قطار العولمة يمضي دون مشاركة إفريقية حقيقية

قطار العولمة يمضي دون مشاركة إفريقية حقيقية

في البداية نورد هنا قصة رجل أعمال ألماني من الطبقة المتوسطة يتخذ من صناعة المنسوجات مجالا لنشاطه. هذا الرجل أراد ذات يوم أن يستثمر في أحد بلدان إفريقيا الشرقية مبلغ 25 مليون يورو في بناء مصنع لإنتاج الملابس الداخلية القطنية، غير أن حكومة البلد المعني طلبت من المستثمر أن يودع المبلغ، كضمانة لدى البنك الوطني. وراح ينتظر وينتظر أن تنجز معاملات الترخيص لمشروعه. لكنه عاد بعد ستة أشهر من الانتظار العبثي وسحب المبلغ. وفي النهاية توجه المستثمر إلى بولندة حيث استطاع خلال فترة وجيزة أن يشرع في مباشرة إنتاجه من الملابس الداخلية.

هذه القصة يذكرها آسفا ووسن آسيراتي وهو ابن أخ إمبراطور إثيوبيا السابق وهو مقيم في فرانكفورت.
ويقول: " إن العديد من الزعماء الأفارقة يعيشون في عالم من الأحلام فهم يعتقدون أن المستثمرين الأوروبيين يتوسلون إليهم أن يفتحوا لهم الأبواب. غير أن ثمة قصصا أخرى تدعو إلى الأمل، فمثلا ابتدأ مستثمرون ألمان في مجال تربية الزهور في إنتاج الزهور في إثيوبيا.
ويقول آسيراتي المعروف في ألمانيا من خلال أعمال أدبية ككتاب "الأخلاق ": إن في أثيوبيا مناطق خضراء شاسعة حيث يجري الآن إنتاج الورد والقرنفل. أما النجاح الذي تحقق في مجال تصدير هذه الزهور فهو أكثر من رائع".
ويقول أيضا إن إثيوبيا تستطيع أن تكون مكانا لزراعة القمح بدلا من أن تكون موضوعا لأنباء المجاعات"، غير أنه لا يجري حاليا استغلال أكثر من ربع المساحة الصالحة للزراعة".

إن فقر إفريقيا كان حاضرا وبقوة في قمة الثماني الأخيرة في هايليجين دام وتمخضت النقاشات عن منح القارة السمراء ما جملته 60 مليار دولار لمحاربة الفقر. لكن آسيراتي يتساءل " لماذا مضاعفة المساعدات ؟ حيث من الممكن القول أيضا فلنضاعف المساعدات ثلاث مرات أو أربع مرات وهكذا دواليك"، غير أن المساعدات المالية خلال 50 سنة الماضية، البالغة ما بين 450 و600 مليار دولار، وفقا للإحصاءات , لم تساعد كثيرا، فالتقديرات تشير إلى أن واحدا من كل ثلاثة أفارقة يعيش حاليا على أقل من دولار يوميا. ومن الممكن القول إن "مشكلات إفريقيا هي ذات طبيعة سياسية . وبالأموال يمكن معالجة الأعراض فقط".
هذا ولا يؤيد آسيراتي سياسة تقديم المساعدات التنموية دون تفريق بحيث تتقاطر أموال الضرائب من الدول الغربية على إفريقيا، حيث إن قسما كبيرا من هذه الأموال يتدفق في قنوات الأنظمة الفاسدة، كما أنه ينظر بعين الشك لقرار إعفاء دول إفريقية من ديونها الذي اتخذ في جلين إيجلز، فهو يقول: "إن بعض هذه الدول التي أعفيت من ديونها كاملة عادت من جديد لطلب القروض بحماس, من الصينيين هذه المرة.

ويدعو آسيراتي الدول المانحة لعدم التردد أو الخجل من انتقاد الحكومات الإفريقية بشدة إذا لزم الأمر. ومن المعروف أنه لم يسمح له بزيارة بلده إثيوبيا منذ 17 عاما, أي في أعقاب انقلاب 1974، الذي قام به عسكريون شيوعيون وقتل خلاله والده والعديد من أقربائه. وهو يقول إنه لا بد من إدارة الظهر للدكتاتوريين الحاليين مثل رئيس زيمبابوي روبرت موجابي, ثم يضيف: "لقد آن الأوان لأن تغلقوا صنبور المال عن الدكتاتوريين الصغار والكبار. "فهو يؤمن بأن الضغط وحده كفيل بإرساء المعايير الديمقراطية والشرعية.

إن المساعدات التنموية التي كانت تقدم، وفقا للنمط القديم, لمشاريع كبيرة في القطاع العام غالبا ما كانت تؤدي إلى الفشل. وبدلا من ذلك ينبغي لقادة مجموعة الثماني أن يعملوا على تعبئة مزيد من الاستثمارات الخاصة. ويتساءل آسيراتي في هذا السياق قائلا: "كيف لي أن أقنع رجل أعمال ألمانيا مثلا بالتوجه إلى إفريقيا في الوقت الذي لا يتوافر فيه لدى بعض البلدان الحد الأدنى من الضمانات ضد المخاطر؟ "إن التجارب السيئة لفترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي عندما كانت تجري مصادرة ممتلكات المستثمرين هكذا وبكل بساطة, ما تزال آثارها بادية حتى الآن. ولعل أفضل مثال على التطور الإيجابي هو ما يحدث في بوتسوانا، التي توفر ضمانات قانونية كافية نسبيا. "فمنذ سنوات والبلاد تنمو بمعدل يراوح بين 8 و12 في المائة سنويا, وهي محظوظة أيضا بما يتوافر لديها من ثروات طبيعية كبيرة".

لقد رأى العديد من الخبراء الغربيين فرصا جيدة للتنمية الاقتصادية بعد حصول المستعمرات السابقة على استقلالها. ويتذكر آسيراتي أن "إفريقيا كانت تعتبر قارة المستقبل. ولم يكن أحد يفكر آنذاك بآسيا أو بالصين أو الهند". وهو يعتقد أن وصفة النجاح لدول النمور الآسيوية تتجسد في سياسات السوق التي اتبعتها بمثابرة. هذا إضافة لتوفير ضمانات للملكية، وحماية قانونية, وتدريب وبحث وشفافية لمصلحة المستثمرين, وهو ما زال مفتقدا في غالبية الدول الإفريقية حتى الآن. ويقول آسفا ووسن آسيراتي إنه ليس ثمة في إفريقيا مجال لتكسب مستشاري الشركات. أما هو شخصيا فيمارس عمله في الشرق الأوسط وإن كان بدوافع مثالية يقوم ببعض الأنشطة في إفريقيا أيضا.

منذ عام 1970 وعلى نطاق عالمي تراجعت نسبة الفقراء، الذين يعيشون على أقل من دولار يوميا من 38 في المائة إلى النصف، أي إلى 19 في المائة. كما أن مزيدا من الناس شرعوا في الإسهام في تحقيق نمو الاقتصاد العالمي, وبشكل خاص في القارة الآسيوية. أما في إفريقيا فيمكن القول إن فرص العولمة تمضي دون أن يستفيد منها أحد, في الوقت الذي يزداد فيه الفقر, فإذا كانت نسبة من يعيشون على دولار واحد يوميا 10 في المائة عام 1970، فقد ازدادت نسبتهم في هذه الأثناء إلى أكثر من 30 في المائة.

الأكثر قراءة