كان الأجدى أن تقول "الصحة بعيدا عن وزارة الطب"

كان الأجدى أن تقول "الصحة بعيدا عن وزارة الطب"

في ظل تواصل سلسلة لقاءات الحوارات الوطنية التقويمية والتطويرية وآخرها لقاء حوار الصحة" المنعقد حاليا، يطيب لي أن اشكر أخي العزيز الدكتورعبد العزيز الغدير على مقاله المميز "الصحة بعيدا عن وزارة الصحة" المنشور في صفحة رأي "الاقتصادية" العدد 5693 الأربعاء 18 جمادى الأولى.
والشكر ليس لتميز المقال وصاحبه فهو غني عن التعريف ولكن لأنه أثار موضوعا ساخنا جدا وأكثر تميزا، طالما تصارع حوله وزراء الصحة وقياديو وفلاسفة وعلماء الطب والصحة عبر الحضارات وزادت حدة الجدل حوله منذ إعلان مفهوم "الصحة للجميع بحلول عام 2000" أو ما بعده، وذلك قبل قرابة نصف قرن. وقد سارعت حكومتنا الرشيدة في تبني قاعدته الأساسية " تعزيز الصحة والرقي بصحة الفرد والأسرة والمجتمع"، وبمبادئه المختلفة، وعناصره الثمانية الأساسية وجاء في مقدمتها التثقيف والتعزيز الصحي كقائد لسفينة الرعاية الصحية، وبكل أسف لم تعطه "وزارة الطب العلاجي" أي حق من حقوقه سوى الدعاية والإعلام. كما غطت هذه العناصر "الثالوث الذي يرى الدكتور أنه ليس من الصحة!! وهذا "الثالوث أو المعادلة هي: "التغذية السيئة أو غير المتوازنة + قلة الحركة = البدانة = أمراض العصر" وذلك تحت عنصر "التغذية السليمة"، إلا أن هذا العنصر الحيوي كغيره من عناصر الرعاية الصحية الأولية والتطويرية لم تلق اهتماما يليق بها لضمان الرقي بمفهوم الصحة.
وقد يعترض البعض أو يجادل حول احتجاجنا هذا فنقول له انظر وراجع وتأمل في الجدل الذي دار حول هيكل واستراتيجيات وزارة الصحة خاصة بين الطب العلاجي والطب الوقائي؟! وهل غير هذا الجدل في هيكلها؟، هل هي فعلا وزارة صحة عامة أم ما زالت وزارة طب علاجي؟. وراجع وتأمل في مفهوم واستراتيجيات "الصحة للجميع"، وابحث كم أسرة لديها ملف صحي عائلي؟، وكم فردا عندما يراجع يشترط وجود ملفه قبله عند الطبيب؟ وكم أسرة أو فردا أجرى فحصا شاملا كل ثلاثة أشهر أو ستة أشهر أو سنة، أو كل سنتين إلى ثلاث سنوات أسوة بالفحص الدوري للسيارات؟ هذا فضلا عن مشاركة المجتمع بمختلف أطيافه ومستوياته الفردية والأسرية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وحتى العلمية والتقنية.. وقبلها يجب التأمل في مدى تعاون الجهات الحكومية ذات العلاقة مع وزارة الصحة أو الطب العلاجي! وهل لهذا التعاون لوائح وأنظمة وهل يلتزم بها؟
ولضمان تحقيق غاية وتطلعات حكومتنا الرشيدة يجب علينا توسيع الحوار الفكري حول مدى محدودية تعريف الصحة العالمية للصحة بأنها فقط "تكامل ثلاثة أو أربعة أبعاد هي: البدنية، الاجتماعية، العقلية، مع النفسية المضاف حديثا"، ونتأمل في مفاهيم مدارس ومنظمات الصحة العالمية حول الصحة، ونسأل أنفسنا أين بعد التعزيز والتطوير ومفاهيمهما مثل السلوكيات الشخصية و الأسرية كمساعدة الآخرين على التكيف و النمو والتطور والاستقلالية الذاتية الصحية مدى الحياة؟ ونسأل أنفسنا وقياداتنا الطبية هل هناك أبعاد أخرى ذات علاقة بل تكاد تكون أكثر أهمية وحيوية صحية مثل "الدينية والروحية والأخلاقية والعاطفية Morality, Spiritual, Emotional)) إلى جانب البعد السلوكي المعمول به في رسالة ورؤية وأهداف واستراتجيات في عدد من الدول، وهل لأبعاد العصر مثل الأبعاد الفكرية، البيئية، الاقتصادية، الصناعية، والتقنية ... علاقة ؟
وأختم مقالي هذا بالتأكيد على أهمية هذه المنطلقات في نجاح الحوار الوطني حول الصحة، بها دون غيرها نضمن تصحيح وإعادة بناء نظام صحي وطني يضمن جودة صحة الوطن والمواطن في أقصر وقت ممكن وبأقل تكلفة.

عيسى بن علي الجوحلي
محاضر تثقيف وتعليم وتعلم صحي
كلية العلوم الصحية للبنين في الرياض- جامعة الملك سعود

الأكثر قراءة