كيف نصنع الخوف بداخلنا؟ (2 ـ 2 )
كيف نصنع الخوف بداخلنا؟ (2 ـ 2 )
حدثتني صديقة لي عن موقف شعوري غريب واجهها منذ أيام، فقد طلب منها الطبيب في السنة الماضية إجراء صورة بجهاز التصوير الرنيني MRI ولقد استجابت لذلك بكل سلاسة ورقدت داخل ذلك الجهاز من دون تردد، لكنها التقت بعد فترة مجموعة من الزميلات اللاتي كن يسردن بضيق بالغ تجربتهن مع جهاز MRI وصعوبة التنفس التي واجهتهن بداخله، من الإحساس الفظيع بالاختناق مع تسارع ضربات القلب وتصبب العرق، والمشكلة أن الطبيب حين طلب هذا العام منها القيام بصورة أخرى فقد شعرت بالكثير من الرهبة والتوتر والاختناق وهي بداخل ذلك الجهاز، ولذلك كانت تسألني بكل اندهاش: ماذا حدث؟ ألم أدخله بسلاسة في العام الماضي؟
من السهل أن نجد أنفسنا محبوسين دون وعي داخل خبرات الآخرين، فلو أن صديقتي تلك لم تتقمص الآراء السلبية لأولئك السيدات لما حدث ذلك معها، فلم يختلف الجهاز في شيء عما كان عليه من قبل حتى تشعر بذلك الخوف، لكن الذي اختلف هو إدراكها ونظرتها نحوه، وقد كان ذلك كافيا جدا لجعلها تشعر بمشاعر الخوف التي بدت حقيقية ومبررة.
لقد أرسلت أفكارها غير المنطقية إشارات إنذار كاذبة للدماغ تحذره من وجود حالة خوف، فامتثل سريعا لإنذارها، وقام بإطلاق مادة الأدرينالين التي سببت مشاعر عالية من الخوف مما أدى إلى ظهور تغير فسيولوجي ملموس على الجسم من تسارع في نبضات القلب وشحوب في لون الوجه أو تصبب العرق، ولكن.. من الذي بدأ كل تلك الحكاية؟
إنها الأفكار .. وهي التي تقوم بتلوين الموقف حسب طبيعتها، لكن المشاعر هي المسؤولة عن طبيعة تكوين السلوك الحادث، ولذلك فإن الكثير من المعالجات التي تركز على ضبط السلوك الخارجي هي معالجات سطحية مؤقتة، لأن التغيير الحقيقي لا بد أن يكون من الجذور والتي نقصد بها هنا: الأفكار التي نحملها عن العالم من حولنا.
والآن دعونا نتساءل: هل نحن مجبرون أو مخيرون على العيش بتلك الأفكار؟
بالطبع نحن مخيرون في طريقة تفكيرنا، لأن أبشع السموم التي قد نحتسيها بإرادتنا هي في شكوكنا بقوة قدراتنا، فمن الحقائق المعروفة عن الدماغ أنه مبرمج يصدق ما نخبره به، فإذا أخبرناه أننا نستطيع فسيصدق ذلك وإذا أخبرناه بأننا لن نستطيع فسيصدق ذلك أيضا، فأي برمجة نود تدريبه عليها؟
لقد كان أفضل اكتشاف اكتشفه الإنسان هو أنه يمكنه تغيير حياته تماما من خلال تغيير حالته الذهنية، ومن السهل على العقل أن يمارس التفكير بالخوف الذي اعتاده لفترة طويلة، لكننا لا بد أن نشغله بأمر آخر غير الخوف إذا وجدناه يفعل ذلك، كأن نقوم بزراعة حديقتنا الذهنية بخيالات وأهداف إبداعية لا حصر لها.
لذلك، فإن أول مرحلة في التغلب على الخوف هو في اكتشافنا أسلوب صناعته، حيث اتفقنا سابقا على أننا نحن من نصنع مخاوفنا، ثم التعرف على البرنامج الداخلي الذي يدير أفكارنا ويفرز مشاعرنا.
وقديما قالوا "لو لم يكن هناك صعوبات لما كان هناك انتصارات"، لذلك فالشجاع ليس هو من لا يشعر بالخوف لأن عدم الشعور بالخوف أمر غير طبيعي، لكن الشجاع هو الذي لا يرضى بإعلان هزيمته والاستسلام لخوفه، بل يمتلك روحا نبيلة تقهر الخوف وتتعلم منه وتمضي بثقة وتوكل على الله نحو مستقبل أرحب.
استشارية برامج تمكين المرأة
[email protected]