وضع الشخص المناسب في المكان المناسب- كيف ولماذا؟
وضع الشخص المناسب في المكان المناسب- كيف ولماذا؟
توظيف الناس العظام هو أمر في غاية الصعوبة. ولا تأخذ بكلامي فقط. هذا هو رأي جاك ويلتش، الذي كان في السابق كبير التنفيذيين لدى مجموعة جنرال إلكتريك، والذي تبرز آراؤه بصورة متكررة في ثنايا هذا الكتاب الجديد.
يعمل المؤلف كلاوديو فيرنانديز أراوز شريكاً لدى شركة إيجون زيندر، المتخصصة في البحث عن وظائف للتنفيذيين. وهو في كتابه قرارات العظماء يستشهد بكثرة بأقوال جاك ويلتش وجيم كولينز، وهو مؤلف كتب حول الأعمال. وفي المقابل فقد كوفئ بتزكيتين اشتملتا على قدر كبير من الثناء على المؤلف من كل من ويلتش وكولينز. ومن الواضح أن المؤلف اتخذ على الأقل قراراً سليماً واحداً حول الأشخاص الكبار، وهو اتخاذه الأصدقاء المناسبين.
لكن الهدف من هذا الكتاب هو مساعدة التنفيذيين ذوي المشاغل الكثيرة في التوصل إلى قرارات أفضل حول توظيف الأشخاص (وفصلهم من العمل). وقد اطلع المؤلف على قدر كبير من الأبحاث المتعلقة بموضوعه، كما أنه مطلع على قدر كبير من أحدث الأبحاث حول سيكولوجية الأعمال، وحول الأمور التي تحفز الناس، وحول كيفية العثور على أفضل المرشحين للوظائف.
لكن المشكلة هي أنه بعد قراءة نحو 300 صفحة من الصفحات المكتوبة بحماس فإن القارئ لا يزداد فهمه كثيراً حول الأمور التي يتعين عليه بالضبط أن يقوم بها لاختيار الأشخاص المناسبين (أو التخلص منهم).
يبدأ المؤلف كتابه بصورة جيدة، حيث يصف الأسباب وراء الإخفاق في الاختيار عند التوظيف. وهو يقول إن هناك أربعة أفخاخ. الأول هو أن الاحتمالات ليست في صالحك. فربما لا يكون هناك ما يكفي من المرشحين المناسبين في الساحة، وهؤلاء يسعى وراءهم أكثر من واحد من أصحاب العمل.
الثاني هو أن تقييم الناس المتقدمين لشغل الوظائف التي تتطلب استخدام جميع قدرات الشخص هو أمر صعب بطبيعته. الثالث هو أن "الانحياز النفسي" يمكن أن يعرقل عملية اتخاذ القرار. الرابع هو أن الحوافز التي تكون في غير مكانها وتضارب المصالح يمكن بكل سهولة أن يكون من شأنهما تخريب هذه القرارات.
ويمكن أن يؤدي ذلك إلى وقوع المشاكل التي أصبحت مألوفة لدى المؤلف في مطلع حياته المهنية، حين كان يعمل لدى وكالة ماكينزي، حيث كان يتم في أحيان كثيرة توظيف التنفيذيين غير المناسبين للقيام بأدوار حيوية. ويقول المؤلف: "في معظم المهمات الكبيرة التي عملت عليها أثناء وجودي في وكالة ماكينزي. . . كانت المشكلة الرئيسية هي رداءة التشخيص والتنفيذ لأن الأشخاص غير المناسبين كانوا يشغلون أعلى الوظائف."
مرة أخرى يستدعي المؤلف صديقه جاك ويلتش للشهادة. يقول ويلتش: "من الممكن أن تكون لديك أعظم الاستراتيجيات جميعاً في العالم، ولكن لن تكون لها قيمة تذكر دون وجود الأشخاص المناسبين." (يقدر ويلتش الآن أنه أمضى أكثر من نصف وقته في وضع الشخص المناسب في المكان المناسب داخل مجموعة جنرال إلكتريك).
إن أهمية هذا الكلام واضحة للمؤلف. "ما الذي يؤدي إلى إخفاق المنظمات؟ قرارات الأشخاص غير المناسبين. وما الذي يؤدي إلى الأداء المتميز للمنظمات؟ قرارات الأشخاص العظام."
تشير الأدلة إلى أن هناك عدداً كبيراً من الأشخاص غير المناسبين يتخذون قرارات سيئة. واستناداً إلى إحدى الدراسات الميدانية التي أجرتها "ماكينزي" واستشهد بها المؤلف، فإن ثلاثة أرباع كبار أصحاب العمل يقولون إنهم غير ناجحين في توظيف الأشخاص من ذوي المواهب الكبيرة، كما أنهم لا يمتلكون الكفاءة لتحديد الأشخاص من أصحاب الأداء الجيد والمتدني. بالإضافة ذلك فإن النسبة نفسها منهم تخفق في الاحتفاظ بأصحاب المواهب المتميزة وتعيين أفضل الأشخاص في الوظائف التي تتطلب سرعة الإنجاز والأداء.
يقول المؤلف إن هناك شهادة واحدة يمكن قولها لصالح مستثمري الأسهم الخاصة، وهي أنهم بالفعل يوظفون موهبتهم القيادية بفعالية. وهذا هو العامل الرئيسي في نجاحها، وإن كان هذا الكلام موضع أخذ ورد. وعلى حد تعبير جيم كولينز فإن الأمر يتطلب أن تكون الشركة "ذات نظام متين وليست ذات نظام لا يرحم". ويبدو أن الشركات التي يصنفها كولينز على أنها شركات ذات مستوى يتراوح من "جيد إلى عظيم"، يبدو أنها اتخذت موقفاً مماثلاً فيما يتعلق بتوظيف الأشخاص وفصلهم. وكما يذكرنا المؤلف، فإن كولينز يضع هذا الكلام بلغة مذهلة في وضوحها: "في البداية تضع هذه الشركات الأشخاص المناسبين داخل الحافلة، وتخرج الأشخاص غير المناسبين من الحافلة، وتضع الشخص المناسب في المقعد المناسب، ثم بعد ذلك تأخذ في التفكير في الوجهة التي ستقود الحافلة إليها."
إن فيرنانديز أراوز، باعتباره من الناجحين في العثور على الأشخاص المناسبين للوظائف، يؤيد بقوة الحركةَ في سوق العمل. يقول المؤلف: "معظم الأدلة تبين لنا أنه يغلب على كبار التنفيذيين البقاء لفترة زائدة عن الحد في العمل نفسه، وكثير منهم ينتهي به المطاف إلى إتلاف القيمة في الشركة." أما ما هو الدليل الذي يتحدث عنه المؤلف، فإنه يصمت عن ذلك.
فضلاً عن ذلك، فإن المؤلف يخلط أحياناً بين القضايا ويناقض نفسه. فهو يقول مثلاً: لا يوجد قدر كبير من الأدلة القوية المقنعة على أن المهارات رفيعة المستوى (وهي المهارات التي لها دور حيوي للغاية في المناصب العليا!) يمكن تطويرها على أي نحو منطقي أو مفهوم." ومع ذلك فإنه يقول في الصفحة التي تليها: "بإمكاننا تطوير القدرات والمهارات ذات الأهمية القصوى للقيادة."
وفي النهاية فإن القارئ يشعر أنه أمام شخص محترف يحاول جاهداً، ولكن نصيبه الإخفاق، أن يقدم لنا صورة متناسقة عن الأمور التي يقوم بها هو نفسه بالفعل ليكسب رزقه. لقد أفلح المؤلف، وإن كان ذلك على غير قصد منه، في الاحتفاظ بالهالة (أو لعلها التهويل) التي تحيط بالبحث عن الأشخاص المناسبين.
قرارات العظماء: ما هو السبب في أهميتها، صعوبتها وإتقانها
المؤلف: كلاوديو فيرنانديز أراوز
الناشر: وايلي
Great People Decisions: Why they matter so much, why they are so hard, and how you can master them
Claudio Fern?ndez-Ar?oz
Wiley