الفرار من ميدان المعركة
من المفهوم أن الهجوم الذي شنه الجيش الباكستاني على مقاتلي طالبان في وادي سوات في المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية، الذي كان الحلفاء الأمريكيون ينتظرونه بفارغ الصبر والذي حظي بتأييدهم، لم يكن مرحبا به من قبل الآلاف الذين شردهم القتال. ويعتقد الكثير من أولئك الذين يحتمون بين صفوف الخيام البيضاء في مخيم Jalala في Takht Bhia في منطقة Mardan، أن العملية كانت ضرورية، ولكن هناك أيضا مشاعر غضب وعدم الثقة، ويتفق الكثيرون مع Umer Rachman، وهو صاحب متجر من Mingora، المدينة الرئيسة في سوات، أن الجيش يعتمد بصورة مفرطة على مدافع الهاون والقوة الجوية، ما يؤدي إلى قتل المدنيين. وقد ساعد هو بنفسه على دفن خمسة منهم قتلوا نتيجة القصف في وسط المدينة، في قبر واحد.
وقد وجدت دراسة جديدة أجراها المعهد الجمهوري الدولي، وهو منظمة أمريكية غير حكومية، أن 69 في المائة من الباكستانيين يعتقدون أن القاعدة وطالبان اللذين يعملان في الباكستان "مشكلة خطيرة"، وأيد 45 في المائة منهم هجوم الجيش عليهم في المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية والمناطق القبلية. إلا أن هذا الدعم هش.
ومثل المخيمات الأخرى التي تم بناؤها للاجئين من سوات، ليس هناك الكثير من الأشجار في مخيم Jalala، حيث لا يوفر سوى بعض الظلال المتفرقة لحماية اللاجئين من أشعة شمس الصيف، كما أنه مليء ولا يتسع للمزيد. إلا أن تدفق اللاجئين من سوات وBuner وDir لم يتوقف. ويقوم الكثير منهم بهذه الرحلة سيرا على الأقدام، لأن سائقي الشاحنات يخافون من نقلهم. ويعتقد بعض الوافدين الجدد أن المخيم مزدحم جدا وينتقلون إلى مخيمات أخرى في Swabi.
ويقول مسؤول عسكري كبير إن نحو 800 ألف مدني فروا بسبب القتال الأخير. وتقول هيئات الإغاثة إن العدد يراوح بين 240 و400 ألف، وستضم نحو 500 ألف شخص مشرد جراء القتال سابقا في المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية، إلا أن أحد المسؤولين من إحدى هيئات الإغاثة يقول إن عدد اللاجئين مبالغ به. ومن بين الجماعات الخيرية التي أنشأت مخيمات إغاثة، هناك جماعة الدعوة، وهي جماعة محظورة نظريا، بوصفها واجهة لإرهابيي Lashkar-e-Taiba.
وقد بدأ الهجوم جديا في الثامن من أيار (مايو)، حين قصفت الطائرات الباكستانية مواقع طالبان في سوات. وكان رئيس الوزراء، يوسف رضا جيلاني، قد أمر في اليوم السابق الجيش "بالقضاء على" الإرهابيين. وتعهد الرئيس، آصف زرداري، الذي كان في زيارة إلى واشنطن، أن تستمر العملية حتى يتم استعادة "الأوضاع الطبيعية" في سوات. وبعد ذلك، زعم وزير الداخلية، رحمان مالك، أن 700 مقاتل من طالبان قتلوا في القتال. وقال متحدث باسم الجيش إن 29 جنديا لقوا مصرعهم فيما أصيب 77 جنديا، ولكنه لم يتمكن من الكشف عن عدد المدنيين الذين قتلوا. ويقول الجيش إن هناك 12 ألفا من جنوده يقاتلون خمسة آلاف مقاتل من خليط متناثر من الجماعات المتنافسة. ويخشى الجيش أن تتحد هذه الجماعات تحت قيادة مركزية لتنظيم القاعدة وحركة طالبان إذا لم يتم استكمال عملية سوات بسرعة.
وفي 12 من أيار (مايو)، تم إرسال أفضل القوات المقاتلة عن طريق الهيلوكبتر إلى وادي Peochar، الذي يمتد من الشمال الغربي حتى الوادي الرئيس، لإجراء عمليات التفتيش والتدمير في المنطقة التي يوجد فيها مقر طالبان المحلي. وكما يزعم المتحدث باسم الجيش، فإن المقاتلين فارون الآن. ولكن في Mingora لا تزال طالبان هي المسيطرة، حيث ترد الضربة بمثلها مع الجنود المختبئين في المباني الحكومية. وفي العاشر من أيار (مايو)، أعدمت طالبان زاهد خان، إمام المسجد الرئيس في المدينة، لأنه اعترض على تخزينهم الأسلحة وزرع الألغام الأرضية.
وفي شباط (فبراير)، ألغت الحكومة عملية خرقاء في سوات دامت أربعة أشهر، ووقعت اتفاق وقف إطلاق النار مع مساعدي أبرز قادة حركة طالبان المحلية، الملا فضل الله. وبموجب الاتفاق، يجب أن يتم تطبيق قانون الشريعة في منطقة Malakand، التي تنتمي إليها سوات. ولكن بدلا من وضع أسلحتها في سوات، استولت طالبان على منطقة Buner المجاورة.
وقد بدأ الجيش هجومه عليهم الآن. ولكنه لم يثبت بعد أنه قادر على الاحتفاظ بالمنطقة التي انتصر بها في سوات، ناهيك عن معقل طالبان في المناطق القبلية شبه المستقلة. وتشير التقارير إلى أن الجيش يعتزم تصعيد العمليات العسكرية ضد طالبان هناك في الشهر المقبل.
والهدف الأول المحتمل هو رئيس حركة طالبان الباكستانية، بيت الله محسود، الذي يتخذ وزيرستان الجنوبية معقلا له. وقد شن الجيش عمليات سابقة هناك، إلا أن المنتقدين الأجانب يزعمون أنها كانت فاترة ينقصها الحماس، وكانت تنتهي دائما بصفقات سلام مع المقاتلين. ولكن الآن يؤكد الجنرال ديفيد بتراوس، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، أن هناك "درجة من الإجماع" بين المدنيين والقادة العسكريين المدنيين حول ضرورة قتال طالبان. وفي الواقع، في 12 من أيار (مايو)، دعم أعضاء من الجمعية الوطنية، بمن فيهم حزب المعارضة المحافظ الرئيس لنواز شريف، العملية في سوات، على الرغم من اعتراض حزب ديني واحد، هو جمعية علماء الإسلام- فضل، حليف الحكومة.
ويعد المحللون الاقتصاديون، الذين لا يزالون متشككين بجدية الجيش الباكستاني في القضاء على طالبان، أن استعداده للقضاء على قادة أقوى وأكثر تأثيرا مقياس لمدى جديته. وأحدهم هو جلال الدين حقاني، الذين يقاتل مقاتلوه القوات الغربية في أفغانستان، والذي يعتبره الكثير من كبار المسؤولين الباكستانيين شخصية مفيدة يمكن من خلالها للباكستان استعادة نفوذها هناك. وسيؤدي التصدي له إلى إثارة ردة فعل دموية من التفجيرات الانتحارية. ومصدر الشك الآخر هو مدى قدرة الحكومة على الاستمرار، وهي حكومة ضعيفة بقيادة زرداري، الرئيس الذي لا يحظى بالشعبية. وتحاول أمريكا دعم الحكومة عن طريق محاولة إقناع شريف الموافقة على اتفاقية لتقاسم السلطة. ولكن مثل المحاولات الأمريكية السابقة لإدارة أدق تفاصيل السياسة الباكستانية، من المرجح أن هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل.