تتقاذفها الرياح القوية
لعل الدلالة الأكيدة على أن الصحف بدأت في الانهيار هي أن السياسيين، الذين غالبا ما يكونون أهدافها، يشعرون بالأسف عليها. ففي التاسع من أيار(مايو)، أنهى باراك أوباما خطابا كان كوميديا في ظروف أخرى بدفاع مستميت عن الصناعة المعرضة للهجوم. وعقدت اللجان في مجلس النواب والشيوخ جلسات استماع في الشهر الماضي. ووصف جون كيري، السيناتور المبتدئ من ماساشوستس، الصحيفة بأنها "نوع مهدد بالانقراض".
وفي الواقع هي كذلك، فوفقا للجمعية الأمريكية لمحرري الأخبار، انخفض التوظيف في صحف الدولة بنسبة 15 في المائة خلال العامين الماضيين. ويعتقد Paul Zwillenberg، من شركة OC&C للخبراء الاستشاريين، أنه تم إغلاق نحو 70 صحيفة محلية بريطانية منذ بدء عام 2008. وتعتمد صحيفتا Independent و London Evening على الهبات من المستثمرين الأجانب، ولا تقتصر الضغوط على الدول الناطقة باللغة الإنجليزية: تجنبت الصحف الفرنسية هذا المصير فقط عن طريق ضمان الحصول على المزيد من الإعانات الحكومية الضخمة أصلا.
وتعاني قنوات التلفزيون الإخبارية المشكلات أيضا. فقد انقسم المشاهدون وقل عددهم: انخفضت نسبة الأمريكيين الذين يشاهدون أخبار المساء الأولى على شبكات "القنوات الثلاث الكبيرة" القديمة ABC، و CBS، و NBC من نحو 30 في المائة في أوائل التسعينيات إلى ما يقارب 16 في المائة. وتتعرض المؤسسات الإخبارية المحلية للضغوط مع تقليص تجار السيارات والمحال عدد إعلاناتهم. وتطالب شبكة ITV، أكبر شبكة بث تجارية في بريطانيا، بإعفائها من التزامها بإنتاج أخبار محلية.
ويثير كل هذا كثيرا من التوتر والقلق، إلا أن محنة صناعة الأخبار لا تنذر بنهاية الأخبار. فمع تلاشي فروع كبيرة في الصناعة، تظهر فروع جديدة. والنتيجة هي مجال عمل أصغر وأقل ربحية، ولكن أيضا أكثر فاعاية وقدرة على الابتكار.
وتتبين الصورة الأوضح للطريقة التي يتغير فيها الاستهلاك في المسوحات التي يجريها مركز بيو للأبحاث. فمنذ عام 1994، انخفضت نسبة الأمريكيين الذين يقولون إنهم استمعوا للأخبار التي تم بثها في الإذاعة في اليوم السابق من 47 في المائة إلى 35 في المائة. وانخفضت نسبة الذين يقرأون هذه الأخبار في الصحف من 58 في المائة إلى 34 في المائة. وفي هذه الأثناء، زاد عدد مشاهدي قنوات الكابل والإنترنت. وفي عام 2008، وللمرة الأولى، قال عدد أكبر من الناس إنهم حصلوا على الأخبار الوطنية والعالمية من الإنترنت أكثر من العدد الذي قال إنهم حصلوا عليها من الصحف.
أعمق ولكن ليس أوسع
لا يتعلق الأمر فقط بتحول الناس من وسيلة إخبارية إلى أخرى. فجميع أولئك الذين يحصلون على الأخبار من الإنترنت تقريبا يشاهدون أيضا الأخبار على التلفزيون أو يقرأون الصحيفة. وهناك 5 في المائة فقط من الأمريكيين الذين يحصلون بانتظام على الأخبار من الإنترنت فقط. وقد مكّنت التكنولوجيا الأشخاص المثقفين من امتلاك معلومات أكثر ولكنها لم توسع جماهير الأخبار. وأكثر نتائج أبحاث مركز بيو إثارة للقلق، بالنسبة لأي شخص يعمل في هذا المجال، هو أن نسبة الأشخاص بين سن 18 و24 الذين لم يحصلوا على أخبار على الإطلاق في اليوم السابق ارتفع من 25 في المائة إلى 34 في المائة خلال العشر سنوات الماضية.
أما أولئك الذين يسعون للحصول على الأخبار فيحصلون عليها بطريقة مختلفة. فبدلا من تصفح صحيفة "الصباح" والبث الإخباري المسائي، يسعون بصورة متزايدة للحصول على نوع المعلومات التي يريدونها، حين يريدونها. ولا يدفع الكثير منهم ثمنا لذلك. ويقول Robert Thomson، رئيس تحرير صحيفة Wall Street Journal، أن الكثيرين أصبحوا يعدون الأخبار على الإنترنت مثل "بوفيه لتناول كل ما تستطيع عليه من الطعام ويتم دفع ثمنه لشركة كابل".
والضحية الرئيسة لهذا الاتجاه ليس الصحف (مع أنها تتراجع بلا شك) بقدر ما هي الرزم الإخبارية التقليدية. فإذا فتحت أي صحيفة رائدة واطلعت على موقعها الإلكتروني ستجد الأخبار نفسها، حيث سيكون هناك مزيج من أخبار الأعمال والأخبار الرياضية المحلية والقومية والعالمية. وستجد أيضا توقعات الطقس والإعلانات المبوبة والمعروضة. وستجد أخبارا عن القادة، ورسائل من القرّاء، وربما كلمات متقاطعة.
وهذه الرزمة، التي تم تقليدها أولا من قبل شبكات البث ومن ثم من قبل رواد الإنترنت مثل AOL.com و MSN.com، هي بمثابة مركز تسوق تجاري كبير على الطراز القديم. فهي توفر مجموعة منتقاة من المعلومات المفيدة من نوعية جيدة في مكان واحد. ومصير الرزمة الإخبارية مماثل لمصير مركز التسوق الكبير. فقد اجتذبت سلاسل الخصم بعض الزبائن بعيدا عن هذه المراكز فيما تحول زبائن آخرون إلى المحال الصغيرة.
وهناك منافذ على الإنترنت مثل Yahoo! و Google News للأخبار، تقوم بجمع عشرات الآلاف من القصص. وبعضها مرخّص من قبل وكالات أنباء مثل "رويترز" ووكالة Associated Press. إلا أن معظمها يتكون من عنوان رئيس وجملة ووصلة إلى موقع إلكتروني لإحدى الصحف أو قنوات التلفزيون، حيث يمكن قراءة القصة كاملة. وتحقق هذه المواقع التي تجمع الأخبار المال عن طريق تحويل القرّاء من خلال الإعلانات، التي يمكن تصميمها لتتلاءم مع اهتماماتهم المفترضة. وإدارة مثل هذه المواقع لا تكلف الكثير، فموقع Google News لا يوظف محررا إخباريا مثلا.
وعلى الرغم من أن مستودعات الأخبار هذه مريحة، إلا أنها غير شخصية. لذا ظهر نوع جديد من مواقع جمع الأخبار، يقدم مجموعة من الأخبار والتعليقات. وبعضها انتقائي، مثل Daily Beast و Drudge Report، وبعضها الآخر أكثر تحديدا، مثل Perlentaucher، الموقع الإلكتروني الثقافي الألماني. أما الأكثر نجاحا من بين المجموعة، والذي يعد نموذجا للعديد من الصحافيين العاطلين عن العمل أخيرا الذين حاولوا إطلاق مواقع إلكترونية خاصة بهم، فهو Huffington Post أو ما يعرف اختصارا HuffPo.
ويوظف HuffPo أربعة مراسلين صحافيين فقط من بين ما مجموعه 60 موظفا. ومعظم أخباره من مصادر أخرى. ولكنه يفتخر بامتلاكه جيشا من الموظفين الذين لا يتلقون أجرا وهم عبارة عن نحو ثلاثة آلاف من كتاب المدونين، معظمهم من اليساريين. والموقع أشبه بقاعة بين غرفة دراسية في جامعة عادية وبين مطعم في بيفرلي هيلز (يعتمد موقفك تجاه HuffPo كثيرا على فيما إذا كنت تعتقد أن هذا مقبول لك). وتصفه Arianna Huffington التي تدير الموقع، أنه "أخبار مجتمعية". ويزوره الآن 4.2 مليون زائر شهريا، وفقا لشركة comScore لأبحاث السوق على الإنترنت - أي ضعف عدد زوار New York Post تقريبا.
ويشتكي العاملون في مجال الأخبار التقليديين بصورة متزايدة من أن مجمعي الأخبار "طفيليات" تجني أرباحا من عملهم. وهم كذلك إلى حد ما، إلا أن الطفيليات قد تكون نافعة. فمع عدم انتظام جودة الصحافة، أصبحت مهمة فرز القصص مهمة بصورة متزايدة. كما أن مجمّعي الأخبار يقودون القرّاء، وبالتالي الإعلانات، إلى المواقع الإلكترونية الأصلية للأخبار. وتشير تقديرات شركة Hitwise لأبحاث السوق إلى أنه في شهر آذار (مارس)، جاءت نسبة 22 في المائة من الإحالة إلى المواقع الإخبارية من محركات بحث مثل Google، في حين جاءت نسبة 21 في المائة من مواقع إخبارية أخرى. وتشير Tina Brown، الخبيرة المخضرمة في المجلات التي تدير Daily Beast: "يرسل الصحافيون قصصهم لنا دائما".
ويكشف ارتقاء مجمّعي الأخبار عن حقيقة مزعجة بشأن صناعة الأخبار، وهي أن النظام الموحد للإبلاغ، الذي يقدم فيه الصحافي قصة يتم بثها أو طباعتها مرة واحدة ثم نشرها على موقع إلكتروني واحد، نظام غير فاعل. والتكلفة الهامشية لتوزيع القصة على نطاق أوسع قريبة من الصفر، إلا أن الفائدة الهامشية قد تكون كبيرة جدا. فالاهتمام بقصة عن العراق مثلا في صحيفة Los Angeles Times يمتد إلى أبعد بكثير من حدود المدينة. وقبل أن تفتح المواقع التي تجمّع الأخبار، لم يكن قارئ من Seville أو حتى سان فرانسيسكو سيقرأ القصة.
وتساعد فائدة نشر القصص على تفسير السبب في كون بعض المؤسسات الإخبارية الراسخة أصبحت تشبه مؤسسات تجميع الأخبار. فوكالة Associated Press لديها تطبيق iPhone شعبي يجمع القصص الوطنية بالقصص المحلية من 1.100 منفذ إخباري شريك. وأنشأت شركة News Corporation موقع إلكتروني، وهو Fox Nation، الذي يمزج القصص الإخبارية بالتعليقات اليمينية. ومن المعتزم أن يصبح بمثابة موقع Huffington Post محافظ. وفي الواقع، فإن أحد قصص النجاح العظيمة في نشر الأخبار البريطانية والأمريكية هي Week، وهو في الواقع مؤسسة لتجميع الأخبار التي يتم طباعتها على الورق.
وبما أن قصصها أصبحت على نطاق أوسع، تتحدث المنافذ الإخبارية الناطقة بالإنجليزية بشكل خاص عن اتخاذ هويات أوسع. فموقع Guardian's الإلكتروني، الذي يتلقى عدد زوار أكبر بضعفين خارج بريطانيا من العدد داخلها، يهدف إلى أن يصبح الصوت الدولي للرأي الليبرالي. وتشتهر صحيفة Daily Mail بأخبار المشاهير. وقد انضم متسابقون جدد. فإذاعة BBC، التي أنشأت وكالة أنباء وتبيع الإعلانات على مواقعها الإلكترونية الأجنبية، تتنافس مع Associated Press، التي امتدت إلى ما وراء مجال تزويد الصحف الأمريكية بالقصص.
ارتفاع الحواجز
من المرجح أن تظل الأخبار العامة مجانية على الإنترنت، وهناك الكثير جدا من القصص المتشابهة، كما أن إغراء القرصنة قوي جدا، ومجمّعوالأخبار بارعون في اكتشاف القصص المجانية الجيدة. ولكن بات من الواضح أن الدعاية على الإنترنت وحدها لا تدعم الصحافة الجيدة.
حتى وقت قريب، كان الكثير من المديرين التنفيذيين لوكالات الأخبار المطبوعة يعتقدون أن إيرادات الدعاية ستتبع قراءهم من الصحافة المطبوعة إلى الإنترنت. وبين الأعوام 2004 و2007، تضاعفت إيرادات الدعاية على الإنترنت من 1.5 مليار دولار إلى 3.2 مليار دولار، وذلك وفقا لرابطة الصحف الأمريكية. ولكنها بدأت في الانخفاض في الربع الثاني من عام 2008، مع تسارع خسارة الإعلانات المبوبة والمطبوعة. والمثير للقلق أنه لا يمكن إلقاء كامل المسؤولية على الركود. فقد انتقلت أموال الدعاية على الإنترنت إلى البحث – أي Google- وأدى العرض الفائض إلى تخفيض أسعار الإعلانات المعروضة. ونتيجة لذلك، يتطلع المديرون التنفيذيون بتعطش إلى المؤسسات القليلة على الإنترنت التي تجرؤ على طلب المال من القرّاء.
وأحدها هي Financial Times (المالكة الجزئية للإيكونوميست) التي تلزم أي شخص يرغب في رؤية أكثر من ثلاثة مقالات في الشهر بالتسجيل وأي شخص يريد رؤية أكثر من عشر مقالات بدفع المال. وهناك نحو مليون شخص مشترك، يدفع منهم 109 آلاف شخص. وعن طريق التساهل مع القراء العاديين، تحافظ Financial Times على مكان لها في ما يصفه John Ridding، الرئيس التنفيذي للشركة، "آلات الموج العملاقة" للإنترنت، مثل Google وYahoo، التي تجذب الحركة إلى الموقع. ويتم تقديم خدمة الإعلانات المستهدفة للقراء المشتركين، وهي أكثر ربحية. فهي محاولة لمزج نموذج اشتراك مع نموذج مدعوم بالإعلانات.
وتتبع Wall Street Journal نهجا ذكيا للوصول إلى نفس الوجهة، فبدلا من فرض رسوم على أنواع معينة من المستخدمين، تفرض رسوما على أنواع معينة من الأخبار. ففي وقت سابق من هذا الأسبوع، عرضت مجانا قصة عن إنفلونزا الطيور، واستعراض لفيلم Star Trek الجديد، وتقرير عن التخفيضات الوشيكة لدى تجار السيارات. وفرضت رسوم على أجزاء من خطة Cigna Corporation للمعاشات التقاعدية، ونفقات Lockheed Martin الفصلية على مجموعة الضغط، والدعوى القضائية ضد شركة زجاجات تزعم أنه تم عقد مجلس الإدارة بصورة غير سليمة. باختصار، المقالات الممتعة مجانية أما المقالات الجافة الغامضة فتكلف المال.
والفكرة هي أن المقالات الجذابة تجتذب القراء إلى الموقع الإلكتروني، حيث يمكن إغواؤهم من قبل المعلنين والمنتجات الأكثر انتقائية للصحف. ولا يهتم معظم الناس بالمعاشات التقاعدية في شركة رعاية صحية في فيلادلفيا مثلا، إلا أن أولئك المهتمين بالحصول على مثل هذه المعلومات يكونون مهتمين للغاية، حيث إنهم سيدفعون المال على الأرجح لقاء اشتراك شهري للحصول عليها. وأكثر من مليون شخص يفعلون ذلك- مع أنه يمكن قراءة المقالات المتخصصة مجانا عبر Google. وربما يتم إقناع أولئك الذين يدفعون المال بدفع المزيد لقاء الحصول على محتوى أفضل. وتجرب الصحيفة أيضا نموذج "المدفوعات الصغيرة" للمقالات الفردية.
وليست الأخبار المالية هي النوع الوحيد من الأخبار الذي يبدو أن الناس مستعدون لدفع المال للحصول عليه. فقد أقامت قناة ESPN، وهي قناة كابل رياضية، العديد من حواجز الدفع في موقعها الإلكتروني. وتحمي هذه الحواجز المعلومات التي يريد المشجعون الأكثر تطرفا فقط معرفتها، تطبيقا لحكمة Wall Street Journal القائلة إن استعداد الناس لدفع المال لقراءة قصة ما يرتبط بعلاقة عكسية مع حجم جمهورها المحتمل. وقد يزيد عدد الأخبار المتخصصة المربحة مع تزايد إغلاق المنافسين لمكاتبهم أو الخروج من هذا المجال تماما.
ومن الأكثر ترجيحا أن تساعد تركيبة دقيقة من المحتوى المجاني والمدفوع الثمن على إنقاذ الصحف والمجلات مما ستفعل التكنولوجيا الجديدة. وستساعد أجهزة قراءة الأخبار المحمولة، مثل Kindle DX، التي يعتبرها البعض المنقذة المحتملة، فقط إلى حد إغراء القرّاء من الإنترنت، حيث تكون معظم الأخبار مجانية. وفي الوقت الحالي، يبدو أنها تفعل شيئا آخر. ويعتقد Ken Doctor من شركة Outsell للأبحاث أن جهاز Kindle يجتذب أطفال الطفرة الذين سيقرأون مجلة أو صحيفة إذا لم يكن لديهم الجهاز. ويفضل الشباب جهاز iPhone ومواقع تجميع الأخبار. وفي الواقع، فإن أبرز أربع مجلات على Kindle، وفقا لموقع Amazon، هي New Yorker وNewsweek وTime وReader's Digest. وليس فيها شيء يجتذب الشباب.
التعليق المهم
وعلى تلفزيون الكابل، بدأ نوع جديد من المنتجات المتخصصة بتحقيق الأرباح. فقد أصبحت قناة Fox News اليمينية أكثر القنوات المتخصصة في الأخبار شعبية. وهذا ليس مستغربا. فنشرات الأخبار واستطلاعات الرأي في القناة منتجة بصورة جيدة، كما أن انهيار الحزب الجمهوري دفع المحافظين للبحث عن صوت لهم. والأكثر إثارة للاستغراب هو أن قناة MSNBC اليسارية تجتذب الآن المزيد من المشاهدين في وقت الذروة الذين تراوح أعمارهم بين 25 و54 عاما أكثر من قناة CNN الراسخة.
وتقدم Fox وMSNBC مزيجا من الأخبار والمقابلات وأحيانا التعليقات الغاضبة. ويصفها Phil Griffin، الرئيس التنفيذي لـ MSNBC بأنها "ميزة إخبارية إضافية". والهدف هو استكمال وإعطاء معنى لمجموعة المعلومات المنفصلة التي يختارها المشاهدون خلال النهار. ويعرف المشاهدون ما سيحصلون عليه؛ في الواقع، يقيّم المشاهدون عروض قنوات الكابل بأنها أكثر موثوقية من الصحف. وردا على اتهامه بالحزبية، يقول Griffin ما قد يكون شعارا لصناعة أخبار الكابل: "لا نحاول أن نكون كل شيء لكل الناس".
وربما يكون الحديث الساخن شعبيا هذه الأيام لأن الأمريكيين مستقطبون سياسيا. وقد فازت قناة CNN الأكثر هدوءا بالمعركة للحصول على مشاهدي قنوات الكابل في ليلة الانتخابات، وقد يتكرر هذا عام 2012. إلا أن العودة للوضع الطبيعي أمر غير وارد. فمن المرجح أن تظل سوق الأخبار غير مستقرة، حيث تفضل المزودين المختلفين في مراحل مختلفة من الدورات السياسية والاقتصادية بل وحتى الرياضية.
خذ مثلا Real Clear Politics، الموقع الإلكتروني السياسي الأمريكي، الذي يجمّع الأخبار والتعليقات واستطلاعات الرأي. فقد أصبح مهما للغاية خلال السباق الرئاسي العام الماضي. وفي ذروته، قبل الانتخابات بوقت قصير، اجتذب 1.4 مليون زائر شهريا، وفقا لشركة comScore. ومنذ ذلك الحين انخفضت شعبيته بنسبة 75 في المائة. وخسر منافسوه مثل Fivethirtyeight.com و Talking Points Memo الكثير من القرّاء أيضا. وستكون مثل هذه التقلبات مدمرة بالنسبة للصحف والمجلات والبرامج التلفزيونية ذات التكاليف الثابتة المرتفعة.
وقبل وقت قصير، كانت الأخبار مجال عمل مربح للغاية. فقد حصلت الصحف الإقليمية على احتكارات حميمة وتمتعت بهوامش أرباح سنوية تزيد على 20 في المائة. وفي أمريكا، كانت محطات التلفزيون المحلية تحقق أحيانا هوامش تقترب من 50 في المائة. ولكن لا يتطلب البقاء أن تكون الأخبار مربحة دائما.
وعلى الرغم من تراجعها، تجتذب الصحف الكبيرة الأغنياء الذين يسعون للحصول على النفوذ السياسي أو النفوذ في مجال الأعمال، أو الذين يعتقدون أنه لا تزال هناك فرص لتحقيق الربح. وقد كان Tony O'Reilly، الذي كان يدير Independent News & Media حتى هذا العام، يصف صحيفة Independent بأنها بطاقة اتصال. وقد تسامح مع خسائرها، مع أن مساهمي الشركة كانوا أقل صبرا. ولطالما حيّر ولع روبرت مردوخ بالدعاية محللي وول ستريت. ومع ذلك، يقال إن David Geffen، القطب الإعلامي، حاول الشهر الماضي شراء حصة في الشركة الأم لـ New York Times.
ويمكن للمؤسسات الأقل جاذبية اجتذاب المحسنين أيضا. فهناك موقع إلكتروني إخباري صغير وغير منتظم في سان دييجو تم دفع تكاليفه في البداية رجال الأعمال المحليون. ويركز Voice of San Diego على قضايا جوهرية مثل المياه والجريمة والرعاية الصحية - نوع القصص التي كانت تغطيها الصحف المحلية على نطاق واسع. وفي الواقع، أثبتت أمريكا منذ فترة طويلة أنه يمكن توفير الأخبار الإذاعية من قبل منظمات غير ربحية. وفي ظل عدم وجود بدائل مربحة، قد يتم دعم الصحافة المكلفة حول مواضيع مثل الحرب في العراق من قبل الجمعيات الخيرية.
إضافة إلى ذلك، مكّن انتشار الكاميرات الرقمية الناس العاديين من نشر الصور والتقارير الإخبارية مباشرة. وما يشجعهم على ذلك المنافذ الإخبارية الراسخة مثل CNN التي باتت تعد الصحافيين المواطنين مصدرا للحصول على الربح وعدد مشاهدات الصفحات. وقد أثبت المواطنون أنهم مراسلون ممتازون للأخبار الواضحة الدرامية، مثل الهجمات الإرهابية والتقاط صور لبريتني سبيرز. ويعتقد Leonard Brody، رئيس NowPublic، المؤسسة الكندية التي تجمّع الأخبار، أن الهواة سيريحون في نهاية المطاف الصحافيين من الأعمال الشاقة المتمثلة في تقديم التقارير، مما سيترك لهم المجال الكافي للتركيز على التحليل.
والمنافسة التي يواجهها الصحافيون الآن من الجماهير أقل من تلك التي يواجهونها من الحكومة. ففي بريطانيا، أنشأت السلطات المحلية رسائل إخبارية تتضمن الإعلانات. وتم أخيرا رفع الميزانية السنوية للمواقع الإلكترونية لقناة BBC (المملوكة للدولة) إلى 145 مليون جنيه استرليني (220 مليون دولار). ووفقا لـ Zwillenberg، فإن مجموع الإنفاق للصحف الوطنية في الدولة على الإنترنت يبلغ 100 مليون جنيه استرليني فقط.
وقد أثبت الرئيس الأمريكي أنه صحافي مواطن منتج بصورة خاصة. فالأشخاص الذين سمحوا لفريق باراك أوباما بالحصول على بريدهم الإلكتروني العام الماضي لا يزالون يتلقون رسائل أحيانا. وينشر البيت الأبيض مقاطع فيديو على موقع YouTube تكون غالبا أفضل من تلك التي تنتجها الشبكات الإخبارية. وفي حال لم تكن النية للالتفاف على الفلتر الإخباري واضحة، فإن الرئيس لم يجب خلال مؤتمره الصحافي الثاني في 24 من آذار (مارس) عن أي سؤال من إحدى الصحف اليومية الرائدة. ومن الواضح أنه يعرف أين يكمن المستقبل.
وتراجع الصحف والبرامج التلفزيونية التي كانت عظيمة في الماضي له ثمن كبير. فهو يعني نهاية نوع معين من الحساسية المدنية المبنية على اتفاق واسع حول ما هو مهم وما هو غير مهم. ولكن كان من الصعب في الماضي تصور مراكز المدن دون وجود مراكز تسوق كبيرة فيها. إلا أنه لم يتبق منها الكثير، ومع ذلك لا يزال الناس يتسوقون.