صندوق النقد الدولي: التمويل المهيكل الإسلامي وقع "فريسة" وأصبح مهددا بالتمزيق
وصفت ورقة عمل صادرة عن صندوق النقد الدولي أن التمويل المهيكل الإسلامي وقع "فريسة" لعدم توافر السيولة المناسبة للوفاء بالتزاماته المالية, مع تشديدها على أن هذا القطاع لا يزال محفوفاً بجوانب عدم اليقين القانونية والعقبات الاقتصادية.
وأشارت تلك الدراسة إلى جانب حساس جدا وهو عدم تحبيذ الإطار الفقهي للتمويل المهيكل الإسلامي .وبحسب صندوق النقد فإن البنوك تتحمل السبب الثاني لضلوعها بعدم تشجيع التمويل المهيكل الإسلامي Islamic securitization بحجة عدم وجود سبب تمويلي قوي في حسابات البنوك لاستخدامه مع هذه الأداة الإسلامية.
وتفيد الورقة التي جاءت بعنوان "الجوانب الاقتصادية للتمويل الإسلامي والتمويل المهيكل", أن صناعة التمويل المهيكل الإسلامي الناشئة في حاجة إلى أسواق رأسمالية وإطار قانوني قادر على تحقيق الربح.
وقال معد الورقة أندرياس جوبست في اتصال هاتفي أجرته "الاقتصادية" معه, إن التمويل المهيكل الإسلامي آخذ في اجتذاب المستثمرين والاستحواذ على إعجابهم، خصوصاً المستثمرين من الشرق الأوسط، منذ إنجاز أول عملية تمويل مهيكل تقليدية عام 2003. وأضاف أن إجمالي الأوراق التقليدية التي أصدرتها الشركات قفزت من 6.7 مليار دولار إلى 15.0 مليار دولار في نهاية عام 2006، ولكن هذا الرقم لا يزال دون نسبة الـ 10 في المائة التي تمثلها إصدارات التمويل المهيكل التقليدي في الأسواق الناشئة خلال الفترة نفسها.
عدم اليقين الفقهي
ويذكر الكاتب أن التمويل المهيكل في الفقه الإسلامي "تَحُفُّه شروط متشددة وجوانب من عدم اليقين على عدة مستويات نظراً للإطار الفقهي الذي لا يحبذ دائماً التمويل المهيكل". جدير بالذكر أنه لا توجد قيود على تحويل الموجودات أو على الجهة التي يجوز لها إصدار الصكوك أو الاستثمار فيها. وأضاف جوبست, الذي يعمل في إدارة أسواق المال والنقد في صندوق النقد الدولي "لن يتمكن التمويل المهيكل الإسلامي من النمو بصورة معقولة في المستقبل القريب دون وجود أسواق مالية فاعلة وشفافة ودون وجود إطارات قانونية مربحة للعمل خلالها". ويتابع أنه مما "يؤسف له" أن الفقه الإسلامي ليس محدداً في هذا الجانب ويفتقر إلى الاجتهادات المتجانسة فيما بينها. وقال إنه لا يوجد حكم منتظم في المحاكم الشرعية حول مدى الالتزام بالأحكام الشرعية من قبل بعض الموجودات وهياكل التعاملات في هذا التمويل المهيكل. ويواصل "إنه فضلاً عن ذلك فإن الفقه الإسلامي منقسم إلى مذاهب عدة، وإن كان ذكر أن المذهب الحنبلي هو السائد في السعودية، وأن المجلس الشرعي يتمتع بصلاحيات واسعة في الاجتهادات الفقهية وبإمكانه أن يختار مبادئ فقهية من أي مذهب آخر. إن الغياب الذي يؤسف له للإرشاد العملي والمتين داخل تعاملات التمويل الإسلامي حول مدى التزامها الأحكام الشرعية يبث فيها قدراً لا يستهان به من انعدام اليقين في الجوانب القانونية وربما يؤثر في السلامة القانونية لعمليات التمويل الإسلامي المهيكل والعام".
وهنا يوضح كاتب الورقة أن عدم التزام الصكوك الأحكام الشرعية والاختلاف بين المجالس الشرعية من شأنه أن يعمل على "التخفيف" من اهتمام المستثمرين والتأثير في سيولة العملية.
الحقوق الغائمة للدائنين السعوديين
وبحسب الباحث الاقتصادي فإن المطلب الشرعي الذي يفرض وجود علاقة مباشرة بين موجودات بعينها وبين المستثمرين "يناقض الاهتمام التجاري بإنشاء فصل قانوني بين الموجودات وبين الموجودات التي يمكن بيعها للدائنين في حالة إفلاس الجهة المصدرة للصكوك".
وعليه, فإن التفسير القانوني الذي يتم بعد وقوع الأمر يحمل في طياته إمكانية قيام محاكم قضايا الإفلاس أو المسؤولين عن قضايا الإعسار المالي "بإعادة تصنيف" مبيعات الموجودات باعتبارها ديناً غير مؤَمَّن، كما يقول المؤلف.
من جانب آخر, هناك مسائل تتعلق بإمكانية فرض الالتزامات الواقعة على الملتزمين الأصليين، بما في ذلك الحقوق غير الواضحة للدائنين. على سبيل المثال فإن أصحاب المساكن في السعودية الذين تخلفوا عن دفع الأقساط المستحقة عليهم من قروض الإسكان لا يمكن إخراجهم من بيوتهم, وهذا يناقض ما هو متبع على الصعيد العالمي.
وهنا يقول حول ذلك في مقابلة هاتفية مع "الاقتصادية" من مقر إقامته في واشنطن دي سي "إن ذلك الأمر يشير إلى صعوبة إغلاق الرهن العقاري المنزلي من المنظور العام الخاص بحقوق الدائنين وحماية المستثمر".
العوائق الاقتصادية
إلى جانب عدد من حالات انعدام اليقين القانوني، ذكر جوبست أن سوق التمويل المهيكل الإسلامية تواجه عدداً من "العوائق الاقتصادية الحرجة" للتخفيف من جوانب النقص في السوق ومن القيود على التمويل.
وقال إن بعض العقبات تتعلق بتحديد الموجودات المرجعية، التي تلتزم الأحكام الشرعية، وبدائل الميزات المعيارية الموجودة في التمويل المهيكل التقليدي، مثل أحكام تعزيز الائتمان والمساندة في السيولة، وهما من الأمور المحرمة في بيئة التمويل المهيكل الإسلامي.
البنوك وإدارة الظهر
ذكر أيضاً أن "محدودية الموارد وهيكلة محافظ الموجودات القابلة للهيكلة تعمل على تثبيط حتى النمو السريع للتمويل المهيكل الإسلامي".
ووصفت ورقة العمل بنوك المنطقة بأنها "أكثر الجهات التي يمكن أن تصدر صكوك التمويل المهيكل، إلا أنها غارقة في بحر من السيولة ورأس المال، وبالتالي لا يوجد هناك سبب معقول أو سبب تمويلي قوي في حسابات البنوك لاستخدام التمويل المهيكل".
وقال الكاتب إن سوق التمويل المهيكل الإسلامية لا تزال "فريسة" لعدم توافر السيولة المناسبة للوفاء بالالتزامات، وذلك نظراً للافتقار إلى العمق وسعة الأفق، الأمر الذي عمل على تثبيط التوصل إلى الأسعار المناسبة وبث المعلومات.
وبصرف النظر عن التعقيدات الهيكلية وانعدام اليقين في بعض الجوانب القانونية، فإن التمويل المهيكل الإسلامي يتمتع بميزات، على اعتبار أن التزام الصكوك الأحكام الشرعية ينطوي على إعفاءات ضريبية حين يكون للمستثمرين مصلحة ملكية مباشرة في الموجودات المهيكلة.