مصير بسيطا .. هيئة ملكية أم بنية تحتية؟
مصير بسيطا .. هيئة ملكية أم بنية تحتية؟
تختتم "الاقتصادية" اليوم الملفات الزراعية التي فتحتها على مدى ثلاثة أيام في بسيطا الجوف المكان الزراعي الأشهر في السعودية. خلال اليومين الماضيين تطرقنا إلى مشاكل البنية التحتية التي تعانيها المنطقة سواء على صعيد الشركات التي تستثمر عشرات المليارات أو على صعيد الأفراد الذين يكابدون الظروف للحصول على لقمة العيش.
كانت أغلب المشاكل التي لاحظناها أو تلك التي رواها لنا مسؤولو الشركات أو المزارعون تتعلق بعدم وجود بنية سكنية مناسبة لهذه المشاريع العملاقة، ثم عدم توافر الخدمات الأخرى مثل الخدمات الصحية أو الأمنية، أو النقل أو الأسواق وغيرها.
يلوح السؤال مرة أخرى .. كيف يتم معالجة الوضع الحالي، وهل تساعد معالجاته في دعم الموقع الاستثماري في المنطقة؟ تبدو الإجابة البديهية أنه أي تطور أفضل من الوضع الحالي وبالتالي فإن أي خطوة في هذا الاتجاه ستكون ذات مردود إيجابي لكن السؤال يبقى .. ما أفضل الوسائل للتطبيق؟
في المنطقة كما تبين لها هناك حماس منقطع النظير لتبني فكرة على نحو مختلف تتمثل في ضرورة إنشاء هيئة عليا ملكية لتطوير المنطقة على غرار الهيئة الملكية للجبيل ويبنع.
المؤيدون للفكرة يرون أنها الحل الأمثل لمعالجة الوضع، ويتساءلون أليس من الأجدى بدلا من تأسيس مدن اقتصادية جديدة دعم الاستثمارات القائمة بالبنى التحتية، هم يقصدون هنا بسيطا القائمة التي تنتظر الفرج. الفكرة تعتمد على تأسيس مظلة رسمية تباشر مهام الإشراف على كل ما يتعلق بالمنطقة بحيث تحصر المشاريع والمزارع، وتعلن استراتيجية واضحة وصريحة لطريقة العمل لرفع الإنتاج والحفاظ على الثروة المائية.
لكن آخرون قالوا إن من الأولى التريث في هذا الموضوع وأنه يجب أن يبنى على دراسات واسعة وخطط واضحة وملموسة. وهم يقصدون هنا وضوح الخطط الزراعية والمائية في البلاد.
اليوم في الجزء الثالث والأخير من التحقيق الذي تنشره "الاقتصادية" نتطرق لفكرة الهيئة، كما سنعرض مخاطبات رسمية في هذا الاتجاه بين إمارة المنطقة ووزارتي التجارة والصناعة والزراعة. هنا التفاصيل:
هيئة ملكية
هل يمكن تكرار تجربة الجبيل وينبع؟ هذا كان السؤال الأول بعد أن ترددت على مسامعنا أكثر من مرة فكرة إنشاء هيئة ملكية للمنطقة. في هذه المنطقة الشاسعة التي تتجاوز أطوالها 100 في 100 كيلو متر تقريبا، مليارات الريالات وعشرات الآلاف من الأطنان، وعشرات الآلاف من العمالة والمهندسين والمزارعين. ألا تستحق نظرة؟ ألا تستحق التفاتة. وهل بالفعل نصد عن مصدر غذائنا؟
قيمة مضافة
سألت مفلح الكايد وهو رجل الأعمال في المنطقة عن الفكرة التي رفع بها إلى الأمير فهد بن بدر بن عبد العزيز أمير المنطقة فقال: إن الفكرة تتلخص في إمكانية إنشاء جهة "هيئة" مثلا تشرف إشرافا كاملا على المنطقة، بحيث تضم أعضاء من إمارة المنطقة، وزارة الزراعة، وزارة المياه، وزارة التجارة، الهيئة العامة للاستثمار، وأعضاء من القطاع الخاص.
ويقول الكايد إنه يقترح أن تكون مهام الهيئة المقترحة العمل على استغلال الثروة المائية استغلالا مثاليا والتعامل معها كثروة وطنية لا يجب التفريط فيها ما لم يكن المنتج ذا قيمة إضافية، وأن تتعامل مع بسيطا كمنطقة صناعية زراعية على غرار المدن الاقتصادية بحيث يتم تفعيل آليات الاستثمار فيها من الجوانب كافة، ويستفاد من الميز النسبية كافة بحيث يحدد الإنتاج للمنتجات الأقل كلفة بحيث تمنع في مناطق أخرى، والعمل على توفير البيئة الملائمة – والحديث للكايد – والآليات المناسبة لتحسين وتطوير الاستثمار في المجالات التي تزيد من القيمة المضافة لاقتصاديات المنطقة، وبذل مزيد من الجهد لجذب الاستثمار في قطاعات تتطلب المشاركة برأسمال أو خبرات.
مصانع أسمدة وبذور
تطالب فكرة الهيئة الملكية في أحد أجزائها بإنشاء مصانع للأسمدة والمبيدات التي تحتاج إليها المنطقة حيث تستهلك المزارع نسبة كبرى مما تنتجه المصانع السعودية أو التي تستورد من الخارج، وذلك لتقليل تكاليف الشحن والنقل. ولا تغفل ضرورة إنشاء مصانع غذائية تعتمد على التصنيع الزراعي للاستفادة من القمح الذي ينتج بكميات كبيرة وصناعات أخرى مثل مصانع لزيت الزيتون، صناعة الصابون، صناعة الفحم، والفواكه بمختلف أنواعها، والأخيرة فيها فاقد كثير يتمثل في فشل خطط التسويق التقليدية حيث تفقد السعودية بشكل عام لمصانع كبيرة بقرب المشاريع في المناطق الزراعية.
تصنيع المكائن والمعدات
وتطرح أيضا إنشاء مصانع لمضخات ومكائن المياه وأخرى لقطع الغيار والمواسير النحاسية، وقدرت حجم الطلب على هذه المعدات سنويا بنحو 100 مليون ريال. ولا يغفل المقترح ضرورة إنشاء شركات صيانة للمعدات الثقيلة والخفيفة وكذلك صيانة المصانع التي تتبع للشركات القائمة مثل مصانع الزيتون والمعاصر ومصانع العصائر الموجودة في الوطنية وغيرها من الشركات.
ويتبنى المقترح – كما أرسل للجهات المعنية - تشجيع إنشاء شركة متخصصة في الأعمال المدنية والإنشاءات لتنفيذ المشاريع في بسيطا بحيث تتولى تنفيذ المشاريع العامة والخاصة، في حين يقترح توفير خدمات مساندة سواء للمصانع أو الشركات مثل توفير مطار تجاري للشحن، شركة أو شركات للنقل، شركة للتخزين والتبريد، وشركات أمنية.
الخطط المائية أولا..
الكايد يتحدث بحماس منقطع النظير، لكن آخرين – وبعضهم طلب عدم ذكر أسمائهم – قالوا إن من هذا الطرح ما هو "جيد مبدئيا" ويستحق الدراسة، لكنه يجب أن يعتمد بشكل مباشر على وضوح الرؤية سواء الزراعية أو المائية. هم يتحدثون كما هو واضح للمتابع للشأن الزراعي عن تأخر صدور الاستراتيجيات الزراعية والمائية وهما الاستراتيجيتان اللتان طال انتظارهما من قبل وزارتي الزراعة والمياه والكهرباء.
وقال أحد المستثمرين: اقتراحات مثل هذه مثالية جيدة، لكن الاستراتيجية المائية مهمة للمستثمرين، هل تكون المنطقة زراعية، أم هي صناعية، أم هي ربما بترولية كما يتردد بين أهلها حيث تنتشر شائعات عن اكتشافات تتعلق بالنفط والغاز.
تساؤلات المستثمر – كما لمسنا هنا - يجب أن تؤخذ على محل الجد بالفعل، لأن تشجيع المستثمرين على التوجه للمنطقة وإقامة مشاريع مثل تلك التي يطرحها المقترح، ومن ثم تعرضها للفشل بسبب احتمال تغيير السياسات أو لظروف مائية أو استراتيجية سيكون كارثيا على المنطقة من كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.
لكن هذا لا يمنع من القول إن فكرة مثل تلك التي يتحدث عنها الكايد جديرة بالدراسة أيضا، حتى لو كانت تنظيمية أكثر من كونها إنشائية، وهي ربما يمكن أن تتكامل مع الطرح الذي يطالب بقوة بإيجاد بنية تحتية للمنطقة ترتكز على توفير إسكان مناسب، توسيع شبكة الطرق، إنشاء مستشفى ومستوصفات صحية، دعم المنطقة بشبكة اتصالات متطورة، إيجاد مراكز للشرطة والدفاع المدني والهلال الأحمر ودعمها بالكوادر والآليات.
حلم أم سراب؟
في مجمل القول فإن كل هذه المقترحات يمكن أن تتحول إلى سراب وربما إلى خسائر فادحة لو صدر قرار بوقف الزراعة أو تقنينها على أقل تقدير، خاصة في ظل وجود آراء تعارض الاستمرار بالزراعة بشكل كامل، وتعتبر أن القطاع مسؤول عن هدر المياه وتعريض الأجيال المقبلة للخطر.
لذلك فإن آراء "المتحفظين" إن جاز التعبير تبدو واقعية فهم يقولون "ما الفائدة من إقامة مصانع وجذب استثمارات إذا كانت الخطط غير واضحة"، لكن أيضا من المهم جدا أن ترتبط مشاريع التطوير المقترحة سواء إيجاد الإسكان وخدماتها بخطط متكاملة تحقق الفائدة المرجوة.
نقاش مستمر
غادرنا بسيطا ولا يزال النقاش مستمرا حول الرأيين، الأول الذي يذهب إلى التشديد على ضرورة إكمال خدمات المنطقة أولا في ظل الوفر المالي للدولة، والآخر الذي يعتقد أن المشاريع المقامة لم توفر قيمة مضافة للمنطقة بشكل عام. لكن الأكيد أن المنطقة تتمتع بخاصية وميز نادرة وإمكانيات خيالية – رغم النقص في الخدمات – وأنها في كلتا الحالتين تبقى واحدة من التجارب الرائدة في صناعة التنمية السعودية.
************************************************************************
"الزراعة" تستعلم عن الهيئة.. و"التجارة " تقترح فريق عمل
استعلمت وزارة الزراعة عن الهيئة الملكية المقترحة، وطلبت تصورا عن الفكرة لعرضها على الدكتور فهد بالغنيم وزير الزراعة، بينما أكدت وزارة التجارة أنها تدعم هذه الفكرة وتقترح تشكيل فريق عمل لدراسة المشروع، مع استعدادها للمشاركة في الفريق.
واطلعت "الاقتصادية" على مخاطبات بين إمارة منطقة الجوف ووزارتي الزراعة والتجارة والصناعة في هذا الإطار، تكشف عن وجود حماس للفكرة وموافقة لمناقشتها لما فيه المصلحة العامة.
وأبدى الدكتور هاشم بن عبد الله يماني وزير التجارة والصناعة في خطاب للأمير فهد بن بدر بن عبد العزيز أمير الجوف موافقة وزارته على المشاركة في فريق عمل لدراسة الفكرة مع وزارات أخرى من بينها: الزراعة، الاقتصاد والتخطيط، المياه والكهرباء، هيئة الاستثمار، لدراسة "كل مقومات الاستثمار في المنطقة وتحديد الملائم منها، والآلية المقترح إنشاؤها للاستفادة من فرصها الاستثمارية ومزاياها النسبية".
وقال يماني في الخطاب "إن الوزارة تسعى ضمن برامج وأهداف خطتها التنموية إلى زيادة فاعلية دور القطاع الخاص وتشجيعه على رفع الكفاءة الاقتصادية لمنشآته وتوسيع مجالات أنشطته التجارية والصناعية والخدمية بالأسواق المحلية والدولية" وأنها " تؤيد قيام كافة المناطق في المملكة باستثمار المزايا النسبية التي تتمتع بها، وتعمل في إطار مهامها واختصاصاتها على توفير البيئة الملائمة والآليات المناسبة لتحسين وتطوير الاستثمار في المجالات التي تزيد من القيمة المضافة.
وشدد الوزير على أن استراتيجية الهيئة العامة للاستثمار المعلنة لعام 2007 تضمنت توجهات الهيئة للتنمية الإقليمية للمناطق، وجذب الاستثمار لقطاعات محددة، ودعم المشاريع الناشئة.
في الوقت ذاته، طلبت وزارة الزراعة رسميا إفادتها عن فكرة المشاريع. وقال عبد الله الهندي مدير عام إدارة التنمية الزراعية إنه "نظرا لأهمية الموضوع فإن الوزارة ترغب في تزويدها بتقرير مفصل يتناول كافة الجوانب المتعلقة بالمقترح. وبالفعل تلقت الوزارة تقريرا مفصلا أعده رجل الأعمال مفلح الكايد عن طريق إمارة الجوف تضمن فكرة تكوين الهيئة الملكية ومهامها، وأنشطتها.