شركات الخدمات المالية تلجأ إلى الكوادر الأجنبية لمواجهة شح الكوادر المؤهلة محليا
أنعشت شركات الخدمات المالية الطلب على الموارد البشرية في السوق المالية السعودية، ما أسهم في زيادة الحوافز المادية لدى شركات الوساطة المالية للكوادر البشرية المحلية، كما أن البعض الآخر من الشركات اتجه إلى استقطاب الكفاءات المالية المؤهلة في علوم المحاسبة والإدارة المالية والاستثمار والتمويل من دول عربية وأجنبية لسد النقص الحاد الذي تواجهه شركات الوساطة المالية في المملكة.
واقترح محللون ماليون ضرورة إعداد برامج تأهيل وتدريب لاستثمار الكوادر البشرية الشابة حديثي التخرج في الجامعات السعودية، ومن خلال استحداث دورات في العلوم المالية والإدارة المالية من قبل الشركات المالية لتؤهلهم للانخراط والعمل فيها.
وقال لـ "الاقتصادية" الدكتور محمد السهلي رئيس قسم المحاسبة في جامعة الملك سعود, إن هناك ندرة في الموارد البشرية المالية المتخصصة في المملكة، وهذا ما تعانيه شركات الوساطة المالية، موضحا أن الجامعات السعودية تسهم بكل جدية في تأهيل عدد من الشباب يغطي الفرص الوظيفية في هذه الشركات، متوقعا خلال العامين المقبلين إيجاد عدد من الكفاءات المؤهلة في تخصص الخدمات المالية لسد حاجة الشركات إلى الموارد البشرية الشابة.
وأكد السهلي ضرورة استقطاب واستثمار الموارد البشرية حديثي التخرج في أقسام الجامعات المتخصصة في الخدمات المالية، وصقلهم بالدورات المتخصصة في مجال الأوراق والخدمات المالية حتى يتم تأهيلهم، مشيرا إلى أنه في الوقت الراهن يندر وجود موارد بشرية متخصصة وجاهزة للعمل في شركات الوساطة المالية.
وأضاف أن خريجي تخصصات الخدمات المالية كثيرون، ولكن الحاجز الوحيد لديهم هو النقص في بعض المهارات والدورات التي تأهلهم في المجال نفسه، مبينا أنه إذا أرادت شركات الوساطة بناء كفاءات وطنية فلا بد أن تسعى إلى وضع محفزات مادية لجذب هذه الكفاءات.
وأبان السهلي أن طلاب أقسام الخدمات المالية مؤهلون بنسبة 70 في المائة في العلوم الأساسية بعد التخرج، داعيا شركات الوساطة المالية إلى الإسهام في تأهيل هذه الموارد البشرية، من خلال بناء بعض المهارات المحاسبية والإنجليزية.
وقال السهلي إن وقت الدورات التأهيلية التي تصقل الموارد البشرية للعمل في مجال الخدمات المالية سيكون أطول مما هو متوقع، لافتا إلى أنه عندما تستثمر الشركات في الموارد البشرية سينتج عن ذلك بناء جيل عملي طويل الأجل.
وأفصح السهلي أن هناك منهجية جديدة تحت التطوير في بعض الأقسام المتخصصة في الخدمات المالية في بعض الجامعات تأخذ في الحسبان المستجدات الجديدة في الاقتصاد السعودي، مبينا أنه تم أخيرا افتتاح قسم الإدارة المالية في جامعة الملك سعود, الذي سيكون رافدا لتزويد شركات الوساطة أو غيرها من شركات القطاع المالي بالمتخصصين، كما تشمل الأقسام عددا من أعضاء هيئة التدريس المؤهلين في هذا المجال.
من جهته, أوضح الدكتور سليمان السكران أستاذ العلوم المالية المشارك في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن, أن الخدمات المالية بشكل عام هي جزء من القطاعات الاقتصادية المهمة وهي بذلك شأنها شأن القطاعات الاقتصادية التي واجهت شحا كبيرا مع النمو الاقتصادي الذي شهدته المملكة, خصوصا مع تطور سوق المال وتفعيل دور القطاع الخاص في مشاركته الناتج المحلي، مضيفا أنه في ظل هذا النمو الذي قابله تدني الموارد البشرية المؤهلة لهذا النوع من النشاط الاقتصادي تسبب في وجود كوادر بشرية مؤهلة تضطلع بهذه الأعمال.
وقال السكران "إن الحلول المناسبة ذات شقين، أولهما طويل الأجل، وثانيهما حلول وقتية لفك هذا الاختناق الذي تعيشه سوق العمل في سوق المال على وجه العموم، وليس فقط على شركات الوساطة أو غيرها".
وأشار السكران إلى أن الحلول طويلة الأجل تكمن أولا في تفعيل دور الجامعات والمؤسسات التعليمية بشكل عام، وذلك من خلال تخريج كوادر مؤهلة في مجالات العلوم المالية والنظم الإدارية والمحاسبية والتأمين، مبينا أنه يجب على المؤسسات المالية التي تعمل في سوق المال السعودية دعم البرامج التعليمية مثل ابتعاث الطلاب على حساب هذه المؤسسات المالية سواء داخليا أم خارجيا، ليتم ضمان توظيفهم بعد انتهاء الدراسة، خصوصا أن هناك قصورا في هذا الدعم إلى حد كبير من جانب تلك المؤسسات.
وأبان السكران أنه يجب تطوير برامج بعض الجامعات سواء الحكومية أو الخاصة نحو افتتاح المزيد من الأقسام الأكاديمية في مجالات العلوم المالية وذلك لزيادة عدد الخريجين المؤهلين، إضافة إلى ضرورة إيجاد كليات متخصصة في العلوم المالية ودراسات العلوم الإدارية من قبل بعض الجهات، إما الجهات التشريعية مثل هيئة سوق المال أو تلك الجهات التي لها علاقة بمنظومة سوق المال مثل الغرف التجارية، لافتا إلى أن ذلك يسعى إلى رفع مستوى الكفاءة العلمية والتأهيلية للعاملين في هذه المجالات التي تعاني شحا كبيرا في مواردها البشرية, ذكورا أو إناثا.
وأضاف السكران أن الحلول الوقتية التي هي لفك الاختناقات تتم عن طريق التدريب والتطوير ومحاولة رفع الكفاءة المهنية للعاملين الحاليين سواء بدوارات داخلية أو خارجية، مقترحا فرض اختبارات تأهيلية من قبل المؤسسات المالية لعدم السماح لموظفي هذا النوع من الأعمال ما لم يتجاوزوا هذه الاختبارات، واستشهد بالبنوك التي بدأت تطبق هذا النوع من التوجه بعدما فرضته مؤسسة النقد.
واقترح السكران أن تتبنى المؤسسات المالية سواء البنوك أو الشركات الاستثمارية أو شركات التأمين برامج توظيف موسعة تسبقها سنة تدريبية تأهيلية سواء داخليا أو خارجيا، معتبرا أن هذه حلول وقتية يجب أن تكون في إطار استراتيجية واضحة المعالم نحو سد الفراغ وإيجاد الكوادر البشرية المؤهلة في هذه المجالات.
من جانبه, توقع لـ "الاقتصادية" الدكتور عصام سعد الملا رئيس مجلس إدارة المجموعة السعودية المصرية القابضة للاستثمار في الأوراق المالية، أنه في ظل الانفتاح الاقتصادي الذي تعيشه المملكة والتطوير الجديد الذي تقوم به هيئة السوق المالية، فإن هناك الكثير من شركات الوساطة الأجنبية ستعمل جاهدة للحصول على ترخيص لدخول السوق السعودية من خلال شركاء سعوديين.
وأشار الملا إلى أنه بالفعل هناك الكثير من شركات الوساطة المالية في السعودية بدأت تتجه حاليا لاستقطاب موارد بشرية عالية التأهيل من جميع دول العالم الخارجي من أوروبا وأمريكا وكندا وغيرها من الأسواق المالية المتقدمة كي تستطيع مواجهة مرحلة التنافس المقبلة وتقديم خدمة راقية تجذب العملاء إليها.
وفيما يتعلق بالصعوبات التي تواجه شركات الوساطة نتيجة عدم توافر موارد بشرية تعمل في هذا المجال في المملكة، بين الملا أن شركته السعودية المصرية للأوراق المالية تدير أكثر من 85 خبيرا في مجال أسواق المال، وقد عملت مبكرا لتلافي هذا الأمر من خلال التدريب المستمر في مجال المقاصة والتنفيذ وخدمة العملاء ومكافحة غسل الأموال والمراقبة والمراجعة الداخلية، إضافة إلى الأنشطة التسويقية والإدارية والمالية الأخرى، كما يعمل في الشركة مجموعة من المتابعين للسوق والمحللين الماليين، تم تدريبهم داخليا من خلال مجموعة من الدورات التدريبية التي جعلتهم من العناصر المتميزة في سوق المال المصرية.
واقترح الملا على شركات الوساطة المالية كي تجد طريقها إلى النجاح أنه لا بد لها من العمل على توفير فرق بحثية متميزة في مجال إدارة المحافظ، كي يستطيع العملاء ومديرو المحافظ فيها ومديرو الاستثمار تكوين وإدارة المحافظ بصورة تقلل من المخاطر وتزيد من العائد، من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة.
وأضاف أن على شركات الوساطة الاستفادة من الخبرات التي تقدمها بيوت الخبرة العالمية في مجال إدارة المحافظ، من خلال التحالفات مع جهات عالمية، وتفعيل مبدأ التنويع الدولي للمحافظ الذي يقلل كثيرا من مخاطر انخفاض أسعار السوق المحلية، حيث يقابل الانخفاض عادة ارتفاع في الأسواق العالمية، وبذلك تقل احتمالات انخفاض أسعار المحافظ التي يتم تنويعها دوليا، ويقضي ذلك على عيوب التركيز في السوق المحلية.
وعن تقديم الاستشارات قال الدكتور الملا "إنها لا بد أن تعتمد على جناحين مهمين هما العلم والخبرة، العلم يأتي من خلال استقطاب المتخصصين الأكفاء المشهود لهم في علوم التمويل والاستثمار والاقتصاد وأسواق المال والإدارة والتسويق والمحاسبة، والخبرة تأتي من خلال التعمق في السوق والاستفادة من خبراء السوق المالية في مختلف التخصصات".