البنك الدولي: دول الخليج تتخطى الأزمة بسهولة .. رغم تراجع نموها
توقع تقرير جديد للبنك الدولي أن تتراجع معدلات النمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء قطر إلى نحو الصفر عام 2009 بسبب التراجع الكبير في أسعار النفط. ولكن التقرير قال إن دول المجلس تتمتع بأوضاع مالية واقتصادية متينة، وستتخطى الأزمة الاقتصادية العالمية بسهولة طالما راوحت أسعار النفط عند 50 دولارا للبرميل.
وقال التقرير إن أثر تباطؤ الاقتصاد العالمي في اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتفاوت تبعاً لدرجة التكامل مع المناطق والسلع الأولية شديدة التأثر بذلك التباطؤ. وتتوقف قدرة البلدان على رد الفعل على: مركز ماليتها العامة ومركز حسابها الخارجي الأولي، ومديونيتها العامة، وقدراتها المؤسسية على تنفيذ سياسات اقتصاد كلي وسياسات هيكلية سليمة.
وفيما يخص بلدان مجلس التعاون الخليجي المصدّرة للنفط، قال التقرير إنها تتمتع بقدرات مالية كبيرة وعدد سكان منخفض نسبياً. وهذه المجموعة هي في أفضل مركز لامتصاص الصدمات الاقتصادية. فهي دخلت الأزمة وهي في مركز قوي على نحو استثنائي. وهذا ما أعطاها ما خفف عنها كثيراً الأثر الأولي للأزمة المالية العالمية. ومع أن أسواق الأوراق المالية في تلك البلدان تضرّرت كثيراً في النصف الثاني من عام 2008، كانت حكوماتها قادرة على الاستجابة من خلال: تخفيف قيود السياسات النقدية، وإتاحة رأس المال، وضمان الودائع في المؤسسات المالية الوطنية.
ولكن نتيجةً للهبوط الحاد لأسعار النفط في منتصف عام 2008، ستشهد بلدان مجلس التعاون الخليجي في عام 2009 انخفاضاً كبيراً في معدلات نمو اقتصاداتها عن السنة السابقة، باستثناء قطر التي من المتوقع أن ينمو إجمالي ناتجها المحلي بنسبة فائقة تبلغ 29 في المائة بالقيمة الحقيقية مع بدء تشغيل محطات الغاز الطبيعي المُسال الكبيرة. وفي بضعة بلدان من بلدان المجلس كالسعودية والكويت والإمارات، من المُرجّح أن يكون معدل النمو قريباً من أو دون الصفر.
وربما كان أقوى أثر للأزمة العالمية في الاقتصاد الحقيقي في دبي، حيث تزامنت الأزمة المالية مع انتهاء فقاعة الطفرة العقارية والانكماش الحاد في قطاع البناء والتشييد والخدمات المالية. ولكن أبو ظبي هبّت لإنقاذ دبي من خلال إصدار سندات بمبلغ عشرة مليارات دولار وتخطط لتعبئة عشرة مليارات دولار أخرى عند اللزوم. والواقع أن من المُرجح أن تتغلب الاحتياطيات المالية الكبيرة لبلدان المجلس على هذه العاصفة بكل بساطة إذا بقيت أسعار النفط طوال عام 2009 عند المستوى الحالي القريب من 50 دولارا للبرميل. ولكن استمرار هبوط أسعار النفط يمكن أن يضطرها للسحب من الاحتياطيات وتخفيض الاستثمارات. وفي مثل ذلك السيناريو، يمكن أن يقترن تمويل خطط الإنقاذ الطارئة ومجموعات المحفّزات المالية العامة بانخفاض إيرادات النفط ليسفر عن ضغوط خطيرة على المالية العامة.
وستنتشر تداعيات الأزمة المالية على اقتصادات دول المجلس إلى البلدان العربية غير المصدرة للنفط وذات الصلات الاقتصادية القوية مع بلدان المجلس من خلال تحويلات العاملين المغتربين، والاستثمار الأجنبي المباشر، والسياحة، أو شدّة الاعتماد على المعونات الأجنبية أو الاثنين معاً. وتشمل هذه المجموعة: الأردن، لبنان، اليمن، وجيبوتي وإلى حد كبير مصر أيضا. فالأردن ولبنان دخلتا الأزمة وهما في مركز ضعيف من حيث أرصدة ماليتهما العامة وأرصدتهما الخارجية. فمع انكماش سوق الأوراق المالية وانخفاض أسعار النفط وما نجم عنه من انخفاض الثروة الشخصية في بلدان مجلس التعاون الخليجي - فضلاً عن انخفاض فرص العمل للعاملين الوافدين - هبط ما يصدر عن بلدان المجلس من تحويلات واستثمارات أجنبية مباشرة.
ويتخطى أثر الأزمة الحالية الإجماليات الاقتصادية. ففي بعض البلدان، تتأثر الأسر ويتأثر العاملون تأثّراً مباشراً. وعلى سبيل المثال، هبط معدل النمو الفصلي في مصر إلى 4.1 في المائة في كانون الأول (ديسمبر) 2008 (مقارنة بمعدل بلغ 7.7 في المائة في السنة السابقة)، وهبطت نسبة خلق فرص العمل بواقع 30 في المائة (وارتفعت البطالة إلى 8.8 في المائة). وأفادت التقارير أن عدة مئات من العاملين الوافدين غادروا الإمارات يومياً في آذار (مارس) الماضي نتيجة إلى حد كبير لإلغاء عدة مشاريع بناء وتشييد في دبي وما نجم عن ذلك من خسارة لفرص العمل.
فانخفاض التحويلات والاستثمارات الأجنبية المباشرة - بالاقتران مع الانخفاض المحتمل في عدد السياح من بلدان المجلس (وبلدان أخرى) - سيؤثر بشدة في الأرصدة الخارجية للبنان والأردن في عام 2009 ويجعل من الصعب تمويل عجوزاتها، بينما يمكن أن تشكل عودة عامليهما المغتربين تحدياً من منظور العمالة والسياسات الاجتماعية.
وأضاف التقرير أن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي تقوم آلياً باتخاذ إجراءات لمعالجة نقاط الضعف التي تم تحديدها في اقتصاداتها، حيث نفذت هذه الحكومات إجراءات تدخلية في مرحلة باكرة مساندة لأجهزتها المصرفية وبورصاتها. وقامت بذلك من خلال: تخفيف قيود السياسات النقدية، وتأمين التزامات الجهاز المصرفي (بما في ذلك من خلال ضمانات الودائع)، وضخ أموال جديدة حيثما كان ذلك ضرورياً. فالمملكة العربية السعودية - على سبيل المثال - أعلنت خطة إنفاق استثماري كبير وأتاحت رأس المال لبنك التسليف السعودي بغية تأمين الائتمانات للأسر المنخفضة الدخل. ومن بين بلدان مجموعة العشرين، تعتبر مجموعة المحفّزات المالية العامة التي اعتمدتها السعودية هي الأكبر كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي. وتقوم الكويت حالياً بمناقشة مجموعة من الإجراءات لتثبيت الاقتصاد الكلي.
وشدد التقرير أن على حكومات دول المجلس القيام بالمزيد من الإجراءات. أولاً، يمكن أن تكون الأزمة المالية العالمية فرصة من أجل إعادة هيكلة برامج شبكات الأمان الاجتماعي سيئة التوجيه والبرامج الاجتماعية الأخرى، وذلك بغية تحرير مزيد من الموارد لصالح محدودي الدخل وأولئك الذين تضرروا كثيراً جرّاءَ هذه الأزمة. وعلى البلدان تحبيذ المشاريع التي يمكن أن تعمل كأدوات تلقائية لتحقيق الاستقرار، كبرامج المزايا الاجتماعية المستندة إلى اختبارات تثبت العوز التي يتم تمديدها طبيعياً وينبغي تمويلها أثناء فترة الهبوط الاقتصادي لأن مزيد من الناس يقعون تحت مستوى الأهلية، ويتم وقف وعكس مسارها مع انتعاش الاقتصاد.
وبالمثل، يمكن لبرامج الأشغال العامة التي تدفع أجوراً أدنى مما في السوق أن تكون من أدوات تحقيق الاستقرار التلقائية. ولكن من أجل الحصافة والتحوّط، يمكن أن ترغب البلدان في النظر في اتخاذ إجراءات وقائية مالية عامة تفاعلية بغية زيادة الإيرادات أو تخفيض الإنفاق بغية تخفيض العجز غير الاستنسابي، وذلك إذا لم يحدث الانتعاش الاقتصادي بالسرعة أو القوة المتوقعة.
وقد تكون الإجراءات التدخلية في سوق العمل لمساندة العمالة وفرص الكسب (مثلاً الدعم المالي للأجور) مناسبة حين تكون الأزمة قصيرة الأمد، ولكن يمكن ألا تكون ممكنة من وجهة المالية العامة في الأمد الطويل (وذلك لأنها لا تعمل كأدوات تحقيق استقرار تلقائية أثناء تحسّن الاقتصاد). ويمكن أيضاً أن يكون من الصعب إلغاؤها عند تحسّن الاقتصاد نظراً لمخاطر الاستحواذ.
كما ينبغي إيلاء الاهتمام - مع قيام البلدان بتنفيذ مجموعة المحفزات المالية العامة - إلى معالجة القيود والاختناقات التي تعوق تحقيق النمو الطويل الأمد. فالاستثمار في إزالة تلك الاختناقات يمكن أن يساعد في خلق الفرص وتعزيز الاستهلاك في الأمد القصير، بينما يعزز احتمال تحقيق النمو بعد انتهاء الأزمة. وأخيراً، ينبغي إيلاء الاهتمام لتنسيق المحفزات المالية العامة فيما بين دول المجلس لكي تحقق تلك المحفزات الدعم المتبادل.