الدراسات الاقتصادية تدعم الاستثمار في النقل العام
الدراسات الاقتصادية تدعم الاستثمار في النقل العام
عند البدء في دراسة أي مشروع سواء في مجال النقل الحضري أو أي مجال آخر فإنه يجب التطرق إلى دراسة التكاليف من جميع النواحي، إضافة إلى دراسة الفوائد المرجوة من التنفيذ. وتعرف عملية تحليل التكاليف والفوائد بأنها منهج المقياس المرجح لاتخاذ القرار بحيث تجمع كل العناصر الإيجابية (الفوائد) مثل العوائد المادية من المشروع التي ستحدث بعد تطبيقه وتوضع في كفة واحدة من الميزان وتوضع العناصر الأخرى، مثل تكلفة التنفيذ والتشغيل والصيانة، بالجانب الآخر من الميزان. ومتى ما رجحت كفة العناصر الإيجابية كان من المرجح تطبيق المشروع والعكس صحيح.
ولذلك عند دراسة هذه العملية فإنه يجب التفريق بين الدارسين والمحللين لهذه العملية وهم (الماليون والاقتصاديون) فالماليون يركزون على الفائدة المادية البحتة (العوائد المباشرة فقط)، بحيث أن أي دولار ينفق في المشروع لا بد أن يكون عائده المادي بنفس القيمة أو أكثر, بعكس الاقتصاديين ذوي الرؤية الاستراتيجية الذين يأخذون في الاعتبار أبعادا أخرى استراتيجية على المدى الطويل مع التركيز على الجوانب البيئية المحيطة كالتنمية المستدامة والأبعاد الاجتماعية وبذلك يعطون ثقلا للعوائد غير المباشرة في الدراسات الاستراتيجية للمشاريع.
وعلى المستوى العالمي نجد أن دراسات التكاليف والعوائد بدأت تركز أخيرا على التوجه الاقتصادي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالعوامل البيئية والاجتماعية وبالتالي لم يعد التوجه المالي المسيطر. ومثال على ذلك الدراسة الاقتصادية للنقل العام في مدينة Hiawatha الأمريكية التي تحتوي على خط قطار سريع بطول 12 ميلا يربط وسط المدينة بأطرافها مصمم لخدمة الركاب على مسارين ويستمد قوته من خطين علويين كهربائيين ومساره على جانب الطريق السريع ويحتوي على 17 محطة وسرعته 55 ميلا خارج المدينة و44 ميلا داخل المدينة ويخدم نحو19300 راكب خلال أيام الأسبوع.
#2#
كانت الأهداف المرجوة من إنشاء هذا القطار هي إعطاء خيارات للتنقل بديلة للمركبة الخاصة وإعطاء فرص للاستثمارات الجديدة في المنطقة، إضافة إلى العمل على إشراك السكان والمستثمرين في اتخاذ القرار. بدأت الدراسة بحساب الفوائد التي سوف يحققها هذا المشروع ومنها حفظ زمن الرحلات المتولدة، إضافة إلى التقليل من تشغيل المركبة الخاصة كذلك تقليل تكلفة الحوادث وتقليل التلوث الناجم عن استخدام المركبة الخاصة وتقليل تكلفة إنشاء البنى التحتية للشوارع وتقليل تشغيل المركبة الخاصة والتقليل من بناء المواقف للسيارات والمساعدة على التطوير الحضري وخدمة ذوي الدخل المنخفض. وجدت الدراسة أن كل عنصر من هذه العناصر سوف يجلب فائدة ربحية تحسب مع كافة العناصر الأخرى للظهور بمجموع واحد للفوائد الربحية، التي أصبح مجموعها 135ألف دولار (عوائد مباشرة فقط).
في الجانب الآخر بدأت الدراسة بحساب التكاليف التي سيتطلبها إنشاء هذا المشروع وهي التكلفة الأساسية للإنشاء وتكاليف التشغيل وتكلفة إعادة تحسين أماكن الخدمات وتكلفة تحسين الطرق السريعة لدعم شبكة القطار وتكلفة إنشاء المواقف التي أصبح مجموعها 932 ألف دولار. ونلاحظ من هذه الدراسة أن التكاليف المادية المباشرة لإنشاء هذا المشروع أكثر من قيمة الفوائد المباشرة المرجوة من إنشاؤه وليس الفرق بقليل ومع ذلك تم إنشاؤه لأن العوائد غير المباشرة تؤيد تحقيق فوائد المشروع المذكورة سابقا للبيئة والمجتمع.
لذا فإن هذه الدراسة تعد دراسة ذات اتجاه اقتصادي، كما عليه الحال في عديد من دراسات النقل العام العالمية، تعتمد بشكل كبير على العائد المستقبلي والاهتمام بالبيئة وحاجات سكان المدينة الاجتماعية للاعتماد على وسيلة أخرى للتنقل وليست ذات اتجاه مالي يهتم بالعوائد المالية المباشرة فقط، وبالرغم من هذا لا يزال المشروع قائما ويؤدي وظيفته في خدمة عديد من شرائح المجتمع. ولذا يبرز السؤال المهم: هل ستستمر الجهات المسؤولة عن النقل في السعودية في اتجاهها المالي المعروف، أم أنها ستتجه إلى ما هو أنجح وأسلم وهو الاتجاه الاقتصادي المتبع في غالبية دول العالم؟
إبراهيم بن عبد العزيز الماضي
طالب بمشروع التخرج – كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود.