ملامح الوجه الإنساني تدعو للتأمل
ملامح الوجه الإنساني تدعو للتأمل
تكشف ملامح الوجه الإنساني معاني عديدة، وحكايات كثيرة، فتقاسيمه و خطوطه تحمل بين طياتها مشاعر وأحاسيس، وتختزل سنوات العمر داخله، ذلك الوجه هو طريقنا نحو الذات وجوهرها، يعكس ما بداخله، قد يرى المتأمل صورة بانورامية لحياة ذلك الإنسان دون عناء أوتعب، وقد يستشف آماله وطموحاته بنظرة عابرة.
إن الفوتوغرافي الذي يرصد ذلك النص البصري و يتعامل مع تلك المساحة المليئة بالمشاعر يتطلب جهداً ومعرفة وتواصلاً، فهي مساحة محاطة بالنور والعتمة. فليست العملية مجرد ضغطة زناد لترسم العدسة ما يقف أمامها وتلتقط حركة العين وتجمدها. بل يتعدى ذلك بكثير فمجال البورتريه فن قائم بذاته له أدواته وأساليبه، يعتمد على الإضاءة الموجهة نحو ذلك الوجه فهو – الضوء- القادر على إبراز المعاني الجمالية والدلالات الفلسفية التي تنطوي داخل تلك الملامح والعكس كذلك. البورتريه مرآة تعكس المشاعر الروحية التي يحملها صاحبها فهي أشبه بخشبة المسرح المفتوح حيث لا ستار يفصل بينهما, حياة متداخلة متمازجة بعضها ببعض, تبقي المتفرج متأملا ومفكرا بالقدر الذي يسمح له باكتشاف ذاته، وفي الوقت ذاته تعطي مجالا فسيحا يتجاوز حدود الزمان والمكان ليقدم الفوتوغرافي من خلالها رؤيته و فكره ورسالته. فهي -اللقطة المعبرة لذلك الوجه- بقدر ما تعكسه من انفعالات صاحبها، فهي تبرز لنا جوانب أخرى ومعاني جديدة قد لا يستوعبها الكثير، فالفنان الفوتوغرافي يبحث داخل محيطه عما يساعده على نقل أفكاره وترجمتها لإيصالها للمتلقي، فهو ليس كما يعتقد البعض بأنه ناقل أمين أو أن الكاميرا لا تكذب ولكن هناك اعتبارات كثيرة يضعها الفنان ونركز على الفنان ونعني بذلك الشخص الذي يملك الموهبة والمقدرة في ذهنه ليقدم لنا مشروعه الإبداعي، فمن خلال تلك الوسيلة ينطلق في فضاءات واسعة يبحث عن زوايا جديدة تفرض انطباعا وموقفا من خلال زاوية سقوط الإضاءة على الوجه وكذلك زاوية الرؤية التي يختارها لتؤدي مقصده إضافة إلى اتجاه النظر وتركيز العينين على المجهول أو الأمل كل ذلك يقدم صورة يبدعها المصور بيده وفكره وهي نتاج لحالته النفسية التي سيطرت عليه في تلك اللحظة، وهذا ما يصنع الفرق بين وجه وآخر.
كثيرة هي الوجوه التي تمر علينا, وقليل منها هي التي تستوقفنا ونقف أمامها، قد نكتشف حزناً داخلها يحرك مشاعر مشابهة في أنفسها وقد نجد أنفسنا أمام نظرة غامضة تطل علينا من وجه لا نعرفه لكن النظرة قريبة منّا، فهي تخترق المشاهد وتتغلغل داخله، لم يقف المصور أمام هذا الوجه أو ذاك، ويبدأ في البحث عن زاوية معينة، ويتعمق في دراسة الضوء الساقط على تلك المساحة من الجسد، ويبقى أمامها وقتا ليتحين تلك النظرة، و من ثم يصوب عدسته نحوه إلاّ لأن ذلك الوجه قد شده وافتتن به ولو لثوان، فاللحظة الإبداعية لا تتطلب ساعات أو أياماً. ومن تلك اللحظة التي توقفت العين فيها عن الحركة وجمّدت تلك الخطوط والتقاسيم قد أوجد المصور شيئاً جديداً وأعطى المشاهد لوحة فنية فيها روحه وإحساسه ومشاعره. يسعى الكثير من الفنانين المحترفين على الاتصال المباشر مع الشخص المراد تصويره، حرصا منهم على تقديم صورة ناجحة ترضي طموحاتهم وتطلعاتهم، وهذا بالتأكيد يتطلب وقتا طويلا لإنتاج صورة فنية مكتملة العناصر، ذات معنى ومغزى.
يزداد جمال البورتريه عندما يعتمد فيه المصور على الجدلية التي يخلقها التضاد اللوني المتمثل في الأبيض والأسود فهما ليسا من الألوان الأساسية في الطبيعة فهما الأبيض والأسود قيم لونية تتدرج بين الأبيض والأسود ودرجات الرمادي وهو يعكس حقيقة الصورة ويبرز الفن إبرازا كبيرا، و من خلاله تفهم الهدف من الصورة وتستطيع أن تقرأها قراءة فنية، وكذلك يكون نجاحها بهذين اللونين تأكيدا لمدى قدرة المصور الإبداعية على التعامل مع أدواته، وتمكنه منها.