعظما
ارحم طفيلا طائشا لبه لم يخش أن يأتيك مسترحما
وارحم أخيات له مثله جرعتهن السم والعلقما..
يذكر التاريخ أن دولة المرابطين عاشت 70 سنة، وانتهت بسيف الموحدين من دون رحمة، فقد قتل ابن مؤمن كل العائلة المالكة من ذرية ابن تاشفين، وحين تشفع أحدهم في غلام؛ قال شيخ الموحدين وهل نترك شبل الأسد بعد اللبؤة؟ فذبحوهم عن بكرة أبيهم، ولو كانوا رضعا وشيوخا ركعا.. وهكذا دورة التاريخ بين أيدي الجبارين..