سور الصين العظيم يقف في طريق الارتقاء الاقتصادي الصيني
إن جوانب القصور المؤسسية يمكن أن تمنع الصين من تحقيق كامل قوتها الاقتصادية الكامنة رغم نموها الخارق في العقد الماضي.
وإذا لم تنجح بكين في تحقيق "إصلاح هيكلي عميق" لمؤسساتها "ضعيفة الجودة نسبياً"، فمن الممكن ألا يتمكن دخل الفرد في الصين من كسر عقبة "سور الصين العظيم" بما يعادل 12 ألف دولار أمريكي، كما يحذّر إليان ميهوف، أستاذ الاقتصاد في انسياد.
ويقول ميهوف، الذي شارك في ورقة عمل مع الأستاذ، أنطونيو فاتس في هذا الموضوع في عدد آذار (مارس) الماضي من مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو"، إن الصين تمكنت من المحافظة على معدلات نمو مرتفعة خلال الأعوام القليلة الماضية، رغم الجودة الرديئة لمؤسساتها، وذلك لأن الجودة المؤسسية من الممكن ألا تكون العقبة أمام تحقيق النمو المرتفع في المراحل الأولى من التنمية.
وكان مقال ميهوف يرتكز على بيانات أصدرها البنك الدولي عام 2007، حيث عملت على قياس الجودة المؤسسية باستخدام مؤشرات حوكمة، وكفاءة الحكومة، والجودة التنظيمية، وحكم القانون، وضبط الفساد، والاستقرار السياسي، وغياب العنف، والتعبير والمساءلة. وربط المقال هذه المعايير للجودة المؤسسية بدخل الفرد.
ولكي تتمكن الاقتصادات من التقدم عبر حاجز الـ 12 ألف دولار أمريكي، فإن ورقة العمل هذه المنشورة في مجلة "هارفارد بيزنس ريفيو" تجادل بأن "التنظيم المتطور للإنتاج" ضروري، وأنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا بوجود المؤسسات الجيدة.
"إذا نظرت إلى الجودة المؤسسية، ومن ثم حاولت ربطها بدخل الفرد، وذلك يعني مدى ثراء الدولة، تجد أن الدول التي لا تتوافر لديها مؤسسات جيدة، ليس لديها حكم القانون، ولديها الكثير من الفساد، ولا يمكنها النمو إلا بنحو 12 ألف دولار (من حيث دخل الفرد)"، كما قال ميهوف لمجلة انسياد نولدج. "قبل ذلك، يمكنها النمو بسرعة كبيرة (وإن لم تكن الجودة المؤسسية مرتفعة للغاية).
وبالفعل، ارتفعت حصة الفرد من الناتج الإجمالي المحلي الصيني إلى 5.370 دولار في عام 2007 من أصل 2.340 دولار في عام 2000. وخلال هذه الفترة، تضاعف حجم الناتج الإجمالي المحلي ثلاثة أضعاف ليصل إلى 3.280 مليار دولار من أصل 1.198 مليار دولار، وفقاً لما جاء عن البنك الدولي.
ويلاحظ ميهوف أنه حتى الدول التي لديها "سيطرة"، أو اقتصاديات مخططة مركزياً، ولديها دخل فردي يقل عن 12 ألف دولار، يمكن أن تنمو بسرعة إذا وظّفت سياسات صحيحة.
فعلى سبيل المثال، كانت الدول الديكتاتورية مثل الاتحاد السوفياتي، وغيرها من دول أوروبا الشرقية، تنمو بين 5 و 10 في المائة سنوياً في فترة الخمسينيات، والستينيات من القرن الماضي، وهي معدلات مماثلة للنمو الاقتصادي الصيني خلال الأعوام القليلة الماضية.
ولكن النمو الاقتصادي في الاتحاد السوفياتي بدأ بالركود في فترة الثمانينيات من القرن الماضي حين وصل حجم دخل الفرد إلى 12 ألف دولار بالعملة المتداولة اليوم، كما يقول ميهوف. وأشار إلى أن الاتحاد السوفياتي انهار بعد أن اصطدم "بالجدار العظيم" بسبب أكوام من المشكلات الاقتصادية.
وإن المثال الآخر على ذلك هي فنزويلا، وهي أكبر دولة مصدرة للنفط في أمريكا الجنوبية، التي كان من الممكن أن تكون أثرى بكثير اليوم لولا مؤسساتها الضعيفة.
"بين عام 1960 إلى عام 2007، كانت فنزويلا تتقلب بين ثمانية آلاف دولار و12 ألف دولار (من حيث معدل دخل الفرد)، ومن الواضح أن ذلك يعتمد على سعر النفط"، كما يقول ميهوف.
"ولكن لم تكن قادرة إطلاقاً على النمو بما يزيد على ذلك المستوى. فلو كانت فنزويلا تملك مؤسسات صحيحة، ولو كانت فنزويلا تنمو مثل الصين، لكانت فنزويلا اليوم أثرى من فرنسا، وألمانيا، وأثرى من معظم دول أوروبا، ولكن بدلاً من ذلك لديها معدل دخل فرد لا يعادل سوى 11 ألف دولار أمريكي".
"وفي الوقت الراهن، فإن الصين تقف عند مستوى خمسة آلاف دولار أمريكي. ومع معدلات النمو الحالية، ستصل الجدار في غضون سبعة إلى عشرة أعوام"، كما يقول ميهوف. "وفي ذلك الوقت، إن لم تكن هنالك إصلاحات، عندها سيعلمنا التاريخ على الأقل أن نمو الصين سيتوقف. وسيركد عند تلك المعدلات التي تراوح بين عشرة آلاف و 12 ألف دولار أمريكي".
ولكن ميهوف يقول إنه متفائل بأن بكين ستقوم بالإصلاحات المؤسسية اللازمة، نظراً إلى تاريخ الصين في مواجهة التحديات الهائلة، والإرادة الحكومة الصينية للقيام بالإصلاحات الضرورية.
أمثلة على ذلك: قامت بكين في الآونة الأخيرة بإجراء حاسم لمعالجة الكساد الاقتصادي العالمي الحالي، بتطبيق حزمة حوافز مالية بقيمة أربعة تريليونات يوان ( أي 585 مليار دولار)، واتخذت إجراءات من أجل تنشيط عشرة قطاعات صناعية.
"ومن السخرية فعلاً أن الاقتصادات الغربية، وصنّاع السياسة على الأرجح، يعرفون أن الدروس المستفادة من الكساد العظيم، والحاجة إلى إجراء سياسي سريع، أكثر من أي شخص آخر، ولكن إلى الآن، فإن الحكومة الوحيدة التي اتخذت إجراءات صارمة هي الحكومة الصينية فقط التي أعلنت عن حزمة مالية تعادل 600 مليار دولار"، كما يقول ميهوف.
" وتتحدث الصين الآن عن حزمة سياسة مالية ثانية. لذا، وإلى حدٍ ما، يمكن أن تكون استجابة الصين، في نهاية المطاف، هي الأسرع، والأكثر ملاءمة مقارنة مع جميع الاقتصادات الغربية".