التهديد الأمريكي لدول النفط: هل ينجح الكونجرس في محاكمة دول "أوبك"؟

[email protected]

إقرار الكونجرس الأمريكي قانون محاكمة دول "أوبك" بتهمة الاحتكار ما هو إلا فصل من فصول عدة لمسرحية مملة يتمتع أبطالها بجهل كبير، ليس في العلاقات الدولية فحسب، وإنما في الجغرافيا والتاريخ أيضاً. فالقرار لن يحل مشكلة ارتفاع أسعار البنزين في الولايات المتحدة لأن أسعار النفط لا علاقة لها بارتفاع أسعار البنزين في الأشهر الأخيرة. كما أن هناك مشكلات سياسية وقانونية هائلة في التطبيق، منها قيام دول كثيرة بمحاكمة الولايات المتحدة وشركاتها من مبدأ المعاملة بالمثل. لذلك فإن البيت الأبيض هدد بنقض القانون، الأمر الذي يجعله عديم المفعول.
بني القانون على فكرة توسيع قانون محاربة الاحتكار الحالي لكي يمكن وزارة العدل الأمريكية من محاكمة دول "أوبك" وشركاتها النفطية بتهمة تخفيض الإنتاج ورفع أسعار النفط. إذا أُقر القانون فإن على المحكمة الفدرالية أن تقرر ما إذا كانت القضية من تخصصها أم لا. وسيتم رفض القضية، تماماً كما حصل في الماضي، لأن تصرفات الحكومات والدول لا تنطبق عليها القوانين المحلية بسبب "استقلالية" الدول و"حريتها" في التصرف بمواردها الطبيعية. لكن القانون الجديد قد يغير القانون القديم بشكل يجعل من الممكن أن تخضع تصرفات الحكومات وشركاتها للقضاء الأمريكي، الأمر الذي يمكّن الحكومة الأمريكية من السيطرة على أموال هذه الحكومات وممتلكاتها الموجودة داخل الولايات المتحدة.
إذا قررت المحكمة المضي قدما في محاكمة دول "أوبك"، فإنها ستجلب الخبراء من كل الأطراف لمعرفة "ماهية" أوبك، وإذا ما كانت فعلاً منظمة احتكارية. وسيتم في هذه الجلسات، التي قد تستمر شهوراً، استعراض كل النظريات التي قدمت لشرح سلوك "أوبك" خلال 30 سنة ماضية.

مشكلات قانونية
من أهم المشكلات التي ستواجه المحكمة والخبراء هي مشكلة تعريف السوق، الذي يتضمن مدى قدرة "أوبك" على التحكم في أسعار النفط. بعد ذلك يتم التركيز على أربع نقاط، الأولى هي حصة المتهم، في هذه الحالة "أوبك" أو بعض أعضائها، في سوق النفط العالمية. الثانية نية المتهم، التي تتضمن خفض الإنتاج بهدف رفع الأسعار. الثالثة مدى نجاح "أوبك" في رفع أسعار النفط. الرابعة هي مدى الضرر الذي لحق بالمستهلكين من تصرفات "أوبك". قد لا تجد المحكمة صعوبة في النقطتين الثانية والرابعة، لأنه يمكن بسهولة التفرج على أفلام فيديو داخل المحكمة لاجتماعات "أوبك" في فيينا، والاستماع إلى كل التصريحات الصحافية لوزراء "أوبك". كما يمكن للادعاء العام بسهولة أن يبين أن المستهلك الأمريكي تضرر من ارتفاع أسعار الوقود. لكن عدم القدرة على إثبات النقطة الأولى يمنع المحكمة من الاعتماد على النقطتين الثانية والرابعة، في الوقت الذي ستكون فيه النقطة الثالثة محور جدل كبير.

مشكلة تعريف السوق
مشكلة تعريف السوق هي المشكلة الأساسية التي تواجه المحامين والقضاة في أي قضية تتعلق بالاحتكار. فهل سيطرة "أوبك" على 41 في المائة من الإنتاج العالمي كافية لإدانتها بالاحتكار؟ رغم أن الحصة السوقية تلعب دوراً ثانوياً في أغلب قضايا الاحتكار، إلا أنه حسب القانون الأمريكي يجب ألا تقل الحصة عن 90 في المائة، وهناك حالة واحدة فقط أدينت فيها شركة بالاحتكار، وكان أحد أسباب الإدانة هو سيطرتها على 83 في المائة من السوق. هذا يعني أن أقل حصة سوقية تمت فيها إدانة شركة بالاحتكار تمثل أكثر من ضعف حصة "أوبك" الحالية من أسواق النفط العالمية.
يرى بعض الخبراء أن تعريف السوق يجب أن يركز على كمية التجارة العالمية بالنفط بدلاً من الإنتاج العالمي. في هذه الحالة ترتفع حصة "أوبك" إلى نحو ثلثي النفط المتاجر به عالمياً، الأمر الذي يفسر سبب تركيز الكونجرس في قراره محاكمة "أوبك" على هذا التعريف بدلاً من التعريف الذي يركز على الإنتاج. على الرغم من أن هذه الحصة ما زالت أقل مما تعارف عليه القانون الأمريكي للإدانة بالاحتكار، إلا أنه سينعكس على الإدارة الأمريكية ولن تتمكن من إدانة دول "أوبك" لسبب بسيط وهو أن حصر تعريف السوق بكميات النفط المتاجر به والتركيز على حصة "أوبك" في تجارة النفط الدولية يعني أيضاً التركيز على حصص المستوردين. فمن المعروف أن قوة المحتكر تتلاشى وتقترب الأسعار من أسعار سوق المنافسة إذا كانت هناك قوة مماثلة للمشترين بسبب وجود مشترين كبار في السوق. فإذا كانت "أوبك" تسيطر على ثلثي التجارة العالمية في النفط، ما حصة الولايات المتحدة كمشتري من هذه التجارة؟ الولايات المتحدة تستورد ما يعادل نصف ما تصدره "أوبك"، أو 30 في المائة من تجارة النفط العالمية. هذه حصة دولة واحدة فقط، بينما يبلغ عدد أعضاء دول "أوبك" 12! بعبارة أخرى، حصة الولايات المتحدة كمشتري أكبر من حصة أي دولة نفطية كمصدر، فمن هو المحتكر في هذه الحالة؟
لكن التركيز في هذه الحالة يجب ألا يتم على الولايات المتحدة وإنما على الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية. فإذا كانت "أوبك" هي "ناد للمنتجين" يتم فيه التعاون بين الدول المنتجة للتأثير في الإنتاج والأسعار، فإن الوكالة "ناد للمستهلكين" يتم فيه التعاون بين الدول المستهلكة للتأثير في الاستهلاك والأسعار. في هذه الحالة نجد أن تعريف السوق يختلف تماماً، ويخالف ما يدعيه أعضاء الكونجرس. فحصة "أوبك" من الإنتاج العالمي 40 في المائة، بينما حصة استهلاك الدول الأعضاء في الوكالة أكثر من 70 في المائة.
عادة ما يستعان بعدة مقاييس لمعرفة مدى "تركيز" الصناعة ومدى قوتها الاحتكارية. حتى هذه المقاييس توضح أنه من الصعب جداً إدانة "أوبك" كمنظمة أو دولها الأعضاء منفردة. مثلاً، حصة أكبر أربعة دول منتجة للنفط في العالم أقل من حصة أكبر أربعة دول مستهلكة للنفط بحوالي 3 ملايين برميل يومياً، فمن يتمتع بقوة احتكارية في هذه الحالة، المنتجون أم المستهلكون؟ المثير في الأمر أن الولايات المتحدة نفسها من أكبر أربعة منتجين للنفط في العالم!
أما إذا قصرنا الأمر على تجارة النفط فقط، فإننا نحصل على نتيجة مماثلة: حصة أكبر أربعة مستهلكين في العالم أكبر من حصة أكبر أربعة منتجين. إضافة إلى ذلك فإن حصة أكبر مستهلك، الولايات المتحدة، أكبر من حصة أكبر منتج، السعودية، وينطبق الأمر نفسه على واردات الولايات المتحدة وصادرات السعودية من النفط. والأمر يصبح أكثر طرافة إذا عرفنا أن واردات الولايات المتحدة من النفط أكبر من صادرات كل من روسيا، النرويج، وإيران مجتمعة، علماً بأن هذه الدول هي ثاني وثالث ورابع أكبر مصدر للنفط في العالم على التوالي!

لكن المشكلة أعقد بكثير
المشكلة أعقد مما يتصور الكثيرون. هل ينطبق القانون على الشركات الأمريكية التي تنتج النفط في بعض هذه الدول مثل نيجيريا، الجزائر، وليبيا؟ وهل سيؤدي تطبيق هذا القانون إلى خوف شركات النفط الأمريكية من الاستثمار في العراق؟ وماذا عن الشركات التي وقعت عقوداً مع بعض دول "أوبك" تقضي بتخفيض الشركات للإنتاج إذا طلبت منها الحكومة ذلك تطبيقاً لقرار "أوبك" بتخفيض الإنتاج؟ وإذا قامت الولايات المتحدة بتطبيق هذا القانون، ما مصير الشركات الأمريكية المصدرة لهذه الدول، خاصة الشركات التي تسيطر على أغلب، أو كل السوق في دول أوبك؟ كل ما على دول "أوبك" أن تتبنى القانون الأمريكي وتطبقه في بلادها لإدانة شركة مايكروسوفت وجي أي، وبروكتور أند جامبل، وجونسون آند جونسون، بالاحتكار.
أسئلة للقراء: كم دولة عربية ضمن أكبر عشر دول منتجة للنفط في العالم؟
ما هي حصة شركة مايكرو سوفت من سوق أنظمة تشغيل الحواسيب في السعودية؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي