تعميق العلاقات الجنوبية - الجنوبية أساس لاستمرار التنمية المستدامة

أتشرف في هذا الشهر أيار (مايو) بأن أكون أول رئيس برازيلي يقوم بزيارة رسمية إلى المملكة العربية السعودية. وما زلت أحتفظ بذكريات جميلة عن الزيارة التي قمت بها إلى المملكة في عام 2000 والتقيت فيها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حين كان ولياً للعهد. منذ ذلك الحين تم تبادل عدد كبير من الزيارات على المستوى الرسمي العالي كان من شأنها تعميق العلاقات بين بلدينا وشعبينا.
تعتز البرازيل بأن جذورها تنطلق من التراث الثقافي الغني للحضارة العربية. فقد جاءت موجات متتالية من المهاجرين من الشرق الأوسط إلى البرازيل، بحثاً عن آفاق جديدة وحياة أفضل. وعلى مدى سنوات كثيرة قدموا جهوداً أسهمت في تشكيل البرازيل كما نعرفها اليوم وأسهمت في التنويع الغني للمشهد البشري فيها. إن القيم العربية، وأنماط الذوق والمشاعر هي اليوم جزء لا يتجزأ من معنى كون الإنسان برازيلياً.
منذ أن توليت مقاليد الرئاسة في عام 2003 تضاعف حجم التبادل التجاري أربع مرات، حيث ازداد من 1.2 مليار دولار إلى 5.5 مليار دولار. ولكن لا بد أن يكون للقطاع الخاص في البلدين دور في تعميق إمكانات التعاون في مجالات مختلقة من التنقيب عن النفط والتعدين والطيران والمواد الغذائية والإنشاءات والهندسة.
والاتفاقيات التي سيتم توقيعها بين المملكة والبرازيل أثناء زيارتي ستغطي هذا النطاق الواسع للعمل المشترك والتعاون الذي أصبح من العلامات البارزة لروابطنا المتنامية.
تشارك البرازيل المملكة في قناعتها بأن تعميق العلاقات الجنوبية - الجنوبية هي أساس لضمان استمرار بلدينا على مسار التنمية المستدامة.
أوضح مثال على الإمكانات الاستراتيجية لشراكتنا كان في مؤتمر قمة مجموعة العشرين في لندن في نيسان (أبريل) الماضي، حيث ضمت المملكة يدها إلى يد البرازيل لضمان أن يصل المجتمع الدولي إلى استجابات فاعلة في الوقت المناسب إلى الأزمة العالمية. وتأمل البرازيل أن تعمل شراكتها مع المملكة على إدخال الإصلاحات الضرورية على مؤسسات بريتون وودز وعلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
لكن إصلاح المنظمات متعددة الأطراف لا يكفي إذا أردنا تشكيل هيكل للحوكمة والإدارة السليمة يتسم بقدر أكبر من المسؤولية. حتى نتغلب على التحديات العالمية التي تواجهنا لا بد لنا من معالجة جذور النزاعات، خصوصاً النزاعات بين العقائد والحضارات المختلفة. وهذا هو السبب في أن الاقتراح السعودي الداعي إلى تعميق الحوار بين الأديان هو موضع ترحيب كبير من جانبنا. فهو يساعد على تعميق وتعزيز أحد أهم أركان منتدى تحالف الحضارات، الذي تفخر البرازيل باستضافته في السنة المقبلة.
ملايين البرازيليين الذين يعتنقون الإسلام ديناً لهم ينظرون إلى الحرمين الشريفين على أنهما تذكرة بالروابط الروحية التي تربطهم بالمملكة. إن إيمانهم بقوة تقبل الآخرين والحوار في سبيل تعزيز السلام والفهم، وهو شعور موجود لدى جميع البرازيليين، يجعل المملكة والبرازيل حليفين طبيعيين في السعي إلى تحقيق حل دائم للقضية الفلسطينية.
من المستحيل ألا يتأثر الإنسان بالمعاناة القاسية للشعب الفلسطيني، والتي يتحملها على مدى عقود وأجيال. إن الاحتلال الذي طال عليه الأمد للمناطق الفلسطينية، والحملات العسكرية المتكررة التي تشن ضد سكانها، وكذلك العدد المتزايد للمستوطنات الإسرائيلية، كل ذلك ليس من شأنه إلا تأجيل الخلق الحتمي لدولة فلسطينية تكون متصلة تماماً ومستقلة وقابلة للاستمرار الاقتصادي.
لذلك فإن الشعب البرازيلي يقدر إلى حد كبير الجهود التي لا تكل ولا تمل لخادم الحرمين الشريفين. وانسجاماً مع دوره القيادي في جامعة الدول العربية فإن مبادرة السلام العربية تعطي حلاً معقولاً نحو التصالح بين الفئات الفلسطينية. وهي تعترف بأن من غير الممكن التوصل إلى سلام دائم في الشرق الأوسط دون استشارة جميع الأطراف ذات العلاقة بالنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي.
ترغب البرازيل في الانضمام إلى هذه المساعي الرامية إلى تحقيق السلام والازدهار في الشرق الأوسط، وكذلك تعزيز التعاون الجنوبي - الجنوبي والتبادل التجاري. هذه هي بعض القضايا الأساسية وراء إطلاق عملية مؤتمر القمة العربية – الأمريكية الجنوبية، وافتتاح سفارات برازيلية جديدة في المنطقة، وإرسال المبعوث الخاص إلى الشرق الأوسط، وكذلك الدور المتزايد للبرازيل في القضية الفلسطينية.
إن الدور الأساسي للمملكة في تحقيق هذه الأهداف الحيوية يجعلني أتطلع إلى لقاء خادم الحرمين الشريفين خلال الأيام المقبلة وأن أستقبله خلال فترة قريبة في البرازيل، في سبيل تعزيز الشراكة التي أصبحت بالفعل لا يمكن الاستغناء عنها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي