على من يمكن أن نعتمد؟

على من يمكن أن نعتمد؟

لا تخشى الدول الفقيرة الحدود بين الدولة والسوق. وبدلا من ذلك تناقش ما إذا كان يجب الاعتماد على الطلب المحلي أم الأجنبي.

إن الجانب اللافت للنظر في الانهيار الاقتصادي العالمي هو الذي لم يحدث. ففي الوقت الذي تفكر فيه الدول الغنية بشأن ما إذا كان يجب استبدال الرأسمالية الأنجلو ساكسونية بالنموذج الفرنسي (ويتفكر الفرنسيون بالتحول إلى الاشتراكية الثورية)، فإن الأسواق الناشئة خالية البال. ويقول الاقتصادي الهندي، Arvind Subramanian، إنه ليس هناك "تشكيك جدي في دور السوق".

وقد يبدو هذا مبالغة. فكما هو الحال في الدول الغنية، اضطلعت الدولة بدور أكبر في العديد من الدول الفقيرة أيضا نتيجة للانهيار العالمي الأخير. وستستفيد الشركات المملوكة للدولة من رزمة الحوافز الصينية البالغة 4 تريليون يوان (587 مليار دولار) التي أعلنت عنها العام الماضي. كما أن صناديق الثروة السيادية فيها تشتري حصصا في الشركات المتداولة فيما تتدفق إعانات الدولة (كما هو الحال في أمريكا وأوروبا) على الصناعات التي تتكبد الخسائر، مثل شركات تصنيع السيارات.

وحصل منتقدو تحرير الأسواق في الهند على الذخيرة اللازمة. فلطالما حذروا من منح البنوك الأجنبية حرية أكبر أو السماح لصناديق المعاشات التقاعدية استثمار المزيد من الأموال في أسواق الأسهم المالية، مما دفع إحدى المجلات البارزة إلى التساؤل: "هل أنقذ اليسار الهند؟" ووصف بعض الاقتصاديين البنك المركزي بأنه متردد العام الماضي لأنه عارض محاولات السماح لتدفقات رأس المال العالمية تحديد قيمة الروبية. ويشعر الآن أنه كان على حق. كما بدأ المودعون بالتحول بعيدا عن البنوك الخاصة- النجوم السابقة في الاقتصاد الهندي الجديد- نحو البنوك المملوكة للدولة التي اعتبرت قديمة الطراز في السابق. وفي الوقت الذي تخفض فيه البنوك الخاصة إنفاقها، تزيد البنوك المملوكة للدولة نطاق إقراضها بصورة قوية.

إلا أن تدخل الدولة هذا ليس مدفوعا فقط بالأيديولوجية، بل بالبراغماتية في الغالب. ويقول رئيس الوزراء الصيني المعجب بآدم سميث إن بلاده "ستعمل على تسريع الإصلاحات" لمكافحة الأزمة وأن عليها "إطلاق العنان لقوى السوق في تخصيص الموارد". وفي حين أعاد الأمريكيون والأوروبيون تنظيم الأعمال، واصلت الصين، التي تستهدف تحقيق هدف نمو يبلغ 8 في المائة، تحرير السوق. فهذا العام مثلا أزالت بعض الحواجز التي تقيّد استخدام اليوان في التجارة الدولية.

وقد تم بذل القليل فقط من المحاولات، أو لم يتم بذل أي محاولة، الرامية لاستعادة ملكية الدولة. وحين سرّحت شركة Embraer، شركة تصنيع الطائرات البرازيلية التي كانت مملوكة للدولة في السابق، آلاف العمال، طالبت نقابات العمال بإعادة تأميمها- ولكن دون جدوى.

بعبارة أخرى، تبنت الأسواق الناشئة سياسات مختلفة، كما تجاهلت القلق الفلسفي للعالم الغني. ولكن لماذا؟

السبب الأول هو أن الأزمة العالمية نشأت في أمريكا وأوروبا وأصابت بقية العالم. لذا لا تعتقد الأسواق الناشئة أن هناك داعيا للفحص الذاتي المؤلم استجابة لمشاكل أشخاص آخرين. علاوة على ذلك، بدأت أكبر الأسواق الناشئة ترى دلائل على الانتعاش. فقد كان ناتج الصين أعلى بنسبة 6 في المائة في الربع الأول من هذا العام عما كان عليه في نفس الفترة من عام 2008. وارتفع الناتج الصناعي للصين والهند في نيسان (أبريل)، مما تسبب بارتفاع أسواق الأسهم المالية الآسيوية بشكل حاد. ومع أن هذه لا تعدو عن كونها مكاسب قصيرة الأجل، إلا أنها كافية لتجنب الفحص الذاتي المتعمق في الوقت الحالي.

ثانيا، الدولة كبيرة إلى حد كاف بالفعل في الكثير من الأسواق الناشئة، خاصة في القطاع المصرفي. ويتطلب ترسيم الحدود الحالي بين الدولة والسوق تأييدا شعبيا واسعا، والقضية الرئيسية، كما يقول Subramanian هي "كيفية الاستمرار بتقليص دور الدولة بطريقة تدريجية وعملية." لذا حتى لو كانت خطوط ترسيم الحدود تميل نحو الدولة في الدول الغنية، فقد تجاوزت الأسواق الناشئة هذه المرحلة بالفعل، ولا تعتقد أن هناك فائدة كبيرة في إمالة الحدود نحو الدولة أكثر من ذلك.

حيل التجارة

إلا أن الأزمة العالمية أثارت خلافا مؤلما بشأن مسألة جوهرية بنفس القدر: مدى الاعتماد على الصادرات ومدى الاعتماد على الطلب المحلي. ففي الاجتماع السنوي لبنك التنمية الآسيوي الذي عقد هذا الشهر، قال الوزير تلو الآخر إن على الدول زيادة اعتمادها على بعضها البعض وتقليل اعتمادها على البيع لأمريكا. واتفقت ثلاثة عشر دولة آسيوية أيضا على إنشاء صندوق بقيمة 120 مليار دولار- جزء من نظام لاتفاقات المبادلة الذي تأسس قبل تسع سنوات ويسمى مبادرة Chiang Mai- الذي يمكن لهم (نظريا) أن يسحبوا منه المال حين تشتد الضغوطات المالية.

ولكن ليس من المؤكد كيفية نجاح هذا النظام عمليا. إلا أن قوة الدفع التي تحفزه واضحة: تجميع المخاطر يعبر عن شعور الزملاء الآسيويين والحذر الآسيوي العام من كل من صندوق النقد الدولي ومن التداعيات الأخرى لأزمة أمريكا. وقد تعلمت الدول الناشئة من الأزمات المالية في التسعينيات أنه لا يمكنها الاعتماد على رأس المال الأجنبي المتقلب. والآن، يدفعها انهيار التجارة العالمية إلى التساؤل فيما إذا كان يمكنها الاعتماد على العملاء الأجانب المتقلبين.

الأكثر قراءة