مراقبة الجوار
المشكلات في جورجيا والاجتماع في براغ يشيران إلى توترات جديدة بين الغرب وروسيا.
من غير المعروف ما حدث بالضبط وراء بوابات ثكنة كتيبة الدبابات الجورجية بالقرب من تبليسي في الخامس من أيار (مايو). يقول الجورجيون إنهم قمعوا التمرد وأحبطوا مؤامرة تهدف إلى الإطاحة بالرئيس ميخائيل ساكاشفيلي، التي ربما كانت من تدبير المخابرات الروسية. وكما هو متوقع، نفت روسيا تورطها في ذلك. ثم في السابع من أيار (مايو)، اشتبك متظاهرون من المعارضة الجورجية، الذين يطالبون باستقالة ساكاشفيلي، مع الشرطة في تبليسي في أول اندلاع لأعمال العنف منذ بدء المظاهرات في مطلع نيسان (أبريل).
ومن الواضح أن الأوضاع في جورجيا لا تزال متوترة للغاية. فأي استفزاز قد يتحول بسهولة إلى ذريعة لتجدد الصراع. وسارعت كل من روسيا وجورجيا إلى ربط التمرد بتدريبات الناتو التي بدأت في جورجيا في السادس من أيار (مايو). وقالت جورجيا إن هذا محاولة لعرقلة التدريبات، فيما قالت روسيا إنه دليل على حماقة الناتو. وصرح السفير الروسي إلى الناتو، Dmitry Rogozin، بغضب أن إجراء هذه التدريبات في مستشفى للأمراض النفسية أكثر ملاءمة من إجرائها في منطقة الدولة الجورجية.
وفي الواقع، تم إجراء تدريبات الناتو البسيطة في إطار برنامج الشراكة من أجل السلام وكان مخططا لها قبل الحرب الأخيرة في جورجيا في آب (أغسطس) الماضي، بل وتمت دعوة روسيا للمشاركة. ولا يزال ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي، يصف التدريبات بأنها استفزازية. كما شعر الروس بالانزعاج من طرد اثنين من الدبلوماسيين الروس من الناتو للاشتباه بتجسسهما، خاصة بما أن أحدهما، وهو Vasily Chizhov، هو ابن السفير الروسي إلى الاتحاد الأوروبي. وردا على ذلك، طردت موسكو اثنين من مبعوثي الناتو من كندا وانسحبت من اجتماع مجلس الناتو-روسيا في بروكسل. (اعتقلت جورجيا أيضا مبعوثها السابق إلى الناتو بتهمة التجسس).
وبعد اللقاء الودي نسبيا بين ميدفيديف وباراك أوباما قبل شهر، أثارت أفعال الناتو الارتباك في موسكو، كما يقول Dmitri Trenin، مدير مركز كارنيجي في موسكو. فهل أمريكا جادة بشأن تحسين العلاقات مع روسيا؟ إلا أن هذا الارتباك ينم عن قناعة بأن أي تحسن يجب أن يأتي من أمريكا، مما يترك لروسيا حرية التدخل في الدول المجاورة لها. وحتى حين تذمرت من تدريبات الناتو، كانت روسيا تنشر حرس الحدود في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وفي مطلع نيسان (أبريل)، اكتشفت جورجيا احتشاد القوات والمعدات الروسية في منطقتين انفصاليتين. إلا أن الروس قالوا إن هذا مجرد تدريب عسكري.
ويقول Pavel Felgenhauer، المحلل العسكري المستقل الذي تنبأ بدقة بحرب روسيا مع جورجيا في آب (أغسطس)، إن القوات الروسية لا تزال في وضع الاستعداد للعمل. ويقول إن دعاة الحرب يشعرون أن رد فعل الغرب على حرب عام 2008 كان معتدلا. ويشيرون أيضا إلى أن ساكاشفيلي لا يزال باقيا على الرغم من أن ميدفيديف وصفه بأنه جثة سياسية.
وكانت المخاوف المتعلقة بروسيا تشكل عبئا ثقيلا على أولئك الذين ذهبوا إلى براغ الأسبوع الماضي لإطلاق "الشراكة الشرقية"، وهو مشروع يهدف إلى تحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الاتحاد الأوروبي وست جمهوريات سوفيتية سابقة، هي أوكرانيا, مولدوفا, جورجيا, أرمينيا, أذربيجان, وبيلاروس. وليس هناك عنصر عسكري في هذا المشروع ذي الميزانية المنخفضة، وقد لا يحدث فرقا كبيرا، كما يقول Fyodor Lukyanov، وهو خبير روسي في السياسة الخارجية. ومع ذلك، تعتبر روسيا الاتحاد الأوروبي منافسا لها في دائرة نفوذها وتتفاعل بعدوانية مع أي تدخل من جانبه، مثل إبلاغ بيلاروس أن الاعتراف بأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا سيضر بتوقعاتها المستقبلية فيما يتعلق بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ومن الأمور الأخرى التي أثارت انزعاج روسيا هو عقد مؤتمر حول Nabucco، خط أنابيب الغاز المقرر أن يلتف حول روسيا في الجنوب، بعد القمة.
ويريد البعض من الدول الأعضاء في الشراكة الشرقية أن تختار بين روسيا والاتحاد الأوروبي، كما قال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عشية اجتماع براغ. وأضاف قائلا: "نأمل.. ألا تكون هناك محاولات لإنشاء خطوط تقسيم جديدة." إلا أن رسم خطوط جديدة هو بالضبط ما فعلته روسيا في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا. وليس من المستغرب ألا تحب الجمهوريات السوفياتية السابقة فكرة روسيا عن أوروبا الثانية المركزة حول موسكو. ولكن ما لم يقدم الاتحاد الأوروبي فوائد ملموسة لأعضائه الجدد، فقد تتلاشى جاذبيته في عيون تلك الدول بسرعة.