فجأة يتنافس العالم تحت خط الماء

فجأة يتنافس العالم تحت خط الماء

لا يمكن معرفة متى سيكون شيء ما مفيدا. هذا هو المبدأ الكامن وراء الاندفاع نحو قاع البحار الذي بلغ ذروته أخيرا بعد أن تم تحديد 13 من أيار (مايو) الموعد النهائي لتقديم طلبات تمديد الجرف القاري. وحين باعت روسيا ألاسكا إلى الولايات المتحدة مقابل سنتين للفدان (خمسة سنتات للهكتار) عام 1867، كانت تعتقد أنها تخلصت من كتلة جليدية عديمة الفائدة. وبعد أن تم اكتشاف الذهب هناك، بدأت تلوم نفسها بشدة. وهي اليوم دولة من بين مجموعة دول تقدم بحماس طلبات للحصول على مساحات كبيرة من قاع البحار التي قد يتم فيها اكتشاف ثروات ضخمة يوما ما. هذا ما تأمله تلك الدول على أية حال.
وقواعد هذا الاستقطاع مستمدة من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982. وقد منحت تلك الاتفاقية الدول التي صادقت على المعاهدة قبل 13 من أيار (مايو) 1999 فترة عشر سنوات للمطالبة خلالها بأي توسعة لجرفها القاري إلى ما وراء الأميال البحرية المعتادة البالغة 200 (370 كيلومترا)، طالما أن التمديد أو التوسعة لا يتجاوز 100 ميل من النقطة التي يصل فيها البحر إلى عمق 2.5 كيلومتر، ولا يتجاوز 350 ميلا من اليابسة. وأي دولة أخرى ترغب في بتقديم طلب أمامها عشر سنوات من تاريخ المصادقة على المعاهدة. وبعد ذلك عليها، مثل جميع الدول التي قدمت طلباتها الآن، تقديم أدلة علمية وفيرة تبين أن قاع البحر المعني هو جرف قاري فعلا.
وإذا ثبت ذلك في جميع الاختبارات، يمكنها استغلال المعادن فوق أو تحت قاع البحر في هذا الهامش، شرط تقاسم أية عائدات مع الدول غير الساحلية الأكثر فقرا. ولكن لا تمنح الاتفاقية حقوقا جديدة فيما يتعلق بالأسماك أو المخلوقات الأخرى في العمود المائي، ولكن تعد الكائنات الحية فوق أو تحت قاع البحر غير المتحركة "في المرحلة التي يمكن بها حصادها" مثل المعادن. والحصاد هنا ليس خياليا تماما. فشركات الأدوية مهتمة بمخلوقات بحرية تدعى خيار البحر والتي قد توفر أدوية لعلاج السرطان. ويمكن لخيار البحر أن يتحرك، ولكن قد تكون هناك نباتات أو حيوانات أخرى مفيدة عالقة في الطين.
ولعل الأكثر إثارة للاهتمام هو الرواسب المعدنية واحتياطات الطاقة. ولا تشمل هذه النفط فقط، بل أيضا هيدرات الميثان، وهي مركبات بيضاء متجمدة بعض الشيء توجد بكثرة تحت البحر، وقد تكون تحتوي على طاقة أكبر من جميع رواسب الوقود الأحفوري المعروفة. وغالبا ما توجد في منحدرات الجرف القاري، مع أنه من الصعب جدا انتزاعها. ولكن على المدى الطويل قد يتبين أنها ذات قيمة كبيرة لدول مثل اليابان والهند اللتين لا تملكان الكثير من مصادر الطاقة على اليابسة.
ولكن بالنسبة للكثير من الدول، فإن أولى الغنائم التي سيتم الحصول عليها من أي قاع بحري مكتسب حديثا هي النفط أو الغاز، ويمكن استخراج كليهما الآن بسهولة نسبية من المياه العميقة. ولا شك أن هذا كان هدف روسيا، التي كانت أول دولة تقدم طلبا لتوسيع الجرف القاري عام 2001، حين قدمت طلبا لتمديد حقوقها في كل من المحيط الهادئ والقطب الشمالي. وكان من المفترض أن تقوم غواصات روسيا بعد ذلك بست سنوات بزراعة علم تيتانيوم على قاع البحر تحت القطب الشمالي بأربعة كيلومترات.
ومنذ أن قدمت روسيا طلبها، تبعتها 49 دولة، وقدمت بعضها طلبات في عدة أماكن، وتم تقديم طلبات أخرى بصورة مشتركة بين عدة دول في منطقة واحدة. وقدمت بعض الدول أيضا أكثر من طلب واحد. وهكذا قدمت بريطانيا وفرنسا وأيرلندا وإسبانيا معا طلبا في البحر السلتيكي وخليج بيسكاي. وقدمت بريطانيا طلبا آخر فيما يتعلق بجزيرة Ascension في جنوب المحيط الأطلسي، وطلبا ثالثا فيما يتعلق بمنطقة Hatton-Rockall في شمال الأطلسي، وطلبا رابعا فيما يتعلق بجزر فوكلاند، وجورجيا الجنوبية، وجزر South Sandwich في جنوب المحيط الأطلسي.
وتطالب الأرجنتين أيضا بكل هذه المنطقة الأخيرة، وقد خاضت الأرجنتين حربا مع بريطانيا عام 1982 بسبب جزر فوكلاند. وسيتم التنافس عليها بضراوة الآن مرة أخرى. علاوة على ذلك، يبدو أن طلب الأرجنتين الأخير يشمل اليابسة والبحر حتى القطب الجنوبي، بالحكم على الخريطة التي تم تقديمها مع طلبها.
وليس هذا المكان الوحيد الذي تتنافس عليه دولتان. فقد نشب خلاف بين الصين وكوريا الجنوبية حول جزء من بحر الصين الشرقي. وقدمت الصين خريطة يبدو أنها تؤكد ملكيتها لقسم شاسع من بحر الصين الجنوبي. وتشمل أكثر بكثير من مجرد جزر Spratlys، وهي مجموعة جزر تطالب بها ماليزيا والفلبين وتايوان منذ زمن طويل. واعترضت الصين في غضون ساعات من تقديم فيتنام طلب للحصول على جزر Spratlys في السابع من أيار (مايو).

وتختمر المشكلات أيضا في المحيط الهندي. ويبدو أن تنزانيا وجزر Seychelles ستتشاجران بسبب منطقة بالقرب من Aldabra، وقد طالبت موريشيوس بمنطقة حول جزيرة Rodrigues تشمل أرخبيل Chagos. وتعتبره بريطانيا جزءا من إقليم المحيط الهندي، ويشمل Diego Garcia، التي تم نقل جميع سكانها في السبعينيات لكي يتم استخدام الجزيرة كقاعدة أمريكية، وقد خسر هؤلاء السكان العام الماضي استئنافا قانونيا للسماح بعودتهم للوطن.
وتأمل قوة استعمارية سابقة، هي فرنسا، أن تحقق الاستفادة القصوى من مستعمراتها المتبقية، وهي تزعج أصدقائها بفعل ذلك. فقد اشتبكت مع كندا بشأن St Pierre & Miquelon، وهي مجموعة من الجزر الصغيرة التي تبعد مسافة تزيد قليلا على 25 كيلومترا من Newfoudland التي تشرف على جرف فيه الكثير من رواسب النفط، وهي تنتمي لفرنسا.
ولم تصادق كندا على معاهدة قانون البحار حتى عام 2003، لذا عليها أن تنتظر حتى عام 2013 لتقديم طلباتها. أما الدنمارك فعليها أن تنتظر حتى عام 2014، ولكن ليس هناك موعد نهائي بالنسبة للولايات المتحدة لأنها لم تصادق على المعاهدة. وهذه الدول الثلاث هي ضمن الدول الخمس التي تحد المنطقة الأكثر ثراء وصعوبة، أي القطب الشمالي (الدنمارك لأنها تمتلك Greenland، إلى أن يصبح سكان Greenland مستقلين، كما يتمنى البعض). وتطمح جميع الدول الخمس إلى الحصول على المزيد من قاع البحار في القطب الشمالي.
ومعظم منطقة القطب الشمالي هي عبارة عن جرف قاري، لذا سيتم تخصيص معظمها في النهاية إلى أحد الدول المجاورة الخمس (آيسلندا تطالب أيضا بجزء صغير من الدائرة القطبية الشمالية). ولكن بما أنها مغطاة في معظم مناطقها بالجليد على مدار العام طوال التاريخ الحديث، فهي أقل المحيطات التي تم ترسيمها بالخرائط، لذا سيكون من الصعب بصورة خاصة إثبات المطالبات بها.
إن القطب الشمالي غني بالنفط والغاز، وفي الواقع، يعتقد البعض أنه يحتوي على نحو ربع احتياطات العالم غير المكتشفة. ومع أن روسيا قدمت طلبا مبكرا من أربعة أجزاء بموجب المعاهدة، إلا أنه تم رفض الجزء المتعلق بالقطب الشمالي. وبالتالي فإن الطلب الوحيد قيد النظر الفعلي هو طلب النرويج. إلا أن الدول المجاورة الأخرى للقطب الشمالي مشغولة برسم الخرائط وإعداد البيانات اللازمة لتقديم طلبات والتي تم نشرها بالفعل.
والاشتباكات واضحة بين كندا والولايات المتحدة، وبين روسيا والنرويج. ومن المرجح أن تقدم كل من كندا والدنمارك وروسيا طلبات فردية للحصول على أجزاء من القطب الشمالي. ومع ذلك، هناك الكثير من التعاون بين المتنافسين. فكندا والدنمارك مثلا تعملان معا في محاولة لإثبات أن سلسلة تلال Lomonosov، التي تخترق القطب الشمالي والتي تعد أساس طلب روسيا في القطب، تمتد داخل أراضيهم.
وقد حدث تعاون مماثل بين دول في أجزاء أخرى من العالم. فقد عقدت معظم الدول الساحلية التي كانت تعلم أنه سيتم الطعن في الطلب اتفاقات ألا تعترض أي منها على طلب دولة مجاورة إذا أظهرت الدول الأخرى صبرا متبادلا. وسيعقب الكثير من الطلبات المشتركة المزيد من عقد الصفقات بين الدول المعنية.
ورسميا، فإن أمام جميع الدول الآن ثلاثة أشهر لتقديم الاحتجاجات. وفي الواقع، فإن أمامها فترة أطول بكثير. فبعض الطلبات ليست قوية، بل مجرد عروض "تأشيرية" ستكون بمثابة إجراء عمليات. وحتى الآن، فإن اللجنة المعنية بحدود الجرف القاري، الهيئة المسؤولة عن النظر في الطلبات، معرضة لخطر الحصار. فعليها أن تحكم على كل شيء من الخصائص الجيوفيزيائية (هل التكوين الرسوبي صحيح؟) إلى الخصائص الميتافيزيقية (ما الفرق بين الصخرة والجزيرة؟). وقد تم منحها قبل شهر سلطة النظر والموافقة على خمسة من الطلبات المقدمة فقط، البالغ عددها 22. ومنذ ذلك الحين، تم تقديم 28 طلبا آخر.
وستشجع اللجنة الدول على تسوية خلافاتها عن طريق التفاوض. وإذا فشلت في ذلك، يمكنها الذهاب إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، أو إلى محكمة خاصة في هامبورج. ولكن لا يجب استنتاج الكثير من النزاعات. فالسمة الأبرز للتدافع نحو قاع البحار هو أنه قد يحقق مكاسب اقتصادية هائلة لبعض أصغر وأشد الدول فقرا في العالم- الدول الساحلية في إفريقيا، والدول الجزرية في المحيط الهادئ، والدول الفقيرة مثل باربادوس وسورينام واليمن، التي لا تعد أي منها قوى بحرية متطورة. وإذا كانت الآن محظوظة بما فيه الكفاية لاكتساب حقوق جديدة على النفط أو المعادن، قد تتمكن قريبا من استغلالها.

الأكثر قراءة