المستثمرون الأجانب يتهافتون على نوادي كرة القدم الإنجليزية

المستثمرون الأجانب يتهافتون على نوادي كرة القدم الإنجليزية

تخلى مديرو الاتحادات الكروية ومسؤولو نوادي كرة القدم ومدربوها عن كل أمل في أن يأخذوا استراحة صيف تقليدية من هذه اللعبة الوطنية في بريطانيا.
يخلو هذا الصيف من أي بطولات كبرى خارج الأمريكتين، وينبغي بحق أن يكون وقتاً تغلق فيه أبواب الملاعب لمدة شهرين لكي يتمتع الناس بإجازة يستحقونها. ولكن الناس الوحيدين الذين يتوقع أن يفعلوا ذلك هم لاعبو كرة القدم المحترفون الذين يتقاضون أجوراً عالية. وبالنسبة للآخرين الذين يكسبون عيشهم من هذه اللعبة، هناك أمور مستعجلة لا بد من الانتهاء منها- انتقال اللاعبين، وحملات التسويق، فواتير الأجور الضخمة، وفوق هذا وذاك، الاستحواذ على النوادي الإنجليزية الرائدة.
ذلك أن عملية شراء نادي مانشستر يونايتد قبل سنتين واللغط الذي دار حولها، من قبل صاحب فريق تابع للاتحاد الوطني الأمريكي لكرة القدم في ولاية فلوريدا أصبحت هي العرف في كرة القدم الإنجليزية: إذ إن المشترين الخارجيين وخاصة من الولايات المتحدة، ينتقون أنجح النوادي وأكثرها شعبية في سلسلة من الصفقات التي تركت المشجعين يتعجبون من السرعة التي تتم بها هذه الصفقات ومن ضخامتها.
لا يعد أصحاب الامتيازات الرياضية الأمريكيون الوحيدين الذين يسعون إلى شراء نوادي كرة القدم الإنجليزية. إذ إن هذه اللعبة، كغيرها من الصناعات البريطانية، أخذت توجد مجموعة انتقائية من المالكين، من بينهم الأثرياء الروس وصاحب محال هارودز المصري المولد. كما أن أحد رؤساء الوزارة السابقين في تايلاند قريب من شراء أحد النوادي، ويعتقد أن أحد مؤسِسَي شركة مايكروسوفت مهتم بشراء ناد آخر، بينما كان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، على وشك شراء نادي ليفربول الذي يعد من أنجح النوادي الإنجليزية، ولكن الصفقة فشلت.
يعد دوري أندية الدرجة الأولى الذي تتنافس فيه صفوة النوادي الإنجليزية، وهو الدوري الذي يتم فيه جمع أكبر قدر من الأموال، الأرضية والفرصة المناسبة للمهتمين بشراء النوادي. ويتحدث المستشارون الماليون دون اكتراث عن احتمال أن تنتقل جميع النوادي العشرين التي تتنافس في هذا الدوري إلى مالكين جدد مع نهاية هذا العام.
نظراً لأن كرة القدم هي الرياضة الوحيدة في العالم التي تظهر فيها الفرق العالمية، فإن هناك من يغريهم امتلاك واحد من أعرق النوادي في العالم تمتد قاعدة معجبيه ومشجعيه في عدة قارات. ولكن قدوم أصحاب الامتيازات الرياضية في الولايات المتحدة تثبت أنه، في أعقاب سنوات تعرضت فيها إلى خسائر كبيرة بسبب الإدارة غير الفاعلة، أخذت نوادي كرة القدم الإنجليزية تحذو حذو الشركات الناجحة.
في الموسم الذي انتهى منذ عهد قريب، قام مستثمرون أجانب بشراء أندية ليفربول، ووست هام يونايتد اللندني وأستون فيلا، وكانت هذه النوادي تقليدياً مملوكة لأناس من أهل البلد. وقام مجلس إدارة نادي آرسنال أيضاً بتشديد الإجراءات التحرزية التي من شأنها منع انتقال النادي إلى جهة أخرى. وهناك حديث عن أن نادي مانشستر سيتي، الذي طالما عاش في ظل جاره مانشستر يونايتد على وشك أن يتم بيعه. وفي الشهر الماضي، قام مفترس آخر بشراء أكثر من 40 في المائة من نادي نيوكاسل يونايتد، ولكن هذا الشخص قلب التوجه السائد، لأنه تبين أنه إنجليزي.
إن ما يجذب هؤلاء المستثمرين للنوادي الإنجليزية هو الفرص التسويقية التي لم يكن المالكون السابقون مستعدين أو قادرين على استغلالها. فبالنسبة للمستثمرين الأمريكيين، يمكن أن يكون لذلك صلات بالامتيازات الرياضية في الولايات المتحدة. وما زال مجلس إدارة نادي آرسنال متشككاً في نوايا ستان كروينكي، الملياردير الأمريكي ومالك فريق كولورادو رابيدز، الذي يمتلك حصة 12 في المائة في النادي المذكور، ولكن الجهتين ما زالتا تعتزمان تطوير شراكة تسويقية فيما بينهما.
والأهم من ذلك، أن المشترين الأمريكيين يرون في صفقات حقوق البث التلفزيوني الجديد لمباريات دوري الدرجة الأولى فرصة لتحقيق ربح جيد. ذلك أن النوادي العشرين سوف تتقاسم مبلغ 2.7 مليار جنيه استرليني (5.4 مليار دولار، أربعة مليارات يورو) التي ستحصل عليها من بيع حقوق بث المباريات في الداخل والخارج في السنوات الثلاث المقبلة. ويعتقد أن المباراة النهائية التي جرت الشهر الماضي لتحديد الفرق التي ستنتقل إلى دوري الدرجة الأولى في الموسم المقبل عادت على الفريق الفائز، وهو فريق ديربي كاونتي، بمبلغ 60 مليون جنيه استرليني.
في الأسبوع الماضي، قامت "ديلويت"، التي تصدر التقرير السنوي حول اقتصاديات كرة القدم، بنشر تقريرها الأخير الذي توقعت فيه أن تزداد إيرادات دوري أندية الدرجة الأولى بمبلغ 365 مليون جنيه استرليني لتصل إلى 1.77 مليار جنيه في موسم 2007- 2008، وهو أول موسم يأتي بعد إتمام الصفقات الجديدة. وهذا الرقم يجعل دوري أندية الدرجة الأولى الإنجليزي يتفوق في إيراداته على البطولات المنافسة له في إيطاليا، ألمانيا، إسبانيا، وفرنسا. ومن المتوقع أن تتضاعف الأرباح التشغيلية إلى 260 مليون جنيه استرليني في النوادي العشرين.
وبالطبع لن تنتقل جميع النوادي إلى مالكين جدد بالسرعة التي يعتقدها الخبراء الماليون. فإلى جانب المقاومة التي يبديها مجلس إدارة نادي الآرسنال، يقوم مالكو نوادي توتينهام هوتسبير، ووايجان أثليتيك، وسوندر لاند الذي ارتقى إلى أندية الدرجة الأولى أخيراً، بتطوير أنديتهم عبر مراحل مختلفة من خطط التعافي والنمو التي تم إعدادها بعناية.
ولكن المؤسسة القديمة لأصحاب النوادي الإنجليزية تتداعى بسرعة، وأخذت تخرج بسرعة من غرفة مجلس الإدارة عبر تسوية الديون التي مضى عليها عهد طويل، وعبر تقديم وسادة مرضية من الأموال من جانب المشترين الجدد الذي يعدون بإنشاء ملاعب جديدة لهذه النوادي وضخ دماء جديدة في لاعبيها.
كان قدامى أصحاب النوادي هم من رجال الصناعة المحليين الذين وظفوا امتيازات كرة القدم في مدنهم لتعزيز الروابط مع المجتمعات التي كان يعيش فيها العاملون لديهم- المورز في ليفربول، والهولز والشيباردز في نيوكاسيل، والديدلي دوج إليس في بيرمنجهام. ومهما كان النجاح الذي تحققه النوادي التي تملكها على أرض المعلب، يبدو أن هذه العائلات لم تفكر في بيع كنوزها الفضية.
ليس من المحتمل أن يكون خلاص النوادي من الأوضاع التي تمر فيها على أيدي المستثمرين الأمريكيين. ذلك أن مشجعي كرة القدم الإنجليزية معتادون على مالكين ليس لديهم مشكلة في إقناع هؤلاء المشجعين بأنهم يحبون هذه اللعبة والنادي الذي يمتلكونه. وإن استعداداهم للتخلي عن الملايين التي تمتلكها عائلتهم الثرية، عبر الاستحواذ الارتجالي على مدير عاثر الحظ أو حارس مرمى غير كفؤ فيه تأكيد لمؤهلاتهم.

إن هذه الطليعة الجديدة من رجال الأعمال الأمريكيين تضع المشجع الإنجليزي في وضع غير مألوف لديه. وقد يكون هؤلاء المالكون الجدد من هواة الرياضة لأنهم يمتلكون جميعاً امتيازات رياضية في الولايات المتحدة. وتثير خطط عملهم شهية المشجعين. ولكن هل يحصل هؤلاء المالكون الجدد حقيقة على ما يطلق عليه الأمريكيون كرة القدم.
وتلقى مالكولم جليزر، مالك فريق تامباباي بوكانيرز، وأولاده، حدس داخلي مؤلمة في ذلك التوجه، حين قوبل شراؤهم لنادي مانشستر يونايتد بقيمة 809 ملايين جنيه استرليني بالسخرية والازدراء من جانب عدد كبير من جماهير النادي. وتكاثرت القصص في أروقة الفنادق، حيث أدى ذلك الاستيلاء العدائي إلى إشعال شعور بالكره للأمريكان معطياً المعارضين وقتاً لعرض جدلهم ولا سيما في ظل المديونية التي عانى منها النادي بعد الصفقة.
غير أن نجاح الدعاية منح لآل جليزر وصفة جيدة. فحين استطاعوا توسيع العضوية في النادي لهذا العام حتى بلغت 76 ألف عضو، فاز مانشستر يونايتد بالدوري الإنجليزي. ومع ذلك، يبقى هنالك هامش صغير للخطأ. ويقول آل جليزر إنهم باقون في هذه التجارة على المدى الطويل، وإن لديهم وسائل لتحسين التسويق، والعلامة التجارية الدولية لهذا النادي. غير أن عملية الاستيلاء هذه أدت إلى خسائر قبل احتساب الضرائب في شركة Red Football، الشركة القابضة لهذا النادي. وبلغت الخسائر 138 مليون جنيه استرليني، كما بلغت الديون 660 مليون جنيه استرليني، حيث تبلغ تكاليف خدمتها 60 مليون جنيه استرليني سنوياً. ويخمن بعض المراقبين بأن صفقة بيع هي الوسيلة الوحيدة التي يستطيع من خلالها آل جليزر رؤية عوائد على استثماراتهم.
ليست هنالك من ضمانة لمستقبل مشرق جديد لهذه الأندية ومالكيها. وإن من شأن تلك الصفقات التلفزيونية إشعال نيران المطالبة بأجور أعلى، حيث تتوقع "ديلويت" أن تتخطى هذه الأرقام في هذا الفصل مليار جنيه استرليني للمرة الأولى. وتأتي على قمة ذلك الاستثمارات المطلوبة بشدة في تطوير الملاعب التي تبلغ 2.2 مليار جنيه استرليني للنوادي الإنجليزية اـ 92 المحترفة، حيث تم إنفاق ثلاثة أرباعها في دوري الدرجة الأولى. وترك التطوير الجديد لملعب نادي آرسنال اللندني تحت عبء ديون كبرى، إذ يقول بعض مؤيديه إن ذلك يعوق شراء لاعبين جدد. كما أن نادي ليفربول بدأ بالعمل على تطوير مرافقه الجديدة. ويتوقع المزيد من التطوير، حيث بلغت نسبة حضور الجماهير أكثر من 90 في المائة في 70 في المائة من أفضل 380 مباراة تمت في هذا الدوري.
ولكن نظراً لموجوداتها الأوسع نطاقاً، فإن نوادي كرة القدم هذه تبدو رخيصة نسبياً من وجهة نظر المالكين الأمريكيين. إلا أن مانشستر يونايتد استثناء لهذه القاعدة. اشترى راندي ليرنر، صاحب نادي كليفلاند براونز أمريكان لكرة القدم، نادي أستون فيلا مقابل 63 مليون جنيه استرليني. أما نادي ليفربول فاشتراه كل من جورج جيليت، صاحب نادي مونتريال كاناديانز للهوكي على الجليد، وتوم هيكس، صاحب نادي دالاس ستارز للهوكي على الجليد، وكذلك فريق تكساس رينجرز للبيزبول، مقابل 219 مليون جنيه استرليني. وقاد إيجيرت ماجنوسن التحالف الأيسلندي الذي ضم رئيس مجلس إدارة بنك لاندزبانكي الأيسلندي لشراء نادي وست هام يونايتد بمبلغ 85 مليون جنيه استرليني.
يأتي على أطراف دوري الدرجة الأولى نادي ساوثهامبتون الذي اجتذب اهتمام بول ألن، المؤسس المشارك لشركة مايكروسوفت. ولن يرف رمش لتاكسين شيناواترا، رئيس وزراء تايلاند المطاح به الذي حصلت عائلته على مبلغ 1.9 مليار دولار غير خاضعة للضرائب من بيع حصتها من شركة شن كورب إلى شركة تيماسيك هولدنجز السنغافورية، حين يدفع نحو 80 مليون جنيه استرليني في شراء نادي مانشستر سيتي.
إن أحد الأمور التي تجذبه صوب هذا النادي من نوادي الدرجة الأولى هو الاهتمام الواسع الذي يلقاه هذا الدوري في تايلاند، حيث تنقل مبارياته عبر العالم، إما مباشرة، أو في مواعيد مؤخرة في نهاية الأسبوع. ويقول دان جونسون، من الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم: "شهدنا اختراقات في أسواق لم نكن نشهد اهتماماً من جانبها في الماضي، أو لم نكن نرى سوى اختراقات أقل." وحقق الدوري هذا الموسم انتشاراً أوسع بوجود لاعبين من إفريقيا، جنوب شرق آسيا، أمريكا الجنوبية وجميع أنحاء أوروبا، حيث احتل الموضوع صفحة الغلاف الأولى لمجلة "تايم".
تحير كل هذه النشاطات المتعلقة بالاستيلاءات الشرائية إداريي كرة القدم على مستوى القارة، من أمثال ميشيل بلاتيني، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. وقال بلاتيني في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز" الشهر الماضي، إن عمليات شراء النوادي الإنجليزية تمثل جزءاً من "التحررية" التي تحكم نشاط الشركات في المملكة المتحدة. أما النوادي الكبرى الأخرى في هذه القارة، مثل ريال مدريد وبرشلونة في إسبانيا، وآي سي ميلان ويوفنتوس في إيطاليا، فتسيطر عليها نخب عائلية أو اتحادات المؤيدين. وبالتالي، فإن الملكية الأجنبية لها لا تلقى تأييداً.
وقال بلاتيني: "إذا كانت قوانينكم تسمح لمواطن أمريكي أو سعودي بشراء نادٍ ما، فإن بإمكانه أن يفعل ذلك، ولكنني لا أفضل ذلك." وأضاف: "إنني أرى أن نوادي تشيلسي، آرسنال أو وست هام جزء من إرث إنجلترا، وهي جزء من التراث الإنجليزي. والمسألة ليست مجرد مسألة كرة قدم، ولكن الأمر يتعلق بالمجتمع، الحكومة ووزير الرياضة. أما أنا، فأحب الهوية المستقلة."
يفضل بلاتيني أن تكون الاتحادات الوطنية الرياضية وطنية ما أمكن ذلك بدءا من المالكين حتى أصغر اللاعبين سناً. ويقول: "إذا كان لديكم رئيس نادٍ من روسيا، ومدرباً من البرتغال، و15 لاعباً من فرنسا، فلماذا تلعبون في دوري الدرجة الأولى الإنجليزي؟"
إن نادي تشيلسي الذي يملكه رجل روسي، ويدربه رجل برتغالي هو النادي الذي تستمر ملكيته الأجنبية في إقلاق جمهور كرة القدم الإنجليزي. وخصص رومان أبراموفيتش، الملياردير الروسي الذي يملك النادي مبلغ 485 مليون جنيه استرليني، قبل بداية الموسم، لديون وأسهم هذا النادي الذي استطاع الحصول على الدوري الإنجليزي مرتين خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وتأتي ديونه التي كانت 180 مليون جنيه استرليني في بداية الموسم بعد ديون آرسنال مباشرة.
ولكن بينما نجد أن جماهير المعجبين تشكو من هيمنة تشيلسي ومانشستر يونايتد على قمة الدور الإنجليزي، كما تراقب بعصبية استمرار رفع الناديين لأسعار تذاكرهما، فإننا نلاحظ في الوقت ذاته قوائم الانتظار الطويلة للتذاكر عبر البلاد، مما يعكس ما يبدو أنه طلب لا يتوقف على مشاهدة أعلى مواهب كرة القدم العالمية. وبالنسبة إلى الكثيرين من جماهير النوادي الإنجليزية، ومالكيها الجدد، فإنهم يتشوقون إلى قدوم الموسم الجديد.

الأكثر قراءة