عرض لا يمكن رفضه
تدمر الحكومة الأمريكية حقوق الدائنين في اندفاعها لإنقاذ ديترويت
لم يكن أحد من أولئك الذين أقرضوا المال لشركة جنرال موتورز أو كرايسلر يجهل أوضاعهما المالية الرهيبة. ولا يمكن أن يكون العاملون فيهما لم يلاحظا أوضاع الشركتين المضطربة. فقد ظلت هاتان الشركتان بالكاد واقفتين على قدميها خلال فترة الازدهار، وكان كل من الدائنين والموظفين يغامرون مغامرة كبيرة في الاعتماد على وعدهما بسداد الديون واستحقاقات الرعاية الصحية السخية.
إلا أن المغامرة كانت فاشلة. فقد أوقع الركود كلتا الشركتين في الهاوية - خسرت كليهما 48 مليار دولار العام الماضي. وأعلنت كرايسلر إفلاسها، الذي قد تخرج منه تحت سيطرة شركة فيات. وقد تتبعها جنرال موتورز قريبا إذا فشلت محاولات التوصل إلى اتفاق طوعي لإعادة الهيكلة. وتقدم الحكومة الأمريكية، الحريصة على حماية العمال، أموال دافعي الضرائب للإبقاء على الشركتين. ولكنها خلال اندفاعها دمرت الدائنين وتعاملت بقسوة مع مطالبهم المشروعة بأصول شركتي تصنيع السيارات. وهذا خطأ كبير في الوقت الذي يتعين فيه على كثير من الشركات جمع قروض جديدة.
وتنطوي حالات الإفلاس على تقسيم كعكة متقلصة. ولكن ليس جميع المطالبات متساوية: يقدم بعض المقرضين أموالا أرخص للشركات مقابل مطالبة مضمونة أكثر بأصول الشركات إذا ساءت الأمور. ويتفوقون بذلك على غيرهم من أصحاب المصلحة، بمن فيهم أصحاب الأسهم والموظفين. وقد تم تدمير هذا المبدأ الآن. ففي الثلاثين من نيسان (أبريل)، بعد فشل المفاوضات، تقدمت كرايسلر بطلب الإفلاس بموجب الفصل الحادي عشر. وفي إطار المخطط المقترح، سيستعيد الدائنون الحاصلون على ضمان والذين تدين لهم الشركة بنحو 7 مليارات دولار مبلغ 28 سنتا لكل دولار. إلا أن صندوق الرعاية الصحية للموظفين، الذي يعمل بصورة منفصلة عن نقابة عمال السيارات المتحدة، والذي يصنف في الرتب الدنيا لهيكل رأس المال، سيتلقى 43 سنتا لمطالباته البالغة 11 مليار دولار تقريبا، إضافة إلى حصة أغلبية في الشركة حين يتم إعادة هيكلتها.
ويشمل الدائنون الذين قبلوا بذلك, البنوك التي تعتمد هي نفسها على أموال الحكومة. وقد تم وصف الرافضين بأنهم "مضاربون" من قبل باراك أوباما. ووافق القاضي الذي ينظر في القضية على إفلاس سريع "معد مسبقا"، يعطي، كما يبدو، مجالا صغيرا للدائنين لمناقشة حجتهم أو تحقيق الحل البديل المتمثل في تصفية أصول الشركة. وفي الواقع، تجاوزت كرايسلر والحكومة النظام الهرمي القانوني لوضع استحقاقات الرعاية الصحية للعمال فوق مطالبات كبار الدائنين، ثم جادلا بنجاح في المحكمة بالقول إن البديل سيكون أسوأ بكثير بالنسبة إلى الدائنين بحيث لا يمكن التفكير فيه بجدية.
كما استخدمت وزارة الخزانة أيضا القوة مع مقرضي جنرال موتورز. فقد طلب من الدائنين غير الحاصلين على ضمان والذين تدين لهم الشركة بنحو 27 مليار دولار القبول باسترداد 5 سنتات على الدولار، كما يقول Barclays Capital، في حين سيحصل صندوق الرعاية الصحية، الذي يصنف في مرتبة أدنى منهم، على 50 سنتا, إضافة إلى حصة كبيرة في الشركة حين يتم إعادة هيكلتها. وإذا رفض الدائنون التعاون، من المرجح أن تسعى الحكومة لسحقهم باستخدام إجراءات المسار السريع القانونية.
الحقائق المفصلة
إن انهيار شركات ديترويت العملاقة هو كارثة بحق، حيث أثر في عشرات الآلاف من العمال الحاليين والسابقين. إلا أن أفضل طريقة لتقديم الدعم لهم هو الطريقة المباشرة، وليس عن طريق التلاعب بالقواعد. وقد تم تصوير المستثمرين في هذه الشركات بوصفهم مفترسين، إلا أن عديدا منهم مؤتمن على مدخرات الناس العاديين، وعلى أية حال، فإن لهم كلهم مطالبات قانونية تمنحهم الحق بالحصول على عملية عادلة. وخلال الأزمات، من السهل وضع السياسة في المقام الأول، ولكن إذا كان المقرضون يخشون من إساءة استغلال حقوقهم، ستجد شركات أخرى أن الاقتراض أصبح أكثر تكلفة، خاصة إذا كان لديهم قوة عاملة تنتمي إلى نقابات العمال تعتبر على علاقة ودية بالحكومة.
وربما يكون الأوان قد فات بالنسبة إلى دائني كرايسلر الحاصلين على ضمان، وإذا فشل مقرضو جنرال موتورز في التوصل إلى اتفاق طوعي، قد يواجهون مصيرا مماثلا. وسيمثل هذا سابقة مريعة. فالإفلاس يهدف إلى حل المطالبات القانونية بالأصول. وإذا أصبح أداة للسياسة الاجتماعية، من الذي سيقرض حينها الشركات المضطربة التي تملك فيها الحكومة مصلحة سياسية؟