الانكماش في أمريكا أكبر الضررين
التضخم سيئ إلا أن الانكماش أسوأ
عبر Merle Hazard، المغني الغربي الريفي الساخر، عن الارتباك المالي بشكل أفضل من أي شخص. فهو يغني: "التضخم أم الانكماش.. قل لي إن كنت تستطيع: هل سنصبح زيمبابوي أم اليابان؟".
كيف يمكن أن تحذر من القوى الانكماشية لأسوأ ركود في أمريكا منذ الثلاثينيات ومن الاستجابة القوية لمجلس الاحتياط الفيدرالي، الذي خفض أسعار الفائدة إلى الصفر وزاد ميزانيته بسرعة كبيرة؟ في الرابع من أيار (مايو)، حذّر بول كروغمان، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، من أن الانكماش على الطراز الياباني يلوح في الأفق، مع أن الآن ميلتزر، أحد المؤرخين البارزين في مجلس الاحتياط الفيدرالي، توقع أن يتكرر التضخم الذي حدث في السبعينيات - تم نشر توقع كل منهما على الصفحة نفسها في صحيفة New York Times.
وهناك بعض الصحة فيما يتعلق بالاثنين. إلا أن التضخم بعيد ويمكن احتواؤه، في حين أن الانكماش قريب ومدمّر.
التراجع جراء الديون
ولا تستند المخاوف المتعلقة بالانكماش على انخفاض الأسعار الاستهلاكية في أمريكا بنسبة 0.4 في المائة خلال العام حتى آذار (مارس). ومع أن هذا الانخفاض السنوي هو الأول من نوعه منذ عام 1955، إلا أنه نتيجة عابرة لانخفاض أسعار الطاقة. ويبلغ التضخم الأساسي، باستثناء المواد الغذائية والطاقة، 1.8 في المائة. إلا أن الخوف هو استمرار انخفاض الأسعار الذي يميز الانكماش الحقيقي. وبما أن معدل البطالة يقترب من 9 في المائة، فإن الناتج الاقتصادي أدنى من إمكانات الاقتصاد من أي وقت مضى منذ عام 1982. ومن المرجح أن تزداد هذه الفجوة اتساعا. وأسعار المنازل ليست جزءا من مؤشر التضخم في أمريكا، إلا أن انخفاضها يجبر الأسر على تقليل الديون، الأمر الذي قد يقيّد النمو الاقتصادي لسنوات عديدة. ومع تنافس العمال على الوظائف النادرة وتخفيض الشركات أسعارها للتفوق على غيرها، ستتعرض الأجور والأسعار للضغوط.
ولا تزال توقعات التضخم ثابتة حتى الآن: وهذا الشعور هو بحد ذاته حصن مرحب به ضد الانكماش. إلا أن تجميد الأجور وتخفيضات الرواتب قد تغير قريبا آراء الناس. ففي أحد الاستطلاعات، قال أكثر من ثلث المستجيبين أنه تم تخفيض أجورهم أو ساعات عملهم أو أن هذا حدث لأحد أفراد عائلتهم. وارتفع مؤشر تكلفة العمالة بنسبة 2.1 في المائة فقط خلال العام حتى الربع الأول، وهو الأقل منذ بدء التسجيل عام 1982. وفي عام 2003، خلال فترة الذعر الأخيرة بسبب الانكماش، زاد مجموع الأجور بنسبة 4 في المائة تقريبا.
هل هذا مهم؟ إذا كانت الأسعار تنخفض بسبب دفع الإنتاجية، كما كان الحال في نهاية القرن التاسع عشر، فإن هذا علامة على التقدم لا على الانهيار الاقتصادي. ولكن اليوم، من المرجح أن يكون الانكماش أشبه بالانكماش الخبيث في الثلاثينيات من شبهه بالانكماش الحميد قبله، لأن الطلب ضعيف ولأن الأسر والشركات مثقلة بالديون. وخلال الانكماش، تظل القيمة الاسمية للديون ثابتة حتى مع انخفاض الأجور الاسمية والأسعار والأرباح. وبالتالي تزيد أعباء الديون الحقيقية، مما يدفع المقترضين إلى تخفيض الإنفاق لخدمة ديونهم أو إلى التخلف عن السداد. ومن شأن هذا تقويض النظام المالي وتعميق الركود.
ومن عام 1929 حتى عام 1933، انخفضت الأسعار بنسبة 27 في المائة. وهذه المرة، تتعامل البنوك المركزية مع هذه المشكلة. وفي أمريكا وبريطانيا واليابان وسويسرا خفضت البنوك المركزية أسعار الفائدة إلى الصفر أو قريبا من الصفر ووسعت بصورة كبيرة ميزانياتها عن طريق شراء الديون. ومن الأمور المفيدة أيضا أن العالم تخلى عن قيد المعيار الذهبي الذي تبناه في الثلاثينيات.
إلا أن هذا الحماس لمكافحة الانكماش هو بالضبط ما يخيف أشخاصا مثل ميلتزر. فهو يخشى أن يكون ثمن القضاء على الانكماش هو عدم قدرة ورغبة مجلس الاحتياط الفيدرالي بعكس مساره في الوقت المناسب لمنع عودة التضخم.
وهذا ممكن، إلا أن تصحيح التضخم أسهل من معالجة الانكماش. ويمكن للبنك المركزي رفع أسعار الفائدة بقدر ما يريد لقمع التضخم، ولكنه لا يستطيع تخفيض الأسعار الاسمية إلى أدنى من الصفر. والانكماش يحرم البنك المركزي من قدرته على تحفيز الإنفاق باستخدام أسعار الفائدة الحقيقية السلبية. وفي أسوأ الأحوال، يؤدي ارتفاع الديون والتخلف عن السداد إلى قمع النمو وتسميم الاقتصاد عن طريق تعميق الانكماش ورفع أسعار الفائدة الحقيقية. والبنوك المركزية التي خفضت أسعار الفائدة إلى ما يقارب الصفر تستخدم الآن الأدوات التقدليدية الكمية، إلا أن فعاليتها ليست مثبتة. وبالنظر إلى الخيارات القائمة، فإن ارتكاب الأخطاء فيما يتعلق بالتضخم لن يكون كارثيا بقدر ارتكاب الأخطاء فيما يتعلق بالانكماش.
ومع ذلك، هناك قلق مبرر من أنه حين يحين أوان رفع أسعار الفائدة، قد يحجم مجلس الاحتياط الفيدرالي عن فعل ذلك بسبب الضغوط السياسية أو الخوف من تقسيم الأسواق المالية. وقد كان مجلس الاحتياط الفيدرالي بطيئا جدا في رفع أسعار الفائدة بعد نوبة الذعر الناتجة عن الانكماش عام 2003. إلا أن أفضل طريقة للتصدي لهذا هو تقوية مجلس الاحتياط الفيدرالي. وينبغي على باراك أوباما أن يرشح أشخاص مستقلين وموثوقين للمقعدين الشاغرين في مجلس إدارة مجلس الاحتياط الفيدرالي، وأن يرفض المقترحات التي تقول إنه يجب أن يفقد محافظو بنوك الاحتياط البالغ عددهم 12، والذين لم يتم تأكيدهم من قبل الكونجرس، حقهم في التأثير في السياسة النقدية. ويجب على الكونجرس أن يسمح لمجلس الاحتياط الفيدرالي بإصدار ديونه الخاصة، الأمر الذي سيمنحه مجالا كبيرا لتشديد السياسة النقدية دون عمليات بيع فوضوية للديون الخاصة غير السائلة التي أخذها.
والتأكيد على الاستقلالية السياسية لمجلس الاحتياط الفيدرالية وتزويده بأفضل الأدوات سيساعد البنك المركزي على مكافحة التضخم حين يحين الوقت. وسيقلل هذا أيضا من احتمالية أن يشدد السياسة قبل الأوان فقط لإثبات صرامته.