(بيت السعوديين الثاني).. بين نار التكلفة وجنة البعد عن صخب المدن
(بيت السعوديين الثاني).. بين نار التكلفة وجنة البعد عن صخب المدن
(الاستراحة هي البيت الثاني للسعودي).. هذه هي المقولة التي بدأت تظهر على السطح، فما مدى واقعية هذه الجملة؟ هل صحيح أن كثيرا من السعوديين يقضون أوقاتا طويلة في الاستراحات تصل إلى فترة أطول من فترة بقائهم في منازلهم؟ هل صحيح أن الاستراحة أدت دورا مفيدا في خدمة المسكن السعودي أم أنها أثرت سلبا على النواحي الاجتماعية ؟
حول هذا الموضوع التقت "الاقتصادية" بعدد من المهندسين ومن لديهم خبرة في هذا المجال. حيث يقول المهندس سليمان البخيت إن الاستراحة هي مفهوم جديد نتج عن التغيرات المتسارعة في المجتمع ويعتقد أن وضع الاستراحة يكاد يكون حالة استثنائية ليس لها مثيل لأغلب مدن العالم فمفهوم الاستراحة وهو عبارة عن أرض بعيدة تحتوي عادة على ملاعب ومسبح وخيمة أو غرفة صغيرة يجتمع فيها الأصدقاء أو يلهو فيها الأطفال وتجتمع فيها الأسر وتكاد تكون حالة غير متكررة وتحدث المهندس بخيت عن ما يعتقد سببا لنشوء الاستراحات موضحا إن هناك عوامل كثيرة أدت إلى ظهور الاستراحات أما العامل الأول فهو كون تلك الأراضي ذات سعر رخيص بمساحات كبيرة مما يغري الكثير على شرائها على أمل أن ترتفع أسعارها فيما بعد وقد شجع ذلك أساليب التسويق التي ابتكرها العقاريون للإغراء بالشراء إذ إن أسعار تلك الأراضي تتراوح من نصف ريال إلى 30 ريالا و 40 ريالا وكان ذلك سابقا فيجد المواطن أرضا كبيرة بسعر زهيد مما يغريه بالشراء, أما العامل الآخر فهو الظروف داخل الوحدات السكنية حيث تحتاج كثير من الأسر إلى مساحة كبيرة لاستقبال الضيوف, ونظرا إلى أن المساكن لا تفي بحاجة كثير من الأسر التي تجتمع في نهاية الأسبوع بأعداد كبيره هذان العاملان يرى المهندس البخيت هما المسببان لوجود الاستراحات أما المهندس فيصل الدلبحي وهو مهندس في التخطيط العمراني فيقول الاستراحات خطأ تخطيطي خطير ناتج عن الارتجال والعشوائية التي أصابت الكثير من المدن ويعتقد المهندس الدلبحي أن فكرة الاستراحات وبيع الاستراحات بمساحات كبيرة خطأ سوف تبقى آثاره فترة طويلة من الزمن فليس هناك حاجة إلى أن تتحول الأرض إلى مساحات شبه مهجورة تتحول إلى بؤر وأوكار تبث سمومها في جسد المدينة وتكون مناطق تصعب السيطرة عليها ومراقبتها و معرفة ما يجري داخل أسوارها ويتساءل المهندس الدلبحي لماذا نحن بحاجة إلى الاستراحة فهي تؤدي إلى نفخ مساحة المدينة بحجم كبير ومترهل الأطراف مما يجعل جسد المدينة مبعثرا بشكل عشوائي ويقول المهندس الدلبحي إن الخطأ الواضح هو في فكرة بيع الأراضي البيضاء التي لم تبن ولم تنفذ فيها المخططات والمساكن بشكل متكامل وهو ما يسمى بالتخطيط الشامل ولو أن تلك الأراضي تحولت إلى مشاريع أحياء متكاملة لما احتاجت الأسرة أن تأخذ قطعة أرض بعيدة عشوائية تقضي فيها بعض الساعات خلال الأسبوع وتنفق فيها مبالغ كبيرة في استصلاحها وتسويرها وزراعتها وتكاليف أخرى والتي تعتبر نزيفا من المال يصعب تعويضه, أما السيد عبد الكريم الحسين فيقول إن أغلبية الأسر تحتاج إلى استراحة حتى وأن كانت صغيرة نظرا لما يمكن أن تستفيد منه الأسرة من المساحة, هذه التي تكون مناسبة لإقامة المناسبات أو التقاء الأسر مع بعضها البعض ويتحدث السيد عبدالكريم عن التخوفات من الاستراحات فهي تخوفات في غير محلها فجرائم الإرهاب كانت تتم في الشقق و الفلل وكذلك الاستراحات، والمخالفات التي تقع في الاستراحات هي المخالفات التي تقع في كل مكان وليست حصرا على الاستراحات وحدها وربما كانت هناك مبالغات في ذلك.
ويعتقد السيد عبد الكريم بأن الجدوى من الاستراحات كبيرة نظرا إلى الفوائد التي تقدمها إذ إن ذلك يعطي نوعا من الترفيه واستغلال الأوقات لقضاء الأسرة في مكان مريح بعيد عن المنزل كما أن إقامة المناسبات في الاستراحات أفضل بكثير من إقامتها في المساكن وخصوصا إذا كانت المساكن صغيره فالمساحة الكبيرة في الاستراحة تعطي الضيوف حرية أكبر في اللعب والجلوس دون قيود ودون شعور بالمضايقة لأهل المسكن مما جعل كثيرا من الأسر تضع أبواب الاستراحات شبه مفتوحة لأقاربها على مدار الساعة فتكون ملتقى دائما دون شعور بالضيق أو الحرج فمن يريد الالتقاء بالأقارب أو الأصدقاء فليذهب إلى الاستراحة ويقضي وقتا جميلا هناك, ويقول هناك عدد كبير من الموظفين الذين يتفقون على استئجار استراحة أو حتى بنائها وأصبح مشروع الاستراحة منتشرا بين الزملاء في العمل أو الأقارب من الأسرة إذ إن ذلك يكون رابطا قويا لهم.
ويعتقد السيد عمر الوسيدي أن فكرة الاستراحات يمكن تطويرها وتصبح مشاريع أكثر جدوى ويقول بدأت الاستراحات تتطور و أصبح عدد كبير من المواطنين يحتاجون إليها في تزايد مستمر ولا يعتقد الوسيدي بأن هناك خط رجعة في التخلي عن الاستراحات بل إن كثيرا من المواطنين أصبح يذهب إلى الاستراحة بشكل شبه يومي أما البعض فيذهب بشكل دوري حسب مواعيد و التقاءات الأصدقاء ويقول اذهب شبه يومي إلى الاستراحة والتقي بعدد من الأصدقاء وهذا شيئ يقوم به عدد كبير من المواطنين خصوصا في فترات الإجازة، فجو الاستراحة متمثل في بعدها عن المدينة وهدوئها والأشجار المحيطة بها حيث تجعل قضاء وقت المساء ممتعا وجميلا، وليس هناك خطر على المدن من الاستراحات في وجهة نظر الوسيدي بل إن الاستراحة أصبحت ضرورية للكثير من الإيجابيات التي يمكن الحصول عليها. ويقول: نقوم بتسويق الاستراحات وتصل أسعار بعض الاستراحات إلى أربعة أو ثلاثة ملايين وذلك حسب مساحة الاستراحة والخدمات التي تكون فيها وهناك استراحات وصلت قيمتها إلى سبعة ملايين إذ إنها عبارة عن أرض مساحتها نحو7 20 ألف متر تحتوي على ملاحق جميلة ومسطحات خضراء وملاعب للكرة ومسبح كبير وخدمات كثيرة، ويقول الوسيدي إن الاستراحة استثماران في آن واحد فتستفيد من قضاء الوقت فيها وقيمتها تزداد يوما بعد يوم، وتحدث الوسيدي عن استراحات (المونسية) التي كانت أسعارها في حدود الـ100 ريال للمتر وقد وصلت إلى 400ريال للمتر خلال فترة وجيزة وهذا استثمار جيد إضافة إلى الاستمتاع فيها خلال فترة بقائها. وينصح السيد الوسيدي بفكرة بناء الاستراحة ويقول إن المال الذي يوضع في الاستراحة لن يذهب سدى فسوف تقضي وقتا ممتعاً، وبعد فترة وجيزة من الممكن أن تبيع الإستراحة بضعف سعرها وينصح بأن تكون أرض الاستراحة في المناطق التي من المحتمل أن ترتفع أسعار مخططاتها، وخصوصا في شمال المدن، وبالأخص الرياض وجدة. "الاقتصادية" تنهي تقريرها عن الحاجة إلى تقييم فكرة الاستراحات وضرورة دراسة هذه الظاهرة بشكل علمي ودقيق للوقوف على حقيقة منافعها وأضرارها.