آلاف من الوافدات المخالفات يعملن في المشاغل ومراكز التدريب والمدارس الأهلية

آلاف من الوافدات المخالفات يعملن في المشاغل ومراكز التدريب والمدارس الأهلية

آلاف من الوافدات المخالفات يعملن في المشاغل ومراكز التدريب والمدارس الأهلية

كشف تقرير حكومي حديث، عن وجود أعداد كبيرة من العمالة النسائية الأجنبية تعمل بصورة غير نظامية في قطاعات عمل مختلفة في القطاع الخاص، مشيرا إلى أن معظمهن قدم للمملكة كمرافقات للزوج أو الأب, ومن ثم عملن في مؤسسات وشركات خاصة بصورة مخالفة لقوانين العمل والعمال المعمول بها في المملكة.
وبين التقرير الصادر عن هيئة الرقابة والتحقيق ـ حصلت "المرأة العاملة" على نسخة منه ـ عن وجود ما يقارب 416 عاملة أجنبية مخالفة لنظام العمل يعملن في مشاغل نسائية، وذلك في مسح لنحو 80 مشغلا فقط من أصل 1611 مشغلا، في مدينة الرياض وحدها وفي فترة شهر واحد فقط. كما أظهر التقرير وجود 1808 مخالفات في عدد 85 مدرسة أهلية للبنات من أصل 507 مدارس في الرياض, وفي جولة شملت 400 مدرسة للبنات والأولاد في عدد من مدن المملكة بلغ عدد المخالفات اللاتي تم حصرهن خلال مدة المسح 3878 مخالفا ومخالفة.
ويأتي هذا التقرير في ظل إحصائية رسمية تشير إلى أن عدد السعوديات العاطلات عن العمل في المملكة يبلغ 26.3 في المائة، ورغم أن هناك حملات تفتيش تنفذها الجهات الحكومية وغرامات مالية تفرض على المخالفين، إلا أن الظاهرة مازالت موجودة ومنتشرا في مختلف المنشآت النسائية فهل الخلل في النظام أم في التطبيق أم في العمالة السعودية؟
"المرأة العاملة" طرحت هذه التساؤلات على عدد من الأكاديميين والمسؤولين في محاولة لمعرفة حدود الظاهرة وأسبابها وكيفية الحد من انتشارها.. وهنا تفاصيل التقرير:

النسب رغم ارتفاعها قليلة مقارنة بالواقع

وعن تلك النسب التي كشفت عنها الجولات التفتيشية لهيئة الرقابة ومدى واقعيتها أوضح الدكتور سالم القحطاني أستاذ الإدارة في جامعة الملك سعود، أن تلك النسب قليلة جداً مقارنة بالواقع حيث إنها أجريت في مدة معينة وشملت شريحة بسيطة من المنشآت الأهلية، مبينا إمكانية تطبيق قانون "بريتو" على تلك النسب لنجد أنها تساوي 20 في المائة فقط من المشكلة بينما ما يقارب 80 في المائة من الظاهرة مستتر، وهو الجزء الأكبر، والذي يشبه الكتلة الكبيرة من جبل الجليد الذي في العادة لا يكون ظاهراً للعيان وإنما يكون تحت الماء أي غير مكشوف.
ويبين الدكتور القحطاني أن ظاهرة عمل غير السعوديات تشكل إحدى الظواهر المؤثرة بشكل سلبي في الاقتصاد السعودي وخاصة لما لها من تأثيرات سلبية في العمل بشكل خاص وفي النشاط الاقتصادي بشكل عام.
وأضاف" يمكن تلخيص أهم التأثيرات الاقتصادية بتقلص الفرص الوظيفية للسعوديات نتيجة شغلها بغير السعوديات ما يؤدي إلى انخفاض معدل دخلهن وبالتالي تنامي ظاهرة الفقر وما يترتب عليها من آثار اجتماعية هائلة, كما أن سيطرة غير السعوديات على الوظائف تؤدي إلى هجرة الأموال من المملكة إلى الخارج ما ينتج عنه ضعف عام للاقتصاد وفقدان مصدر مهم من موارد الدولة النقدية التي تخرج إلى الخارج دون أن تسهم أو تضيف أي قيمة مضافة إلى الناتج المحلي, هذا بالإضافة إلى استمرار ضعف مهارات وقدرات العمالة السعودية وعدم قدرتها على المساهمة في الناتج الوطني بالشكل الذي يجعلها لبنة فعالة في البناء الاقتصاد نتيجة للاعتماد على العمالة غير السعودية".

تدني الرقابة أسهم في تفشي الظاهرة
ويلقى الدكتور القحطاني باللوم على الجهات الرقابية في تفشي ظاهرة عمل غير السعوديات ويقول إن عدم وجود رقابة صارمة على مواقع العمل المختلفة من الجهات المعنية للتأكد من أن كل من يعمل بها هم من العمالة النظامية، أدى إلى تساهل جهات القطاع الخاص بتطبيق النظام، وزاد" فكما يقولون من أمن العقوبة أساء الأدب, وكون العاملات غير السعوديات يعملن برواتب أقل بكثير مما تعمل به السعوديات ما جعلهن أكثر تقبلاً لدى أصحاب العمل حتى وإن كان ذلك يعني مخالفة النظام، وربما يكون عدم خوف من النظام أو لقناعاتهم بأن النظام لا يجد سبيله إلى التطبيق".
ولفت القحطاني إلى دور أصحاب المنشآت في انتشار العمالة المخالفة في عدد من المهن لعدم وجود وازع ديني أو وطني لدى من يخالف نظام الدولة بجهل منهم أو بقصد، فالمواطنة الحقة تتطلب من صاحب العمل أن يكون نظامياً وأن يمتثل لأمر ولي الأمر, كما يتطلب الأمر منه أن يكون وطنياً ويعطي الفرصة للمواطنات الراغبات في العمل حفاظاً على مقدرات الوطن ونفعاً لمن هم فعلاً في أمس الحاجة إلى العمل، خاصة إذا عرفنا بأن معظم غير السعوديات اللاتي يعملن هن من المرافقات لأزواجهن أو بعض المقيمات غير النظاميات.
أما عن دور الهيئات والمؤسسات الحكومية المعنية أوضح الدكتور القحطاني أن الهيئات المعنية كوزارة العمل والجوازات، وغيرها من الأجهزة ذات العلاقات كإمارات المناطق تعتبر المسؤولة عن الحد من هذه الظاهرة.
وزاد" " لكن إذا عرفنا أن مدينة مثل الرياض لا يوجد بها إلا 15 مفتشاً في مكتب العمل، كما أعتقد أن عدد المفتشات أقل من ذلك كثيراً فإنه لا يمكن ضبط هذه الظاهرة، وإذا كانت نسبة البطالة بين السعوديات هي نحو 26 في المائة حسب إحصائيات وزارة العمل، فالسؤال هو ماذا عملت الوزارة من أجل محاصرة ظاهرة البطالة بين السعوديات الراغبات في العمل ومحاربة ظاهرة غير السعوديات اللاتي يستولين على هذه الوظائف دون وجه حق وإنما بسبب مخالفة مواطن أو مواطنة للنظام وغياب رقابة أو تطبيق للنظام من الجهة المسؤولة".
من جانبه قال سامي المبارك مدير مكتب العمل في الرياض" يقوم القسم النسائي التابع لوزارة العمل بجولات تفتيشية, وإن كانت لم تصل إلى الحد الذي نطمح إليه بسبب حداثة إنشاء القسم وقلة عدد المفتشات" مبينا أن مكاتب العمل تقوم بضبط المخالفات على المنشآت والعاملات.
وقال المبارك إن الوزارة تسعى للحد من منافسة المقيمات أو العاملات بصورة غير نظامية، للسعوديات الراغبات في العمل، إلا أن الدور الرئيسي يبقى منوطا بالمواطن أو المواطنة أصحاب المنشآت التجارية، إذ إن عدم استقبالهم لهؤلاء الموظفات كفيل بحل جزء كبير من المشكلة.

التحويلات النقدية والآثار الأمنية للمشكلة

يعود الدكتور القحطاني ليؤكد أن وجود عدد كبير من العمالة غير السعودية ترتب عليه عدد من المحذورات والمشاكل الاقتصادية والأمنية والاجتماعية والتي تنعكس سلباً على المجتمع في المدى القصير والطويل على حد سواء, موضحا ما لهذه الظاهرة من آثار ثقافية واجتماعية سلبية مثل ظهور أنماط جديدة للحياة الاجتماعية والتأثير سلباً على ثقافة الشباب، وتدني مستوى الإنتاجية للسعوديين والتأثير السلبي على اللغة والعادات والثقافة المحلية.
ويستطرد " أما الآثار الاقتصادية فمنها مزاحمة العمالة السعودية، والتحويلات النقدية الهائلة إلى الخارج التي بلغت(أكثر من 60 مليار ريال سنوياً)، ورفع معدلات الإنفاق على المرافق العامة, ومن الآثار الأمنية شل حركة الإنتاج بالنزوح الجماعي وقت الأزمات، والتأثير في اتجاهات مضادة ومؤثرة للدين والسياسة والقيام بدور مضاد للنظام السائد في البلاد وإعطاء حجم ومبررات للتهديد والابتزاز الداخلي والخارجي والغزو المبطن لتقسيم مقدرات الشعب واستغلال المنظمات الإجرامية للعمالة الوافدة".
وتابع القحطاني" كما أن تركز العمالة الأجنبية في بعض الأحياء يجعلها في حالة صعوبات أمنية، وزيادة نسبة الجرائم كما أنه لا بد أن ندرك بأن هناك آثارا أخرى يتركها  المتخلفون، وكذلك التستر، وغير ذلك من إشغال الأجهزة المعنية بمواضيع استقدام العائلات بطرق غير نظامية، ونقل الكفالات وغيرها.

دراسة: 83 في المائة من الإناث يجهلن الفرص المتاحة في القطاع الخاص

تلقي صاحبات المشاغل باللوم في بعض الأحيان على السعوديات الراغبات في العمل في القطاع الحكومي فقط، مشيرات إلى أن الكثير منهن لايقبلن بوظائف معينة نظراً لطبيعة تلك الوظائف أو لتدني الأجور، لذلك احتكرت هذه الأعمال الأجنبيات.
وهنا تقول أم عبد الرحمن صاحبة مشغل، إن معظم السعوديات لا يقبلن العمل في المشاغل نظراً لطول ساعات العمل وتدني الرواتب, فمعظم السعوديات يفضلن العمل في الوظائف الإدارية ما يضطرنا إلى الاستعانة بذوات الخبرة من الوافدات كخبيرات تجميل.
وتوضح أم عبد الرحمن أنها لا تعلن عن حاجتها إلى موظفات بل تعتمد على التوصيات سواء من الموظفات في المشغل أو من المعارف, بينما ذكرت ليلى الدهامي مديرة مدرسة أهلية أن معظم المدارس الأهلية توظف مدرسات أجنبيات لسن على كفالتها نظراً لحاجة تلك المدارس إلى خبراتهن خاصة في تخصصات معينة، إضافة إلى إجادتهن فن التعامل مع الأطفال لأن كثيرا منهن متوسطات في السن وقضين فترة طويلة في سلك التعليم، أما بالنسبة إلى السعوديات فقد أثبتن جدارتهن في مختلف التخصصات إلا أن معظمهن حديثات التخرج تنقصهن الخبرة الكافية في التعامل مع الأطفال خاصة في الفصول الأولية.
هذا وأظهرت دراسة سابقة أعدها مجلس القوى العاملة في السعودية (وكالة التخطيط في وزارة العمل) أن 83 في المائة من الإناث ليس لديهن إلمام بفرص العمل في القطاع الخاص, حيث أشارت الدراسة التي أعدها الدكتور سمير مرشد والدكتور إبراهيم كتبي من جامعة الملك عبد العزيز أن أبرز المعوقات التي تحد من توظيف العمالة السعودية في القطاع الخاص عدم توافر معلومات كافية ومحددة حول الفرص الوظيفية المتاحة. وفي هذا الإطار يرى الدكتور القحطاني أن الكثير من أصحاب المنشآت وخاصة في القطاع الخاص لا يعلن عن الوظائف المتاحة لديه إلا إذا كان هذا بدافع من وزارة العمل أو في حالة أنه تعذر عليه الحصول على العمالة المطلوبة من السعوديين أو غير السعوديين نظاميين أو غير نظاميين. ويضيف " للتعامل مع هذه الظاهرة فإن على وزارة العمل أن تجبر المؤسسات الخاصة على الإعلان على الأقل مرتين كل عام عن الوظائف الشاغرة، وعند التعيين على وظيفة معينة لا بد من أن يوجد في ملف الموظف المعين صورة من الإعلان الذي نشر والذي بموجبه تم توظيف هذا الموظف، كما أن على الغرف التجارية أن تتحمل مسؤوليتها بأن تتيح بمجلاتها ونشراتها فرصة للمنشآت الصغيرة لتعلن عن الوظائف المتاحة لديها.

إنشاء منظمات أهلية تدعم سعودة الوظائف
في مقال سابق للدكتور عبد الواحد الحميد وكيل وزارة العمل بعنوان "مأزق اسمه العمالة الوافدة" بين أن مشكلة العمالة الوافدة مشكله عالمية تعانيها معظم الدول, مؤكداً أن السعودة ضرورة ملحة وليست دعوة عنصرية كما أنها لا تقلل على الإطلاق من جهود العمالة الوافدة في تنمية البلاد، مشيراً إلى أن الدولة مسؤولة عن توظيف أبناء البلاد قبل الوافدين، وذلك حسب رأيه من أبسط البديهيات التي يدركها الإنسان.
وقال الحميد في مقاله" إن المواطن السعودي لم يكن بوسعه منافسة العمالة الوافدة لأسباب اقتصادية واجتماعية، فالسعودي لا يستطيع القبول بالأجر المنخفض الذي تقبله العمالة الوافدة، كما أن إنتاجية العمالة الوافدة تختلف عن إنتاجية السعودي، فالعامل الوافد يقبل بالعمل لساعات أطول ويقبل العمل في بيئة عمل صعبة لأنه جاء في مهمة مؤقتة يريد أن يجمع خلالها المزيد من الأموال، أما السعودي فلديه التزامات اجتماعية ومعيشية مما لا يتيح له أن يعمل نفس عدد الساعات التي يقبل بها العامل الوافد ما أدى إلى تفضيل القطاع الخاص للعامل الأجنبي على العامل السعودي".
كما أشار الدكتور الحميد إلى وجود عدد من المنظمات في الدول الغربية وذكر منها على سبيل المثال منظمة أمريكية تطلق على نفسها " أنقذوا الوظائف الأمريكية" وشعارها الوظائف الأمريكية للأمريكان أولاً وتهدف إلى حماية الأمريكيين من مخاطر البطالة وذلك بمنع غير الأمريكيين من العمل في أمريكا, مبينا أن نشاط هذه المنظمات لا يقتصر على التوعية الإعلامية وإنما تعمل على إجراء الدراسات وتجنيد الأتباع والمؤيدين من أعضاء الكونجرس والسياسيين, كما أشار إلى وجود منظمات مشابهة في ألمانيا.
وحول فعالية إيجاد منظمات مشابهة في المملكة قال الدكتور القحطاني إن وجود جمعيات أهلية تعنى بتوظيف السعوديين في القطاع الخاص أمر مطلوب يكمل ما تقوم به الدولة من جهود، موضحا أن مثل هذه الجمعيات تخدم القطاعات المعنية من المواطنين, كما أنها تكون أقرب إلى الواقع وهي في الغالب تعمل كجهة متطوعة يكون هدفها خدمة المجتمع، كما ستسهم في تعليق الجرس في الحالات التي لا تصل إليها الأجهزة الحكومية أو تكون بمنأى عن عين الرقيب.

الأكثر قراءة