إيران: ثروات نفطية وغازية .. وأزمة بنزين!
إيران: ثروات نفطية وغازية .. وأزمة بنزين!
تقنين إيران للبنزين وما رافق ذلك من أعمال شغب أصاب الكثير منا بالدهشة، والبعض تساءل هل يوجد أزمة بنزين (وقود السيارات) في هذا البلد النفطي؟ تملك إيران، وبحسب المصادر الموثوقة ثاني أكبر احتياطي للنفط في العالم بعد المملكة، حيث يصل احتياطي إيران من النفط إلى نحو 10 في المائة من إجمالي الاحتياطي العالمي، وتنتج نحو أربعة ملايين برميل يومياً (تعد إيران رابع أكبر بلد منتج للنفط بعد المملكة وروسيا وأمريكا) تستهلك منها 1.5 مليون وتصدر الباقي، وتعد خامس أكبر مصدر للنفط في العالم بعد المملكة وروسيا والنرويج وفنزويلا. ويجب ألا ننسى أن إيران تملك ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا. إذا بالرغم من كل هذه الثروات النفطية والغازية، يوجد في إيران أزمة في وقود السيارات.
بدأت تظهر بوادر أزمة البنزين في إيران في شباط (فبراير) الماضي، حيث أعلنت رفع سعر جالون البنزين 25 في المائة ليصل إلى 41 سنتا أمريكيا للجالون، ما دل على احتمال تفاقم مشكلة البنزين هنالك. رغم هذا الارتفاع إلا أن سعر البنزين في إيران يعد الأرخص في العالم مع المملكة وفنزويلا ونيجيريا. إلا أن الفرق بين هذه الدول وإيران أنها تنتج ما تحتاج إليه من وقود السيارات بعكس إيران التي أنفقت العام الماضي خمسة مليارات دولار على شراء البنزين من الخارج، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى نحو عشرة مليارات دولار في المستقبل القريب بسبب النمو الهائل على طلب وقود السيارات بحكم زيادة عدد السكان، الأمر الذي أدى إلى إضافة مليون سيارة العام الماضي إلى طرق وشوارع إيران. وصل الاستهلاك الإيراني للبنزين حالياً إلى 21 مليون جالون يوميا، وتقوم الحكومة الإيرانية باستيراد ما بين ثمانية وعشرة ملايين جالون من الخارج لتسد حاجتها من هذه المادة الاستراتيجية (أي أن إيران تستورد من 40 إلى 50 في المائة من حاجتها من بنزين السيارات)، ما جعلها في طليعة دول العالم في استيراد البنزين. وهنا تكمن المفارقة في أنها رابع منتج وخامس مصدر للنفط وأكبر مستورد للبنزين، أي كمن يبيع القمح ويشترى بثمنه خبزاً.
ويجب التنبه إلى أن البنزين في إيران مدعوم من الدولة، أي أن الدولة تشترى الجالون بحدود 1.5 إلى 2 دولار، وتبيعه بسعر 41 سنتا، ما جعلها تتحمل أعباء كبيرة، ولاسيما في استمرار نمو الطلب على البنزين مدفوعاً بنمو السكان وعمليات تهريب كبيرة تتم عبر الحدود.
أعتقد أن ما يرعب الإيرانيين هو ماذا لو تم تطبيق الحظر الدولي عليهم بحيث لا يتمكنون من استيراد البنزين والديزل من الخارج؟ وكيف سيتم التصرف في مسألة جوهرية كالوقود، التي تأتى في الأهمية بعد الغذاء؟ يتوقع الكثير من المراقبين أن تكون هذه من أكبر نقاط الضعف في إيران وأن الغرب على دراية كاملة بهذا الأمر.
إن اعتماد إيران على الخارج فيما يخص وقود وسائل النقل من بنزين وديزل والزيادة المتوقعة في هذا الاعتماد، حيث ينمو هذا الطلب سنوياً بنسبة 10 في المائة، وهي نسبة مرتفعة، جعل الإيرانيين يلتفتون إلى هذا الملف الشائك، وفى رأيي المتواضع أن هذا الاهتمام قد جاء متأخرا نوعاً ما، فمعظم مصافي إيران لم تتطور أو تتحدث منذ ما يقرب من 28 سنة، حيث تعد المصافي الإيرانية من الدرجة الثالثة ولا تمتلك القدرة على إنتاج البنزين المحسن.
والحقيقة أن هذا الأمر استعصى على فهمي، فدولة مثل إيران لديها هوس بكل ما هو متعلق بشأن الطاقة والاكتفاء الذاتي وعدم الاعتماد على أحد، كان من المفترض أن تهتم بتشييد المصافي وتطوير القديمة منها كما هو الحال في المملكة والكويت والإمارات. فإيران تستهلك يومياً نحو 1.5 مليون برميل من الخام وتقوم في المقابل بإنتاج نحو 14 مليون جالون من البنزين، أي نحو ثلث مليون برميل بنزين. هذا يعنى أن قدرة المصافي الإيرانية وكفاءتها على تكرير النفط قليلة جدا، وتكاد تكون هذه المصافي عديمة الفائدة، حيث تنتج كميات كبيرة من زيت الوقود الزهيد وكميات قليلة من البنزين والديزل.
تطورت صناعة المصافي وتقنياتها كثيراً منذ الـ 20 سنة الماضية، وعلى سبيل المثال تستطيع المصافي التحويلية الحديثة أن تنتج أكثر من 1.2 مليون برميل من البنزين من 1.5 مليون برميل من النفط الخام الإيراني، لكن تشييد المصافي الحديثة يحتاج إلى استثمارات كبيرة قد تصل إلى ما بين خمسة وعشرة مليارات دولار للمصفاة حسب قدرتها وتطورها. ويبدو أن إيران قد فضلت شراء البنزين على بناء المصافي لديها وتطويرها.
قد يكون شراء البنزين وبيع الخام في الماضي مجد اقتصادياً، حيث كميات الخام المصدرة أعلى بكثير من كميات البنزين المستوردة. ولكن مع مرور الزمن بدأ تصدير إيران للخام يتناقص، ورافق ذلك طفرة في زيادة استهلاك الإيرانيين للبنزين. ففي 1993م مثلاً كانت إيران تصدر أكثر من 2.7 مليون برميل يوميا، وتناقصت هذه الكمية حالياً إلى أقل من 2.5 مليون برميل يومياً. في المقابل استورد الإيرانيون عام 2000م ما قيمته مليون جالون بنزين، ثم زادت الكمية المستوردة لتصل إلى 3.3 مليون جالون يومياً في 2002، وإلى 6.3 مليون جالون في 2004م. ويتوقع الإيرانيون أن يصل استهلاكهم من البنزين إلى نحو 81 مليون جالون يومياً بحلول 2032م. وكما هو معلوم أن المصافي الإيرانية بوضعها الحالي الذي يمكن تسميته بالرديء، تنتج 12 مليون جالون يومياً من البنزين، أي أنه إذا استمر الوضع الحالي عما هو عليه فسوف تستورد إيران بعد 15 سنة ما قيمته 60 مليون جالون جازولين يوميا، وفى أحسن أحوالها ستصدر 2.5 مليون برميل من النفط الخام يوميا، ولو افترضنا أن سعر برميل الخام في ذلك الوقت 100 دولار للبرميل (النفط الإيراني ليس من النوع الممتاز لأنه يحتوى على كميات كبيرة من الكبريت)، أي أن قيمة ما تصدره من النفط يومياً 200 مليون دولار. ولو افترضنا أيضا أن سعر جالون البنزين عام 2032م سوف يصل إلى أربعة دولارات، فتصبح قيمة ما سوف تشتريه إيران من بنزين السيارات عدا الديزل 240 مليون دولار، وبهذا تصبح إيران بالمحصلة مستوردة للنفط، وهو ما يعنى كارثة بكل المقاييس للإيرانيين.
من أجل ذلك شرعت إيران في تقنين استهلاك النفط وذلك بتحديد كمية محددة لكل فرد شهرياً، وبهذا تحاول الحكومة الإيرانية أن تدفع مواطنيها لاستعمال وسائل النقل الجماعية والعامة، وأيضا بهذا القرار تريد أن تحارب تهريب البنزين والديزل إلى دول الجوار وخاصة العراق. الغريب أن لدى إيران ثروة في الصناعات البتروكيماوية، وتنفق الكثير على تشييد المفاعلات النووية. المواطن يريد البنزين ويجب على الحكومات أن تضع في أولوياتها تزويد مواطنيها بالأساسيات قبل الكماليات.