لماذا يقدر المديرون شخصية الموظفة العدوانية؟ .. وكيف يؤثر ذلك في بيئة العمل؟
يحتاج الموظفون في أي بيئة عمل إلى التعامل مع زملاء ورؤساء يتسمون بشخصيات مختلفة ومتنوعة لكل منها ميزات وعيوب, ومن تلك الشخصيات: "الشخصية العدوانية" التي تمارس أنواعا من السلوك العدواني، ليس أقله رفع الصوت مثلاً.
كيف نتعامل مع هذه الشخصية في بيئة العمل؟ وما مدى تأثيرها على جو العمل؟ وهل فعلا الشخصية العدوانية تحصل على ما تريد من خلال ممارسة سلكوها الخاطئ؟ "المرأة العاملة" طرحت هذه التساؤلات على عدد من المختصين لمعرفة أبعاد هذا النوع من الشخصيات وتأثيره في الجو العام في العمل، وإليكم المحصلة:
الثقافة وعلاقتها بهذا السلوك
تقول الدكتورة جواهر النوح، إخصائية نفسية " إن اتباع السلوك العدواني لتحقيق أهداف معينة، موجود لدى شريحة ليست بالقليلة في مجتمعنا، وذلك في اعتقادي يعود لأسباب اجتماعية أثرت في تعزيز هذه الفكرة الخاطئة، حيث توارثنا مقولات خاطئة منها على سبيل المثال "إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب" وغيرها من المقولات التي تدعو لا تباع السلوك العدواني للوصول إلى الأهداف".
وتضيف النوح "إن هذا النوع من السلوك ينبئ عن شخصية ضعيفة تعاني عدم الثقة بالنفس، فتلجأ إلى السلوك العدواني كحيلة نفسية للتخلص من التوتر والضيق النفسي، خصوصا إذا لم تجد طريقة للحصول على ما تريد".
وتقول إن هنالك نوعين من الحيل النفسية، الأول الحيل الواقعية، وهي حيل هادفة وفاعلة يبحث من خلالها الشخص عن موطن الخلل في ذاته ويحاول إيجاد الحلول الناجحة, أما النوع الثاني وهو الحيل غير الواقعية وهي وسائل تلجأ إليها النفس دون قصد, وتعتمد على التركيبة النفسية للشخص وعادة في هذه الحالة يحاول الشخص أن يسقط المشكلات على الآخرين ومنها العدوان والتسلط حيث يعتمد هؤلاء الأشخاص مبدأ خاطئا وهو إذا لم تكن عدوانيا لن تحصل على ما تريد.
وأشارت النوح إلى أن هذا السلوك يبدأ من الصغر وهو سلوك شرطي فإذا مارس الطفل هذا السلوك في حادث معين، ووجد انه بذلك حصل على ما يريد، سيكرر اتباع هذا السلوك في كل مرة تواجهه صعوبة في الحصول على ما يريد.
ماذا تقول الدراسات؟
في الوقت الذي أشارت فيه دراسة أمريكية إلى أن الموظف الذي يعترض ويعبر عن غضبه أمام زملائه ورؤسائه في العمل يعطي شعورا لمن حوله بأن آراءه مهمة، ويجب أخذها بعين الاعتبار.
وأوضحت صاحبة الدراسة الدكتورة لاريزا تيدنز، من كلية الأعمال في ستانفورد، أن الأشخاص الذين يحتلون مناصب مرموقة عادة ما يميلون إلى الشعور بالغضب أكثر من غيرهم، لذلك عندما يرى الناس شخصا ما يعبر عن غضبه يعتقدون تلقائيا أنه يستحق مرتبة مرموقة في العمل.
رأي الموظفات و المديرات
في استطلاع أجرته "المرأة العاملة"، على عدد من الموظفات في قطاعات مختلفة أكدن أن الموظفة التي تعبر عن غضبها وتتذمر عند تكليفها بالأعمال تحسب لها الإدارة ألف حساب، فلا تكلف بالأعمال إلا نادراً وفي حال رغبت الإدارة في تكريم موظفاتها المتميزات, يحصلن على التكريم قبل غيرهن لتجنب غضبهن بأي شكل ما يجعل باقي الموظفات يشعرن بالإحباط .
من جانبها تقول نورة علي معلمة في مدرسة حكومية، من خلال تجربتي في العمل ألاحظ أن الموظفة سليطة اللسان تأخذ حقها وأكثر كما أنها لا تكلف بالأعمال كباقي زميلاتها، وفي نهاية العام تحصل على تقدير ممتاز في تقارير تقييم الأداء، وذلك لسبب واحد فقط لتجنب شرها حتى ولو كانت مقصرة في عملها, أما الموظفة المثالية التي تتعامل بأسلوب جيد من رؤسائها وزميلاتها لا تحصل على أي تقدير بل تضاف إليها أعباء ليست من اختصاصها لأنها لا تعترض كثيرا.
وتضيف نورة "مع الأسف أن باقي الموظفات أصبحن يلجأن إلى السلوك العدواني للحصول على ما يردن, ففي إحدى المرات طلبت مني المديرة أن أقوم بعمل ليس من اختصاصي بل من اختصاص معلمة أخرى بحجة أن تلك المعلمة طويلة اللسان ولا تستطيع أن تحتك بها وفي النهاية تحصل هذه المعلمة طويلة اللسان على تقدير ممتاز مثلها مثل المعلمة المتميزة.
وتؤيدها منى التويجري معلمة فتقول" إن الموظفة سليطة اللسان تعطى صلاحيات أكثر في العمل كما أن لها الحق في احتكار مناهج معينة دون غيرها لأنها من الممكن أن تختلق مشكلة لأتفه الأسباب ولن تجد رادعا, فمن أمن العقوبة أساء الأدب, فلو كانت هناك عقوبات رادعة لمن تتطاول على زميلاتها أو رؤسائها لما ظهرت مثل هذه الشخصيات المريضة في أماكن العمل.
أما أمل الصالح موظفة في مؤسسة حكومية فتقول إنها واجهت هذا النوع من الشخصيات في العمل وترى أن الشخصية العدوانية هي من تخسر في النهاية، لأن الإدارة الواعية لن تستجيب لمتطلبات الموظفة العدوانية لمجرد أنها رفعت صوتها أو اتخذت أي سلوك عبر فيه عن غضبها, وتضيف" الموظفة التي تتبع سلوكا عدوانيا تخسر زميلاتها في العمل ورؤساءها كذلك لأن الجميع سيتجنب التعامل معها.
فيما تقول ريم الصويان موظفة في مدرسة أهلية إن المشكلة تكون أكبر لو كانت المديرة نفسها سليطة اللسان وتمارس السلوك العدواني مع الموظفات في هذه الحالة تكون بيئة العمل مشحونة باستمرار كما أن الموظفات لا يشعرن بالراحة أثناء تأدية عملهن.
وهنا تقول فاطمة محمد "اضطررت لاتباع السلوك العدواني ورفع صوتي في بعض الأحيان لكي أحصل على حقوقي بعد أن وجدت أن الأسلوب الجيد لا يجدي وأن الموظفة التي تعبر بسلوك عدواني عن رأيها تحصل على ما تريد, لم أجد أمامي سوى اتباع هذا الأسلوب لكيلا أستغل ولكي أحصل على حقوقي كاملة".
أثر شخصية المديرة
وتعلق الدكتورة النوح على تصرفات الرؤساء مع الشخصية العدوانية بقولها إن حصول الشخص العدواني على مبتغاه في العمل يعتمد على شخصية رؤسائه، فإذا كانت شخصياتهم ضعيفة سيحاولون تجنب الاحتكاك مع هذه الشخصية وإعطائها ما تريد لاتقاء شرها مما يدفع باقي الموظفين لاتباع هذا السلوك, أما إذا كان الرئيس في العمل يتمتع بشخصية متزنة فلن يسمح للشخص العدواني الحصول على ما يريد بطريقة تظلم زملاءه في العمل, وتضيف إن في مجتمعنا مع الأسف معظم الوظائف الحكومية يتولى الشخص المنصب القيادي دون تقييم لشخصيته ما أدى إلى وجود مديرين ورؤساء في مناصب قيادية شخصياتهم ضعيفة يسهل التأثير فيهم وانقيادهم وتجاوبهم مع السلوكيات الخاطئة.
وتابعت" ليس كل شخص مؤهل لأن يكون مديرا فهنالك سمات أساسية لا بد أن تتوافر في الشخص الذي يحتل منصبا قياديا يؤهله للتعامل مع كل شخصية حسب طبيعتها".
وترى الدكتورة النوح أن العلاج يكون على مستويين فردي وجماعي فعلى المستوى الفردي فإنه يبدأ منذ الطفولة في تعليم الطفل أن السلوك العدواني لن يؤدي به إلى الوصول إلى أهدافه, وكذلك على المجتمع ألا يقبل مثل هذه السلوكيات الخاطئة.