مشروع جاليليو الفضائي الأوروبي ..الفشل قبل الانطلاق
يتيه رائد الفضاء توماس رايتر فوق السحب فخرا بالقارة الأوروبية ويقول : من الفضاء الخارجي تبدو أوروبا رائعة جدا، وزملائي من القارات الأخرى يحسدونني دائمـا. ولكن على الكرة الأرضية، وعند النظر إلى الفضاء الخارجي تقدم القارة نفسها مسرحية محزنة. فبكل شجاعة انطلق الأوروبيون قبل أعوام لتطوير بديل لنظام تحديد المواقع بالأقمار الصناعية الأمريكي جي بي إس GPS وكان من المقرر أن يكون النظام البديل عاملا اقتصاديا من الدرجة الأولى. والآن يقف المعنيون مع مشروعهم الذي أطلقوا عليه اسم جاليليو أمام كومة حطام فالاتحاد المؤسسي الخاص لإدارة المشروع سينحل.
في الأصل كان من المقرر، أن تقوم شركات خاصة بتأسيس نظام جاليليو على نفقتها الخاصة، وتحصل كأصحاب امتياز على الإيرادات لمدة عامين. ويحمل هذا النوع من المشاريع اسم الشراكة العامة الخاصة Public Private Partnership وأما الآن فلم يتمخض عن المشروع أي شيء، وسوف تقوم بروكسل بطرح المشروع من جديد، وتمويل المشروع سيقع على عاتق دافعي الضرائب.
المسؤول عن هذه الأزمة هي الحقيقة الواقعية، أنه على مدى سنين ولغاية اليوم من غير المعروف من له الكلمة الأخيرة في نظام جاليليو. الائتلاف المؤسسي الذي يتكون من ثماني شركات فضاء والذي كان من المقرر أن يؤسس النظام ويديره، لم يستطع أن يقدم مديرا قادرا على التصرف؛ ناهيك أن الشركات كانت تريد أن تطرح توزيع المهام بكل صراحة أو أن توقع جميعها على عقد امتياز. ويبدو أن الإنذار الأخير الذي وضعه المفوض الأوروبي لشؤون المواصلات جاكو بارروت ستنتهي مدته بدون نتيجة. ويقول خبراء في عالم الملاحة الفضائية في وصف الأحداث أمر مخز يبحث عن مثيل له، ويتذكر الخبراء الجدال الطويل الذي لف مشروع الرسوم على الشاحنات لاستخدام الطرق السريعة في ألمانيـا.
وما يزيد الغضب في هذه المسألة، أن الائتلاف المؤسسي يشمل شركات أوروبية رائدة في قطاع الفضاء: مجموعة الملاحة الجوية اي آيه دي إسEADS ، الإيطالية فينميكانيكا Finmeccanica ، الشركة الفرنسية الكاتل Alcatel وتاليز Thales، البريطانية إنمارسات Inmarsat، والإسبانية اينا Aena وهيسباسات Hispasat وكذلك الألمانية تيليوب Teleop التي تسهم فيها أيضا شركة الاتصالات الألمانية تيليكوم.
ولماذا فشل هذا المشروع بهذه الصورة الشنيعة، يريد مفوض المواصلات الأوروبي باروت توضيحه من خلال تحليل. والأمر الواضح الآن مسبقا: المسألة تدور حول خليط من أنانية قومية ومطالب إضافية دائمة أعاقت عملية التطوير. كان النزاع حول مواقع المخاطر والتأمين ضدها. وهكذا أصبح السؤال معلقا في الهواء: من سيتحمل الخسائر في حالة وقوع أضرار، الشركات الخاصة أم الحكومـة؟ القطاع الصناعي لا يريد أن يتحمل التكاليف، إذا ما وقعت طائرة موجهة من قبل جاليليو أو في حالة أن جنحت سفينة شحن بالخطأ على اليابسـة.
في الأصل كان من المقرر أن يبدأ جاليليو مع 30 قمرا صناعيا بإرسال بياناته لتحديد الموقع في اتجاه الكرة الأرضية ابتداء من عام 2008. ولكن سرعان ما كان الموضوع مستحيلا. فالمشروع لن ينطلق بأي حال من الأحوال قبل عام 2010 - هذا إذا كان هناك فعلا من يعرف الموعد.
ولكن الأوروبيين لا يستطيعون أن يتنازلوا تماما عن هذا المشروع الذي يعني لهم الهيبة والشهرة، ولاسيما أنهم وجدوا المشروع مقدمـا على أنه أفضل من نظام جي بي إس. وعلى ذلك أكد متحدث باسم المفوض الأوروبي باروت: المفوض عقد العزم على إرجاع جاليليو إلى المسار الصحيح. فهو مشروع لا يمكن الاستغناء عنه. المسار الصحيح يعني، أن التصميم الأساسي سيصبح أمرا مشكوكا فيه. فإن مشروع الشراكة العمومية الخاصة والذي تتراوح كلفته ما بين 3.5 إلى 4 مليارات يورو، سيصبح مشروعا حكوميا اعتياديا، وسوف يحظى القطاع الخاص بنصيب في المشروع فقط كمتعهدين اعتياديين.
وتحت هذه الشروط يجب تمويل المشروع بأكمله من أموال الضرائب. وحسبما ذكرت الأنباء فإن جزءا من المبلغ المطلوب لتكلفة المشروع البالغة 3.4 مليار يورو قد تم جمعها، حيث إن الأبحاث حول هذا المشروع جارية منذ بضعة أعوام، وهناك قمر صناعي واحد لا غير يدور في مساره حول الكرة الأرضية منذ عام 2005. وما بقي حسب الأنباء الواردة، نفقات بقيمة 2.4 مليار يورو والتي يجب أن يتحملها دافعو الضرائب. وإذا ما تم فعلا إنهاء مشروع جاليليو، فحينها يمكن إعطاء إدارته لشركة خاصة - وهذا بدوره يتطلب تأسيس ائتلاف مؤسسي جديد.
والآن لا يبقى إلا الأمل في أن يتفق وزراء المواصلات الأوروبيون - على خلاف الصناعة - على اتباع إجراء موحد، وإلا فإن جاليليو سيهيم فعلا في الفضاء ضائعـا.