إعادة تجهيز أوروبا بمهارات تتماشى مع اقتصاد المعرفة العالمي
تعاني أوروبا اليوم نقص المهارات، الأمر الذي ازداد سوءا بفعل الأزمة الاقتصادية. فعلى مدار العقد الماضي، أكّد العديد من قادة النشاطات العملية على أن أوروبا، ببساطة، لا تنتج، أو تجذب، أو تحافظ على عدد كافٍ من العلماء، والمهندسين، وإخصائيي تكنولوجيا المعلومات، من أجل تلبية متطلبات صناعاتها، وطموحات "أجندة لشبونة"، وذلك لقيادة اقتصاد المعرفة العالمية.
بالتركيز على هذه القضية بالغة الأهمية، كتبت انسياد تقريراً يتضمن معلومات أساسية بشأن قمة الأعمال الأوروبية الأخيرة. وحمل التقرير عنوان: "من يهتم؟ من يجرؤ على تزويد المهارات لأوروبا الابتكارية والمستدامة – Who Cares? Who Dares? Providing the Skills for an Innovative and Sustainable Europe، وهو يدعو قادة الحكومات، والنشاطات العملية الأوروبية إلى الانتباه إلى أهمية تعزيز المهارات، وينصح بمجموعة من الإجراءات العملية لمساعدة أوروبا في مواجهة أكثر التحديات إلحاحاً في هذا الصدد.
هرم المهارات
بناءً على البيانات التي جاءت عن التعاون بين فريق المختبر الإلكتروني لإنسياد - eLab، بقيادة رئيس برونو لانفين، وزميل الأبحاث الأول، نيلس فونستاد، ومنتدى الاقتصاد العالمي، فإن التقرير يُظهر أن القدرة التنافسية العالمية، والمجموعة القوية من المهارات مترابطة بشدة. لذا فإن هرم المهارات يشمل ثلاثة أنواع من المهارات، المهارات الأدبية والأساسية، والمهارات المهنية، ومهارات اقتصاد المعرفة العالمية، حيث تم تطويره لتحسين فهم كيفية نجاح أوروبا مع باقي أنحاء العالم.
وبينما تحصل أوروبا ككل على درجة (ب – B) للمهارات الأدبية والأساسية، ودرجة (ب – B) للمهارات المهنية، فإنها تسجل (ج – C) مروّعة لمهارتها في اقتصاد المعرفة العالمية، وهو مجال تتخلف فيه أغلب الدول الأوروبية عن دول مثل كوريا الجنوبية، والولايات المتحدة الأمريكية، وسنغافورة.
وفي التقرير، أكد لانفين، وفونستاد على أن ذلك يعني أن أوروبا غير مجهّزة بما يكفي من حيث مديري وقادة الابتكار. والحقيقة، هي أن القدرة على إدارة التغيّر، والتفكير بابتكارية بشأن المنتجات، والعمليات، والاستخدام، لا تزال شحيحة في أرجاء الشركات الأوروبية، والمؤسسات العامة؛ إن القدرة على إدارة الفرق متعددة الثقافات (وفي العادة الوهمية) لا تزال غير كافية في العدد من أجزاء أوروبا.
خطة عمل من ست نقاط
ومن أجل التشجيع على العمل في مجال تطوير المهارات في كافة أرجاء أوروبا، استنبط فريق انسياد، المختبر الإلكتروني، خطة عمل من ست نقاط: ميثاق المهارات الأوروبية - ESP - European Skills Pact. وإن الأولوية الأولى لهذا الميثاق هي دمج القوى ضمن القطاعين الخاص والعام في أوروبا، من أجل مساعدة النشاطات العملية على إبقاء جزء كبير من اليد العاملة، قدر الإمكان، خلال فترة الأزمة، ولاستغلال أوقات الاضطراب في إعادة تزويد المهارات لأطقم العمل ، وتهيئتهم لزمن ما بعد الأزمة.
وهنالك مشورة مهمة أخرى في ميثاق المهارات، وهي تخصيص المزيد من حزم التحفيز الأوروبية في مثل هذه القطاعات، التي يمكنها أن تؤسس، على أفضل وجه، قيادة أوروبية بعد أن تخمد الأزمة، وبخاصة عن طريق الاستعداد بمهارات مناسبة.
وينصح الميثاق كذلك بجعل المهن العلمية، والهندسية، أو التقنية، أكثر جاذبية للجيل الأصغر، وبخاصة من الفتيات.
"ومن المذهل حقاً، أنه من ناحية، نرى تناقص فجوة النوعية في أوروبا طوال عدة أعوام، على سبيل المثال، في التمثيل السياسي، أو في الإعلام، بينما من الناحية الأخرى، يبدو أنها في تزايد حين يتعلق الأمر بالدراسات التقنية، والعلمية"، كما يؤكد لانفين.
ويدعو بند إجراء آخر جيل حوض المواهب بمهارات للتطرق إلى اقتصاد المعرفة العالمية الجديد. وإن أحد الدروس التي تنبثق عن نصائح ميثاق المهارات الأوروبية هي أن الابتكار سيكون أهم بكثير في زمن ما بعد الأزمة. وإذا أرادت الاقتصادات المتقدمة في السن، مثل أغلب الاقتصادات الأوروبية، استغلال حقيقة أن لديها جامعات منذ 900 عام، فسيكون عليها أولاً تنمية قيادة المشاريع، حيث إن أجزاءً أخرى من العالم، مثل الولايات المتحدة الأمريكية متقدمة في ذلك، وثانياً، التركيز على الابتكار".
"عليها أن تجد الأساليب التي يمكن عن طريقها الحفاظ على القيمة، بالارتكاز إلى الأدمغة، لأن رواج مجموعة متزايدة من النشاطات سيجعلها تنتقل إلى اقتصادات الأجور المتدنية. وذلك جزء من اللعبة التي تُدعى العولمة. وللبقاء على قمة الميثاق، على كافة الاقتصادات القديمة، والجديدة، أن تبني المزايا المقارنة المرتكزة إلى الأدمغة، وأن تكون محوراً للابتكار"، كما يقول لانفين.
ويعتقد جان فيليب كورتويس، رئيس مايكروسوفت إنترناشونال، وعضو مجلس إدارة ابتكار النشاطات العملية العلمية، الذي يسعى إلى المساعدة على إعادة تجديد أجندة الابتكارفي أوروبا، أن الابتكار سيكون المحرك الأساسي للانتعاش الاقتصادي.
"وفي نهاية اليوم، إذا كنا نريد من أوروبا، أو الدول المنتشرة في أرجاء القارة أن تعمل على إعادة التوزان بصورة أسرع، فهي بحاجة إلى أن تضيّق فعلاً فجوات المهارات، وبالأخص المتعلقة بمهارات الابتكار"، كما قال لمجلة إنسياد نولدج.
"إن الابتكار ليس مجرد تكنولوجيا، من الممكن أن يكون في صورة عمليات، وهو مرتبط للغاية فعلاً بالمهارات البشرية مجدداً، وعليك أن تجمع ذلك لتكون رقماً واحداً فعلاً، أو أحد القادة البارزين في مجموعتك، وفي صناعتك. وحان الوقت للقيام بذلك".
ويعوّل كورتويس على أية حال، على أن الحكومات قد لا تكون تقدّم للابتكار كامل اهتمامها، نظراً لما يحدث في كواليس الأزمة. "أعتقد أن مهارات الابتكار ليست مطروحة على الأجندة، وأعتقد أنك إذا نظرت إلى إجراءات حزمة التحفيز في أوروبا على الأخص، فليس هنالك بصراحة ما يتعلق بتسريع الابتكار، ومحاولة اتخاذ وقفة قيادية في هذا المجال، الأمر الذي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية الآن، كونها تحاول بناء هذه الصناعات الجديدة، والذكية، الحالمة، وما تقوم به إزاء القيادة في العالم".
أوروبا موحّدة
ويدعو بند منفصل إلى تحريك المهارات داخل أوروبا، وكذلك بين أوروبا، وأجزاء أخرى من العالم. ويُعد هذا أمراً مطلوباً بفعل وجود ما يدعوه التقرير بـ "الحد الفاصل للمهارات الأوروبية"، مع الدول الاسكندينافية التي تميل عموماً إلى الإبلاء بصورة أفضل في مجالات اقتصاد المعرفة العالمية أكثر من باقي دول الاتحاد الأوروبي.
ويوضّح فونستاد قائلاً، "إن أحد الأمور التي تتضح حين تقيّم مجموعة كهذه من الدول هو الفرق المذهل بين مجموعة فرعية من الدول التي تمتاز بارتقائها على هرم المهارات (على سبيل المثال، دول الشمال)، مقابل مجموعة فرعية تتخلف عن ذلك (مثل بلغاريا). ومن المهم بالنسبة لأوروبا ككل معالجة هذه الفجوة، وبالأخص عن طريق الحفاظ على حدودها الداخلية والخارجية مفتوحة بالكامل. ففي زمن الأزمة، فإن مثل هذه الرسالة تستحق التشديد الذي حازت عليه في التقرير".
وفي الوقت الراهن، هنالك نحو 18 مليون عاطل عن العمل في أرجاء أوروبا. على أية حال، فإن الوجود المتزامن لنحو أربعة ملايين وظيفة شاغرة يشير إلى تطابق غير ملائم مع مجموعات المهارات. غير أن الأمور ليست برمتها كئيبة ومشؤومة بالنسبة لأوروبا، وعلى أية حال. "هنالك مجموعة من أفضل الممارسات التي تتوسل ليتم توسعتها، وأن يتم استغلالها"، كما يضيف لانفين.
وبالنسبة للاتحاد الأوروبي ليكون رائداً في اقتصاد المعرفة العالمية، فإنه لابد من إعادة التأكيد على استراتيجية لشبونة، وتحسينها، مع الأخذ بعين الاعتبار الأساليب العديدة التي يمكن الحد بها من آثار الأزمة الاقتصادية الحالية.
"إن إعادة تزويد اليد العاملة الأوروبية بالمهارات لا بد أن تكون الأولوية خلال الأزمة: فدونها، نقص المهارات، الذي كان يتزايد فعلياً قبل الأزمة، سوف يشكل إعاقة رئيسية في الزمن ما بعد الأزمة، معوقاً قدرة أوروبا على الابتكار على صعيد الأسواق العالمية"، كما يقول لانفين في التقرير.