إفريقيا .. الحاضر الغائب على أجندة قمة الكبار
بموازاة قمة الثماني الكبرى في منتجع هايليجين دام في ألمانيا تستضيف دولة مالي في إفريقيا قمة أخرى للدول الفقيرة وهي قمة الفقراء في مقابل قمة الأغنياء.
ورغم هذا تظل قضية الدول الفقيرة والدول الإفريقية الحاضر الغائب على أجندة قمة الكبار الثماني. إن الدول الفقيرة تكاد لا تتخلص من أعباء ديونها لكنها رغم ذلك تظل معتمدة على مساعدات المجتمع الدولي من جديد. وهذا يُعزى إلى سببين: أولاً، تخصص الآن وبصورة متزايدة، دول ناشئة مثل الصين ضمن معدلات متزايدة قروضاً للدول الإفريقية. وهي تصطدم بالثغرات التي قامت الدول المانحة التقليدية بفتحها فيما يتعلق بسياسة الاعتمادات الخاصة بها. وتعني المواد الخام مقابل القروض الجديدة، التجارة المزدهرة على أرض القارة السوداء. ثانياً، تتسبب هذه القضايا في التمحور على قمم العناوين الرئيسية، وفيها اشترى المضاربون شهادات الديون بخصومات مرتفعة بهدف رفع دعوى دين بفائدة، وفائدة مركبة لاحقاً. وتستفيد "صناديق العقاب"، من قدرة الدفع المتزايدة لدول المديونية عن طريق إعفاء المديونية الذي من المفترض في الحقيقة أن يأتي لصالح الفقراء في إفريقيا.
ومنذ منتصف القرن الماضي، كان من المفترض أن تحقق المزيد من المبادرات الجديدة والمتواصلة متنفساً للدول ذات المديونية المرتفعة. أولاً، أجّلت دائرة الدول المانحة، النادي الباريسي، مواعيد السداد فقط، ولاحقاً، تم بالفعل الإعفاء من الالتزامات. ففي عام 1999 اتفقت مجموعة الثماني الكبرى في مدينة كولونيا على الإعفاء من الديون لأفقر الدول حتى 90 في المائة من قيمتها. و تم ربط ذلك بإجراءات تتعلق بمحاربة الفقر، وإعادة الهيكلة السياسية؛ وقيادة الحكومات الجيدة، والديمقراطية، وحقوق الإنسان.
وفي مجموعة الدول الفقيرة ذات المديونية المرتفعة Heavily Indebted Poor Countries – HIPC – البلدان الفقيرة المُثقلة بالديون، يوجد في الوقت الراهن نحو 48 دولة، وأغلبها تقع في جنوب إفريقيا، وجميع الدول تسجل حجم دخل إجمالي للفرد الواحد بما يقل عن 900 دولار في العام. وكخاصية من خصائص إعفاء المديونية، تظهر المديونية الأجنبية بما يزيد على 150 في المائة من حجم عوائد التصدير، أو ما يزيد على 250 في المائة من حجم الدخل الحكومي. وما قبل عامين من الزمان، قررت مجموعة الثماني، إلغاء المديونية بالكامل في حالات خاصة، وصعبة جداً. ومنذ ذلك الحين تم تحريرها نحو 20 دولة من مديونيتها، 16 منها في إفريقيا.
وخلال لقاء وزراء مالية مجموعة الثماني قبيل قمة هايليجين دام دار الحديث حول مسار حركة الديون، كما شدد وزير المالية الألماني بير شتاينبروك على الحذر من التغلغل الصيني في قلب القارة السمراء.
وفي الحقيقة، يصاب أصحاب السلطة في بكين بقليل من الحيرة، عندما يدور الأمر حول تأمين مصالح المواد الخام. وهم يعملون مع الحكام الذين يتجنبون الغرب. وليس لديهم خجل من تمويل مشاريع النفوذ، مثل الطائرات الرئاسية، والقصور الحكومية، أو الملاعب الرياضية. وإن الدول المانحة الجديدة، تلك الدول التي لا تزال نفسها تنال مساعدات التنمية من ألمانيا، سوف يُنظر لها بصورة انتقادية متزايدة أكثر من قبل الغرب.
وينظر المرء إلى الأمر في إفريقيا بصورة واقعية أكثر. وصرّح فيستوس موجي رئيس بوتسوانا، خلال أيام منتدى البنك الدولي في برلين، بأنه يُنظر إلى التزام الصين في إفريقيا بارتياح أكبر. وعلى المرء أن يدرس بصورة دقيقة ما الشيء الذي قد يكون جيداً لدول إفريقيا. وفي الحقيقة، أن الظهور الصيني وغيرها من الدول الناشئة مثل الهند على القارة لا يحظى بجوانب سيئة فقط، من وجهة نظر إفريقية. وتعمل المنافسة على إنعاش التجارة. وعندما تريد المزيد من الشركات استغلال مخزون موادها الخام، فإن ذلك يعمل على رفع الأسعار. وليس فقط هذا: تعمل الدول النامية على تحرير نفسها من السلطات الاستعمارية القديمة عندما تحظى بالقدرة مرة واحدة للتفاوض والتعامل مع غيرها من الدول الأخرى.
وتتطلب الحرية الجديدة تعاملاً وتفاوضاً كامل المسؤولية من قبل الحكومات في إفريقيا. وعليها نفسها أن تحرص على استخدام الاعتمادات بصورة إنتاجية. وفقط عندما تكون العوائد المتدفقة من هذا أكبر للدولة من عبء الفائدة المرتبطة بها، فإنه ينعدم الخوف من أن تهوي الدولة في المديونية المتجاوزة. وعندها، لا يوجد داعٍ، بأن يكون من الضروري تداول سند الدين الخاص بالدولة بقيمة أقل. وبالتالي، كذلك لا يوجد شيء يمكن أن تقذف صناديق العقاب المُهلكة جداً نفسها عليه. وهذا ما تستخدمه قواعد الأسواق المالية والقانون وحدها. ومن يستفيد من السوق العالمية بأسعار المواد الخام المرتفعة، عليه أن يأخذ بعين الاعتبار بأن القواعد نفسها تنطبق على سند الدين الخاص به.
وبالإضافة إلى هذا، تشير الموضوعات التي تم بحثها إلى أن الدول المقصودة ليست دوماً الضحية غير المُذنبة. فقد تم الحُكم على زامبيا في نيسان (أبريل) من قبل محكمة لندن، بالدفع للصناديق الأمريكية دونيجال - Donegal ، 17 مليون دولار. وقد حصلت الدولة عام 1979 من رومانيا على 15 مليون دولار بهدف التمكن من شراء الجرارات والمحاريث. وفي عام 1999 قدمت صناديق دونيجال لشراء التزويد مقابل ثلاثة ملايين دولار العرض الذي وافق عليه رئيس زامبيا حينها الذي كان من المفترض أن يحصل مقابله على مليون دولار.
وتعد الحكومات في إفريقيا مسؤولة أيضاً عن هذا الأمر. وعليها أن تؤكد أن الدخل الإجمالي الناتج عن مبيعات المواد الخام، والاعتمادات، سيتم استغلاله بصورة إيجابية، وليس استنزافه في قنوات معتمة. ولهذا، فإن الخزائن المالية الحكومية الشفافة والمضبوطة مهمة جداً. ويريد وزراء مالية دول مجموعة الثماني أن يؤثروا بصورة ثانوية. وقد طوّروا القواعد كذلك لمنح اعتمادات كاملة المسؤولية. ويريد الوزراء في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) في دائرة مجموعة العشرين، التشاور حول أن تنتمي الصين إلى مجموعة الدول الصناعية والدول النامية أيضاً، الشيء الذي يمكن أن يساعد على الكثير من الأمور. وفي النهاية يتعلق الأمر بدول إفريقيا، للإثبات أنها عقب إلغاء المديونية في الوضع الذي يسمح لها بالتعلم من الأخطاء، ويمكنها تحمل مسؤولية مصيرها بيدها.