قبل 55 عاما معلمونا العرب عرفونا بفكر التويجري قبل قدومه من المجمعة إلى الرياض
قبل 55 عاما معلمونا العرب عرفونا بفكر التويجري قبل قدومه من المجمعة إلى الرياض
حينما سلّمتُ عليه في مكتبه وجلستُ إلى جانبه، تحدثنا عن رحيل العلَم الأديب المؤرخ الشيخ عبد العزيز التويجري، فترحمنا عليه وطلبتُ من الشيخ المؤرخ عبد الرحمن الرويشد أن أطرح عليه بعض الأسئلة ذات الصلة بعلاقته مع صديقه موثق التاريخ السعودي، كيف بدأت وما أبرز محطاتها وشهودها وأحاديثها.
وافق على الفور ودونما تردّد، لكنه قال: (قبل أن تبتدرني بطرح الأسئلة عن علاقتي بالمرحوم الشيخ عبد العزيز التويجري، دعني أبثك حزني العميق بفقد هذا العلم، فكم أنا حزين ملتاع لرحيله، شأني في ذلك شأن كل مواطنيه الذين تعلقوا به، لقاء ما بذله من أجل وطنه، ولما تحلى به من خلق كريم وسجايا طيبة، وسماحة نادرة. عرفتُ ذلك العلم متدفق الحيوية، يتحدث فيعي الآخرون حديثه، وإذا تحدثوا أصغى إليهم.. وسمعتُ قبل اللقاء به عن فكره النير، وأفقه الواسع، وتعلقه بالثقافة والآداب وهو في بلده (المجمعة) قبل أن يتخذ من الرياض سكناً دائماً. وإن كنتُ شخصياً قد عرفته قبل ذلك عندما كان يزور الرياض مع أخيه الشيخ حمد التويجري، فيحلان ضيفين عزيزين مكرمين في دار الضيافة في قصر الملك عبد العزيز فيزوران كبار العلماء وموظفي الديوان الملكي، وكان تربطهما بابن عمي (الشيخ سعد بن عبد العزيز بن رويشد) صداقة متينة جعلتني أتعرف عليهما وأعرفهما عن قرب).
كيف بدأت العلاقة
حينما سألتُ الشيخ الرويشد عن علاقته بالشيخ التويجري، كيف بدأت ومتى؟ قال: عرفتُ الشيخ المرحوم عبد العزيز واقتربتُ منه عندما أصبح موظفاً كبيراً يسكن مدينة الرياض عام 1381هـ، عندما كان يزور أصدقاءنا وزملاءنا في الدراسة قديماً، ممن عملوا معنا من أهل المجمعة، وجمعتنا بهم الصداقة وزمالة العمل كالشيخ الأديب القاضي حمد بن إبراهيم الحقيل والأستاذ الزميل عبد الرحمن الخيال والأستاذ إبراهيم الخيال أحد الموظفين اللامعين في الرياض وعدد من أبناء الحقيل، ونمت المعرفة وتطورت، فوجدنا فيه مثقفاً واعياً يهتم بشؤون العلم والمعرفة.
وكان لديه من الوقت ما يتسع للقاء به في إحدى دور الأصدقاء نتذاكر معه دون تحفظ كل ما تنشره الصحافة المصرية، وما تتداوله وسائل الإعلام في بداية التصدع العربي من مساجلات وترهات، فكان الشيخ عبد العزيز يبهرنا بتعليقه على الأحداث فنعجب لحديثه الذي يتدفق بتلقائية وعفوية، ولم تكن معرفتنا به على قواسم مشتركة أو تتجاوز في أبعادها مجرد لقاء أخوي، وتبادل الأحاديث العامة. لقد كان – رحمه الله – آسراً في حديثه وابتسامته المشرقة وتواضعه الجم، فلا تجد بُداً من صداقته والاستئناس بمجالسه العامرة.
كان الشيخُ بسيطاً لكن سرعان ما يتعلق به مستمعه وينجذب إليه، إذ كان يتحدث دون تكلف فينساب حديثه في سلاسة وهدوء واتزان فتشعر أن كل مقطع من كلماته أو جملة من حديثه تعني شيئاً يكشف عن عقلية ذلك الرجل وفهمه للحياة والناس، حتى إذا شعر أنك تحاول سبر غوره سارع إلى تغيير مجرى الحديث بمهارة فائقة، محاولاً إدراك ما تركه من أثر في نفسك.
الأديب التويجري
سألتُ الرويشد عن الأديب عبد العزيز التويجري، فقال: من محاسن الصدف أنه كان بين معلمينا ونحن في المعهد العلمي في الرياض في الربع الأول من السبعينيات الهجرية قبل أن نعرف مَنْ هو عبد العزيز التويجري، أساتذة كبار من المصريين والفلسطينيين، كثير منهم من المهتمين بالأدب، ومعظمهم من ذوي النزعات القومية العربية، ومن المبشرين بعصر يبدو في الأفق وبنهضة منتظرة للأدب في العالم العربي، كانوا يحدثوننا عن الشيخ التويجري، وما يتمتع به من فكر رائع وثقافة متميزة، وكان بعضهم قد زاره في بلدته (المجمعة) وفي مزرعته (حسينانة). ويشاء الله أن يحلّ الشيخ عبد العزيز في الرياض موظفاً كبيراً، فكان ما كان من اجتماعنا به، ولقاءاتنا معه، والاستفادة من أفكاره في نطاق محدود لا يعدو الإعجاب بشخصيته وما يتمتع به من طيب معشر.
روّاد منتدى التويجري الثقافي
وعن أبرز روّاد وحضور دارة الشيخ عبد العزيز التويجري ومنتداها الثقافي، الذي تكوّن بعد انتقاله إلى الرياض من المجمعة، الذي هو امتداد لذلك المنتدى الثقافي الذي تشكّل في الخمسينيات الميلادية في المجمعة، قال الرويشد: رغم انشغال التويجري بعمله ومهماته، فقد كان يتيح لنا – رحمه الله – الوقت الذي نسعد فيه بلقائه في داره، وكان الحديث دائماً يدور حول تحسين الأوضاع والتغيرات التي حدثت، ومقارنة ذلك بما كان، وكثير مما كان يحدث في تلك الأيام الخوالي، دون أن نتفق على نمط واحد في التشخيص أو على أسلوب يضمن الحل. وكان مصدرنا الدائم لذلك الفكر هو الصحافة المصرية والإذاعات العربية من جانب، وإذاعة العراق ولندن من جانب آخر. أتذكر من أبرز رواد مجلسه الأستاذ ناصر المنقور، ومحمد بن منديل، وعبد الله الوهيبي، وعبد الله بن عبد العزيز النعيم، وفهد بن حماد، ومنصور الدخيل، والشيخ عبد العزيز بن ربيعة، ويعقوب الرشيد، ولم تكن تلك الاجتماعات منتظمة بل كانت تنعقد دون اتفاق مسبق أو ترتيب معد.
وبما أن الشيخ الرويشد كان يحرص على حضور ندوات الشيخ التويجري، سواء في مجلسه في الرياض أو في مدينة لندن، سألته عن طبيعة تلك الندوات وما يدور فيها من نقاشات وحورات، فقال: لم تكن جلساتي مع الشيخ التويجري متوالية ولم تربطني به طاولة عمل أو خصوصية، لكن جلساتي كانت متقاربة حيناً ومتباعدة أحياناً، ولهذا قد لا أستطيع وصف طبيعة تلك الجلسات كما قد يفعل أصدقاؤه الأكثر ملازمة له. لكن أستطيع أن أصف طبيعة جلساته بأنها واحدة لا تختلف سواء تلك التي كانت في داره في الرياض، أو في دار أحد أصدقائه في داخل المملكة أو خارجها، فالحضور جنس متماثل في الفكر أو قريب منه. وقلّ أن يكون بين الحضور من يكون بعيداً عن الاندماج في أجواء الفكرة التي عادةً ما يكون الشيخ التويجري على مسافة واحدة وبُعد واحد منها. فلم يكن يغضب أو يبعد خطوة واحدة إلى الوراء عندما يتحدث أحدهم مخالفاً توجهه الفكري أو الفكرة المعنية. كما لا ينتقد ولا يميل إلى فرض رأيه لكنه على كل حال يستطيع بسهولة أن يجتذبك إلى جانبه بقوة الحجة والمنطق فيحول الجلسة إلى جوٍ يسوده الود والمرح. وليس من المصادفات أبداً أن تجد في جلساته التي تدار على شكل ندوة بعض المثقفين العرب إلى جانب عدد من المواطنين كالطيب صالح، ومحمد بن إبراهيم الشوش، وعالم أزهري أظنه شيخ المركز الإسلامي بلندن والأستاذ الهاشمي، ومن مواطنيه أحياناً معالي الأستاذ ناصر المنقور، والأستاذ محمد العميل، ومحمد العبيد الشمري، والأستاذ صالح الربدي، والأستاذ محمد رضا نصر الله، وغيرهم كثير.
التويجري مؤلفاً ومؤرخاً
وعن تأخر ظهور التويجري في طرح فكره وآرائه في كتبٍ تقرأها الأجيال اللاحقة، قال الرويشد: أرى أن كتاباته المتأخرة التي جاءت مواكبة لشيخوخته هي ظاهرة مفادها أن الإنتاج الفكري عموماً صنفان:
الأول: قوامه أفكار قديمة تعاد بصيغ أخرى خدمة للقارئ، ويبدو فيها دور المؤلف مروجاً وليس رائداً وإن توهم ذلك!!
والثاني: قوامه الابتكار ويكون دافعه الإنتاج الطبيعي بعد النضج، كالثمرة التي تنتجها الشجرة بعد اكتمال دورات معينة ولا يجيء هذا النوع إلا متأخراً، وربما تعسرت ولادته، أو تأخرت أوقات النتاج قبل أن تصل إلينا ثماره.
وعليه نرى في إنتاج الشيخ التويجري المتأخر فكراً ومعاني متناسقة لا أثر فيها للصناعة بل تبدو في عبارات رصينة وجمل قد تطول أو تقصر، لا يهمه فيها سوى المعنى وتجسيده الصورة مثل: "ذكريات وأحاسيس نامت على عضد الزمن" و"في أثر المتنبي بين اليمامة والدهناء" و"رسائل خفت عليها الضياع" و"أبا العلا ضجر الركب من عناء الطريق". وكلها تحمل تجربة وفكراً لامعاً، فهو يشبه في هذا النسق نتاج كاتب سعودي آخر أغزر إنتاجاً في الصنف الأول، أفكار قديمة معادة بصيغة جديدة، وهو في شرخ الشباب ثم أنتج في شيخوخته العديد من الصنف الثاني الذي قوامه الابتكار والإبداع.
غير أن شيخنا التويجري اقتصر في إنتاجه على النوع الثاني، وساق لنا كتباً عديدة أشبه ما تكون بالأحاديث المرسلة منها بالكتب المقننة.
وعن أسباب تأخر التويجري في طرح ما حمله بريده الوثائقي المهم من رسائل ذات قيمة وأهمية في كُتب توثّق مسيرة المليك الموحد، قال الرويشد: بتتبع ملاحظاتي السابقة بتأمل، يمكن أن نعرف الجواب ونكتشف الحقيقة بسهولة، فهو وإن كان يعشق التاريخ ويحبه إلا أنه كتب عنه بطريقة مختلفة، لأنه لم يكن راضياً عن الطرق التقليدية في كتابة التاريخ التي سار عليها المؤرخون القدماء ممن دوّنوا الحوليات ولا عمّن خلفهم ممن سار على نهجهم، لكنه أُعجب بطريقة صديقه محمد جلال كشك الذي فتح له الباب مشرعاً وكتب كتاباً لا أظن أن مؤرخاً كتب عن الدولة السعودية في جميع أدوارها في شمولية وفلسفة كما فعل، فحاول الشيخ التويجري مجاراة صديقه حتى بزّه في هذا النوع من الكتابة التي تنتمي إلى فلسفة التاريخ وتحليلاته. وهو نهج فريد، يجعل الربط بين المعلومات التاريخية والوثيقة أساس الاستنتاج للاستفادة من التاريخ. فالشيخ عبد العزيز وإن تأخر بروزه كمؤرخ إلا أن اسمه محفور بين أسماء المؤرخين السعوديين.
وحينما سألتُ المؤرخ الرويشد عن تقييمه تجربة المؤرخ عبد العزيز التويجري فيما كتبه عن الملك عبد العزيز، أطرق برأسه قليلاً، ثم قال: أنّى لي ذلك؟ وقد سبقني من قوّم فكر المؤلف عامة، كما بدا في كتاباتهم ورسائلهم التي تبادلها مع بعضٍ منهم، وفيهم رجال من بلادنا وغيرها.
وأضاف الرويشد قائلاً: كنتُ قد كتبت عن "لسراة الليل هتف الصباح" فور صدوره وأشرت إلى أنه يكاد يكون في تبويبه على غير مثال سبق. ما عدا أنه تأثر بكتاب أشاد به كثيراً، وهو كتاب محمد جلال كشك (السعوديون والحل الإسلامي)، فعندما صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى عام 1981م (1401هـ) كان الشيخ عبد العزيز أول من تلقفه وأعجب به، وكان الأستاذ كشك يزور البلاد يومئذ، وكانت لي به صلة وارتباط فكنا نزور الشيخ في داره ويدور بينهما نقاش حول موضوع الكتاب وطريقة تقديمه للقارئ، وكان الشيخ عبد العزيز مقتنعاً بأن مادة كتاب الأستاذ محمد جلال كشك غنية وفريدة غير أنه كان يتمنى لو قدّم عهد الملك عبد العزيز بطريقة أخرى، فأوقد ذلك النقاش في ذهنه فكرة تبلورت في إصدار كتاب (لسراة الليل هتف الصباح) وقد دعا الشيخ التويجري القارئ إلى تأمل ما كتبه واستيعابه بطريقة هي أقرب إلى الفهم، وذلك شأنه في العديد من الكتب الأدبية والتاريخية التي كتبها في شؤون الناس والأدب والحياة.
وهو، وإن لم يكن من المهتمين بدراسة التاريخ، ولا من المدعين للتخصص فيه والعناية به، غير أنه يبدو لنا مؤرخاً مقدماً للتاريخ، يدرس أسباب الحوادث ويعلل ويميز بين الروابط ويرتب عليها جملة من النتائج، الأمر الذي فعله صديقه محمد جلال كشك في كتابه الذي أعجب به الشيخ التويجري يقدم المعلومة ويدعمها بالوثيقة ويوظف تلك الحزمة من المعلومات بعبارة أدبية رصينة، ويعد شاهد تاريخ صادق يكمل ما نقص من التدوين بما عرفه من مسيرة حياته وما سمعه عن جيله أو عايشه هو بنفسه في رحلته الطويلة فساعده هذا على تحليل الحوادث وميّزه عن الآخرين. ولعل أكبر فرصة أتيحت لهذا الكتاب أن مؤلفه قرأه على عدد من أصدقائه المثقفين الذين كانت تربطه بهم علاقات صداقة وطيدة قبل أن يخرجه للناس وناقشه معهم.
العلاقة مع خادم الحرمين الشريفين
سألتُ الرويشد بصفته مؤرخاً: كيف تصف علاقة الشيخ عبد العزيز التويجري بخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز؟ فقال: لستُ مؤهلاً للحديث عن مثل هذه العلاقة السامية المتميزة، وأظنُ أن غيري ليس مؤهلاً أيضاً، لكن إذا كان لا بد من الحديث عن حميمية هذه العلاقة، فلا بد أن يكون محصوراً في الآثار العظيمة التي تتمثل في الإنجازات الكبيرة التي تمت في مؤسسة رئاسة الحرس الوطني، وتحديث منشآته حتى أصبحت على ما هي عليه اليوم، درعاً حصيناً لهذه البلاد، وقد اكتملت بنيته الأساسية وهيأ لأمرٍ فعال في التطوير والتحديث الذي قاده إليه رئيسه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وكان الشيخ عبد العزيز أداة فعالة لذلك التحديث والتطوير، مما يدل على التفاهم السائد والانسجام التام بين هذين الرجلين منذ أن تولى خادم الحرمين الشريفين تلك المؤسسة وحدّثها ونماها، هذا الأثر وحده يعطينا الوصف الحقيقي للعلاقة التي سادت بين قائدنا العظيم وبين أحد أعضائه المنتجين في واحدة من مؤسسات الوطن التي تتشرف برئاسته وتنمو في ظل توجيهاته وإرادته وتنعم بحنكة قيادته.
سيرة حمد الحقيل
وعن أكثر المواقف الطريفة التي لا تزال عالقة في ذاكرة الرويشد، مع صديقه الشيخ عبد العزيز التويجري، قال الرويشد: منذ أكثر من (35 عاماً) جمعنا مصيف الطائف، إذ كانت معظم الدوائر الحكومية تنتقل إليه وكان للشيخ عبد العزيز صديق من أبناء بلدته يحبه ويركن إليه ويأنس بطرائفه، هو الشيخ حمد بن إبراهيم الحقيل فكان يذهب إلى نزله يومياً أو أكثر الأيام بعد صلاة العصر، وكانت مشاغل الشيخ الكثيرة تفرض عليه أن يذهب إلى ذلك الصديق ليقضي معه فترة أنس قصيرة. وذات يوم فوجئتُ بالشيخ التويجري يطلب رزمة من الأوراق وقلماً!! ويطلب مني أن أدوّن ما يكتبه مما يعرفه عن سيرة صديقه (الحقيل) واستمر يُملي علي وأنا أكتب وهو يتحدث عن سيرة صديقه في عبارات أذهلتني، وكلمات لم يسبق أن قرأت مثيلاً لها، فقد استعمل فيها كل أساليب البلاغة من استعارات ومحسنات لفظية ومعنوية، وكان ذلك قبل أن يُعرف عن معاليه أنه كاتب بارع طلي العبارة. وسأحتفظ لنفسي بالعديد من تلك الطرائف المدونة التي معظمها لن يفيد القارئ وإن كانت تعجبه وليس من المناسب ذكرها حتى وإن كانت ستكشف عن مدى ما يتمتع به الشيخ التويجري من مرح وظرف وطول باع في الكتابة.
اللقاء الأخير
وقبل أن أغادر مكتب الشيخ الرويشد، سألته عن آخر لقاء جمع بينهما؟ وماذا دار فيه من حوار؟ فقال: كان آخر لقاء به منذ أكثر من سنة تقريباً عندما بدأ المرض يأخذ منه ويعطيه الوهن، لكنه مع ذلك كان صامداً صابراً ومحتسباً كما عهدته دائماً. يتحدث وإن كان بصوت منخفض، إلا أنه كان كعادته يتحدث بدقة في الموضوعات التي يتطرق إليها، ويسألني عن آخر ما قرأت من الكتب ويستفسر عما إذا كنت قد رأيت المقال الذي كتب في هذه المجلة أو تلك الجريدة وما أنوي عمله؟ وعما إذا كنت على وشك إصدار إنتاج جديد؟ كان في حديثه ما زال هو صديقه الذي عرفته منذ نصف قرن لم يتغير ولم يتبدل إلا بقدر تسرب ضعف الشيخوخة في وقار إليه فتلك هي سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا.