القروض الصغيرة طوق النجاة لانتشال الفقراء من مستنقع الفقر
تلجأ العديد من المؤسسات حول العالم للتمويل الصغير باعتباره استراتيجية لانتشال الفقراء من مستنقع الفقر ولتحقيق عائد لا بأس به للاستثمار. في الحين الذي تبدو فيه الأرباح المتأتية من إقراض المال لأولئك الذين يكسبون في اليوم ما يتراوح بين الدولار أو الدولارين تقريباً أرباحاً محدودة، تلتفت أنظار بعض البنوك الكبرى إلى هذا القطاع.
ففي دراسة حالة جديدة، ألقى البروفيسور المساعد في إنسياد، محبوب محمود، الضوء على العمل الذي تقوم به مؤسسة كشف في باكستان، وهي مؤسسة غير ربحية تشهد نمواً ملحوظاً في الحين الذي تركز فيه على تقديم خدمات القروض الصغيرة والدعم الاجتماعي لصاحبات المشاريع اللواتي يأتين في أدنى ما يُدعى بهرم الثروة.
شهدت (كشف) منذ انطلاقها عام 1996 نمواً جعلها تحتل مرتبة ثالث أكبر مؤسسة للتمويل الصغير في باكستان، ولها نحو 69 فرعاً، وما يزيد على 135 ألف عميل تقريباً، ونحو 90 مليون دولار من القروض القائمة.
صُممت (كشف) بحيث تسير على نمط بنك جرامين في بنجلاديش الذي فاز هو ومؤسسه محمد يونس بجائزة نوبل للسلام عام 2006 لقاء عمله في مجال التخفيف من حدة الفقر. إلا أن التمويل الصغير لا يُستخدم في جنوب آسيا لمجرد انتشال الفقراء من مستنقع الفقر فقد أصبح ظاهرة عالمية.
يقول محمود إن هناك حالياً ما يزيد على 20 ألف مؤسسة للتمويل الصغير تعمل حول العالم، حيث تتصف المؤسسات في جنوب آسيا وأمريكا اللاتينية بكونها أول المبادرين، وبكونها قادة للسوق.
ويقول محمود كذلك "إن مجال المشاريع الاجتماعية بأكمله يشهد ازدهاراً - خاصةً التمويل الصغير- والمثير في هذا الموضوع هو أن عدداً من البنوك التجارية ذات الاتجاه السائد في العمل شرعت بالنظر إلى التمويل الصغير باعتباره جزءاً من استراتيجياتها العامة للأسواق الناشئة. ويؤدي ذلك إلى إيجاد كل من الفرص، بالإضافة إلى التحديات لمؤسسات التمويل الصغير التقليدية".
ويعد كل من "سيتي بنك"، و"ستاندارد تشارترد"، من بين البنوك الدولية الكبرى التي تتطلع إلى وضع استراتيجيات للتمويل الصغير. ويقول محمود "أعتقد أن واحدة من القضايا بالنسبة للمؤسسات الأكبر – الدولية منها بالإضافة إلى المؤسسات المحلية الأكبر- تتمثل في قضية كيفية تقديم التمويل للطبقة المتوسطة المنسية، والمؤسسات الصغيرة، والمؤسسات المتوسطة، والأفراد الذين يملكون مؤسسات أعمال صغيرة، وهكذا دواليك. إذن، رغم أنه يُنتظر من البنوك الكبرى أن تستهدف أولئك الذين يعيشون على دولار أو دولارين في اليوم، إلا أنها لا تزال تنظر إلى إقراض التمويل الصغير "على أنه جزء من الحل الشامل، لأن أصحاب المشاريع الصغار الناجحين يستطيعون تحقيق النمو من خلال أنواع العملاء الذين يمكن أن يكونوا مثيرين للاهتمام". وبالإضافة إلى ذلك، فإن البنوك الكبرى مهتمة بتقديم رأس المال لمؤسسات التمويل الصغير مثل مؤسسة (كشف) على حد تعبيره، إذ يعتقد أن الأمر يعدو أكثر من كونه مجرد تمرين في العلاقات العامة.
"أعتقد أنه يصبح بشكل متزايد جزءاً لا يتجزأ من استراتيجياتها للتوسع في الأسواق الناشئة، ولكن الأمر لا يزال مبكراً على ذلك لأن معظم هذه المؤسسات، حتى الآن، ركزت بشكل كبير على قاعدة العملاء متعددي الجنسيات، وعلى قاعدة العملاء من الشركات الكبرى وعلى (الوكالات) الحكومية. إذن هي عبارة عن جزء من استراتيجية أكبر للتوسع ضمن هذه الأسواق في الحين الذي تنضج فيه هذه الأسواق".
وإذا كانت خبرة (كشف) هي أمر يُحتذى به، فإن التمويل الصغير عبارة عن مجال ينبغي أن يشهد نمواً مستداماً في السنوات المقبلة. وتسعى (كشف) ليكون لديها ما يزيد على نصف مليون عميل بحلول عام، 2010 وصافي قروض قائمة يبلغ نحو 160 مليون دولار، ولكنها تواجه أيضاً في الوقت ذاته منافسة متزايدة.
ويقول محمود "أعتقد أن المنافسة ستشتد كلما تقدمنا في هذا الموضوع". إلا أن الوقت لا يزال مبكراً بالنسبة للسوق. وأضاف قائلاً "بمعنى أن نسبة صغيرة من الناس الذين تمكنوا من الحصول على تمويل صغير يحصلون بالفعل على ذلك النوع من التمويل".
يقول محمود "القروض الصغيرة ليست عملاً خيرياً، فالنساء مسؤولات عن سداد القروض للآخرين ضمن المجموعات التضامنية التي يتبعن لها، ويُتوقع منهن أن يدفعن أسعار فائدة تبلغ 20 في المائة تقريباً. وفي حين يمكن أن تبدو فيه هذه النسبة كبيرة، إلا أنها أفضل كثيراً من أسعار الفائدة "التي تبلغ نسبتها 100 في المائة" التي قد يُطالبن بها خلافاً لذلك".
"وهذا سعر فائدة أقل بكثير من بطاقة الائتمان ولكن تكاليف المعاملات باهظة للغاية لأنك تتعامل مع مبالغ قروض صغيرة للغاية التي يجب أن تخضع للمراقبة، وأن تُدفع الفائدة عليها كل أسبوعين، لذا تستطيع أن تتخيل التكاليف الهائلة لإدارة هذا النوع من المحافظ الاستثمارية. ولكنني أعتقد أن الضغط الهادف إلى تخفيض أسعار الفائدة سيتزايد مع نزول المزيد من المؤسسات إلى الساحة".
تحدثت العديد من النساء في برنامج وثائقي صاحب الدراسة التفصيلية عن خبراتهن حول كيفية تأثير التمويل المصغر في حياتهن من خلال مساعدتهن على إنشاء مؤسسات أعمال صغيرة. أما التغذية الراجعة من غالبيتهن، فقد كانت إيجابية.
يقول محمود إن التمويل الصغير ليس "حلاً سحرياً"، ولن يتمكن وحده من التخفيف من حدة الفقر، ولكنه يداً بيد إلى جانب استراتيجيات أخرى يستطيع أن يحدث تغييراً في مجرى الأمور. وتابع قائلاً إنه يتوقع أن يرى "مجموعات كاملة من مؤسسات الأعمال التي تنقض على الفقر، إما لأسباب تجارية محضة، وإما لدوافع اجتماعية وتجارية".
"هناك نقاش متفاعل حول ما إذا كان التمويل الصغير يُحدث تغييراً كبيراً في مجرى الأمور، ذلك أن إقراض مبالغ صغيرة من المال للناس يمكن أن يحسن حالهم بعض الشيء، ولكن ليس إلى حد بعيد. أميل لمخالفة ذلك الرأي لأنني أعتقد أن ديناميكية تنظيم المشاريع التي تقوم بإطلاقها وإعادة صياغة دور المرأة يمكن أن يكون لهما أثر أكبر من مزية التمويل الفعلية التي يقدمها التمويل الصغير".
"لذلك أعتقد أن للتمويل الصغير ميزتين: أولاهما، الأثر المالي المباشر الذي يمكن أن يؤديه لشخص ما، وثانيهما الأثر الاجتماعي والاقتصادي طويل الأمد الذي يمكن أن يُحدثه من خلال إعادة صياغة دور المرأة وغيره ممن يأخذون التمويل الصغير".