أسرة وخيمتان وقدر طبخ واحد.. نواة لأشهر مطعم شعبي في عسير
وجد السائح السعودي محمد عبد اللطيف حسين صعوبة في الحصول على الوجبات التي تحتاج إليها أسرته خلال زيارته إلى منطقة عسير قبل 14 عاما، فتولدت لديه فكرة إنشاء مطعم بمواصفات سعودية بحتة في منتجع السودة السياحي الشهير، إذ لم يجد في زيارته الأولى إلى المنطقة سوى فندق الإنتركونتننتال، لذا فكر في إنشاء مطعم يُعنى بالوجبات السعودية الشعبية، ساعده على تنفيذ الفكرة زوجته التي تجيد طبخ جميع أنواع الأكلات السعودية، لذا قام محمد بشراء أرض على الطريق السياحي المؤدي إلى منتجع السودة، ونصب خيمتين بشكل بدائي، وبدأ رحلة النجاح بقدر طبخ واحد، حيث تطبخ فيه زوجته الوجبات يساعدها في خيمة الطبخ بناتهما الأربع، بينما يساعده في توصيل الطلبات إلى الزبائن أبناؤه الأربعة.
بعد فترة تنامت قدرات المشروع من خلال الإقبال الكبير عليه من قبل المصطافين وأهالي المنطقة، ليكون عدد القدور التي تطبخ مختلف أنواع الأكلات لدينا أكثر من 20 قدرا، تجهز فيها الوجبات بشكل مستمر، ليصبح زبائن المطعم من كبار الشخصيات من المصطافين والمسؤولين، حيث زار المطعم الأمير خالد الفيصل أمير منطقة عسير سابقا وأمير منطقة مكة المكرمة حاليا، إضافة إلى عدد من الأمراء والوزراء والأكاديميين ورجال الأعمال والسفراء.
الوجبات المقدمة للزبائن كما يقول صاحب المشروع (محمد حسين) كلها أكلات سعودية يتم طبخها على الطريقة البيتية المميزة، حيث يشتهر مطعمه بتقديم السنبوسة، البامية، الشوربة، الكبسات، أصناف الإدامات والحلويات، والمقبلات، مشيرا إلى أن جميع اللحوم المستخدمة في الطبخ لحوم يشتريها من المنطقة نفسها، متذكرا عددا من الضيوف الذين كانوا يهتمون بنوعية اللحم وجودته، ومنهم الشيخ عبد المحسن العبيكان والدكتور سعيد بن مسفر، مؤكدا أنهم عندما أيقنوا أن اللحم الذي يُطبخ في المطعم بلديا أصبحوا من الزبائن الدائمين.
محمد حسين أكد صعوبة فتح فروع لمشروعه في مناطق أخرى، مبررا ذلك أن المشروع يقوم على عائلته بشكل رئيس، ولا يمكن تشتيت العائلة أو استخدام عمالة أخرى تستخدم اسم المطعم، ولذا سيكتفي بالموقع الوحيد الذي اشتهر به، والذي تعمل فيه أسرته وحدها، مع متابعة من كبير عائلتهم ووالده عبد اللطيف حسين، يقول محمد: "نعاني من ضيق المواقف التي أمام المطعم، وعدم دعم مجلس التنمية السياحي، نحن ننتظر زيارة الأمير فيصل بن خالد أمير منطقة عسير ليشاهد الطاقات السعودية الشابة كيف تنتج وكيف تقدم هويتها في سوق العمل السعودي بكل فخر وبكل شرف".
ويشير محمد حسين إلى أن المشروع يعمل 70 يوما في فترة الصيف فقط، ثم يغلق بقية العام حيث تعود الأسرة إلى مقر إقامتها في محافظة جدة لمواصلة دراسة الأبناء، بينما يواصل الأب عمله في مجال العقارات، يقول: "أبنائي يستثمرون وقتهم في المشروع، وبقية العام يهتمون بالتحصيل الدراسي، أبنائي كلهم متفوقون دراسيا، ويحصلون على تقدير ممتاز ويتنافسون على الحصول على أفضل النسب التقديرية الدراسية سنويا، وأضعفهم يحصل على 90 في المائة، أما الأفضل فيحصل على 98 في المائة".
المردود الاقتصادي للمشروع أكثر من رائع كما يؤكد محمد، ويكفي الأسرة طوال العام، إضافة إلى عمله في سوق العقارات، مشيرا إلى أن لديه سجلا ذهبيا لكبار زوار المطعم وصور نادرة للشخصيات البارزة مع فريق العمل المكون من أسرته فقط، ممتدحا عمل زوجته السيدة إيمان باشراحيل معه، ومشاركتهما النجاح معا، عادا إياها نموذجا للمرأة السعودية العاملة والمنتجة، فهي سبب رئيس لنجاح المشروع كما يقول، وهي ربة منزل مثالية وكل أبنائهما مميزون دراسيا وسلوكيا، مبينا أن فريق عمل الطبخ المساند للزوجة مكون من بناته الأربع وهن: دانية، داليا، دانة، ودنيا، بينما فريق العمل المساند للأب في توصيل الطلبات إلى الزبائن والمحاسبة هم أبناؤه الأربعة سامر، وسام، عمار، وياسر.
يقول محمد: "أدعو الشاب السعودي إلى التفكير في المشاريع الصغيرة والعمل بجد وإخلاص، لأن السوق السعودية مغرية في كل المجالات، ولكن على الشاب السعودي الصبر والتفاؤل وعدم اليأس، وليس من المعقول أن يبحث كل الشبان السعوديين عن الفرص الوظيفية بينما باستطاعتهم تهيئة أدواتهم المهنية للنزول إلى سوق العمل، والأهم التسلح بالمهنية والتدريب والجدية، صحيح أني واجهت صعوبات في بداية مشروعي، ولكني صمدت أمام كل العوائق، واستمريت بجدية وإخلاص وعزيمة قوية، وشاركتني زوجتي في البدايات الصعبة، وكانت تدفعني إلى الصبر والعطاء حتى وصلنا إلى مرحلة استثمارية ناجحة ولله الحمد".
ويؤكد محمد أن أبناءه الأربعة وبناته رغم تفوقهم الدراسي إلا أن تفكيرهم تجاري منذ صغرهم، ولن ينتظروا الفرص الوظيفية محدودة الدخل، بل سيكونون إن شاء الله أعضاء فاعلين ومنتجين في مجتمعهم، وسيقودون مشروعهم الاستثماري الصغير بالحماس نفسه حتى وإن حصلوا على أعلى المؤهلات الدراسية، وقال: "لن أجبر أبنائي على اتجاههم المهني المستقبلي، ولكن ما حصلوا عليه من خبرة ونجاح في مشروعنا السياحي الصغير يغريهم بالتفكير في المجال الاستثماري التجاري مستقبلا، وهذا ما أتمناه لهم مستقبلا والتوفيق بيد المولى عز وجل".
محمد حسين وأسرته أنشأوا مشروعهم الذي كان عبارة عن مطعم لتقديم الوجبات السعودية بمواصفات عالية الجودة على الطريق المؤدي إلى منتجع السودة السياحي، والإقبال على الموقع يفوق الوصف والأكلات السعودية تجذب الزوار والمصطافين وأهالي المنطقة، فالمشروع الصغير تحول إلى معلم سياحي جذاب، إذ يقف الزبائن في طوابير طويلة ويقضون ساعات من الانتظار للحصول على موقع يطل على قرية السقا التاريخية الشهيرة، الذي توفره طاولات المطعم المحيطة به.