لماذا يتخلص الإنسان من رئة الكرة الأرضية ؟

لماذا يتخلص الإنسان من رئة الكرة الأرضية ؟

من الناحية النظرية يمكن للغابات على سطح الكرة الأرضية أن تخفف من التأثيرات السلبية للتغير المناخي ... ولكن من الناحية العملية فإن هذه الغابات نفسها التي تمثل الرئة بالنسبة للكرة الأرضية - تحولت إلى ضحية للتغيرات المناخية. ويقول وولف كيلمان الخبير المسؤول عن الغابات والتغير المناخي لدى منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة فاو FAO يقول :"في الوقت نفسه فإن عمليات إزالة واجتثاث الغابات يعتبر واحدا من أكبر وأهم أسباب التغير المناخي على سطح الأرض"

ويؤكد كيلمان أن ما يقارب 18 في المائة من نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في جميع أنحاء العالم مصدرها الأساسي هو إزالة الغابات. وللوصول إلى ذلك لا تحتاج المسألة إلى حرق الغابات، كما هو واقع حاليا في بعض الدول النامية التي تتميز بكثافة الغابات. فمجرد قطع الأشجار وحرث الأرض بآليات ضخمة يجعلان الكربون ينبعث من الأرض ومن جذوع وأغصان الشجر. وفي هذا لا يشير كبير خبراء منظمة الفاو إلى قضية القيمة الاقتصادية التي يجنيها مجتثو الغابات ولا القيمة الثمينة للأخشاب الاستوائية، فالمشكلة بالنسبة له هو التغير المناخي وأن الغابات تُزال فقط لأن المساحة الناتجة يمكن استغلالها بطريقة أو بأخرى بصورة مربحة أكثر. ويقول كيلمان: الاهتمام بالدرجة الأولى في الدول النامية منصب على مزارع النخيل الزيتية، وزراعة حبوب الصويا وتربية المواشي. وإذا ما تم لهذا الغرض إزالة غابة بأكملها، فستكون بعض الهكتارات من الأشجار الثمينة استغلالا إضافيا مرحّبا به.

ويقول الخبير في منظمة الغذاء والزراعة للأمم المتحدة إنه لمفهوم خاطئ، عندما يظن المرء أن الغابات تختفي لغرض استغلال الأخشاب. بل سيكون الأفضل في نظره لو كان الأمر معكوسا، واستغلت الغابات بصورة مربحة أكثر. حينها ستساهم الغابات بدور مهم وستعمل على تقليص انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء الجوي. في أوروبا ينطبق القانون التجريبي العام: لامتصاص العوادم المنبعثة من سيارة من الطراز المتوسط وتحويله إلى كربون وأوكسجين، يلزم هكتار واحد من أشجار الصنوبر. وبالنسبة للغابات الاستوائية لا يريد كيلمان أن يطبق مثل هذه الحسابات التجريبية البسيطة. ولكن حتى في الدول النامية أيضا توجد في هذه الأثناء إمكانيات عديدة لدعم الحفاظ والبقاء على الغابات بمعونات حكومية وضرائب بيئية. ففي المنظور العالمي سيكون أفضل بكثير لو أنه استثمرت ألف يورو في الدول النامية من أجل الحفاظ على البيئة والمناخ، بدلا من أن يستثمر المبلغ نفسه في تنقية عوادم السيارات الأوروبية الغربية التي تُعتبر أصلا نظيفة نسبيا، وذلك من أجل تقليل المواد الضارة فيها بنسب قليلة.

وعلى قدر ما تكون فكرة موازنة المواد الضارة من خلال عملية التشجير في الدول النامية، على قدر ما هو معقد التنفيذ. صحيح أنه توجد منذ سنوات طويلة إجراءات في اتفاقية كيوتو لحماية المناخ وكذلك في اتفاقية مراكش التي تسمح بموازنة من خلال التشجير للدول ذات نسبة انبعاث عالية لغاز ثاني أكسيد الكربون. ويقول كيلمان منذ ذلك الحين توجد مشاريع كثيرة في قطاع الغابات، ولكن القليل منها تم تحقيقه. فالقوانين بكل بساطة معقدة. حيث إنه يجب أن يُستبعد، أن يحصل أي شخص على أجر مقابل التشجير المخطط له أصلا بصورة روتينية، أو، أن يتم في مقابل خطة مدعومة لزراعة أشجار في موقع ما قطع جزء من غابة مباشرة بالقرب من الموقع.

وفي النهاية يبقى السؤال معلقا ، وهو كم من الوقت ستبقى الأشجار التي تم دعمها بمشروع تشجير، واقفة ؟ ويقول كيلمان يجب أن ننتبه، إلى ألا نجعل الأمر بيروقراطيا لدرجة أنه سيكلف أكثر مما ستجلبه مدفوعات التعويض. إلا أنه يرى أن الكثير من المشكلات يمكن حلهـا، على سبيل المثال بمساعدة شركات خاصة لمنح شهادات الترخيص. ففي آخر المطاف، أضحى الكثير من الدول النامية في الوقت الحالي أكثر تنظيما من السنوات الماضية.

وفي تقريرها الذي طرحته أخيرا حول شؤون الغابات لعام 2007 ترى منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بصيص أمل في أنه في سلسلة من الدول قد تحسنت المراقبة والاستغلال الاقتصادي للغابات. فعلى سبيل المثال بدأت كوستاريكا على مستوى عالمي في تقديم دعم مادي لخطط الحفاظ على الغابات وقامت لهذا الغرض بتأسيس صندوق دعم. لكن ما يقلق في بادئ الأمر خبير منظمة الفاو، هو أن أول بوادر التغير المناخي قد ألحقت الضرر بغابات كبيرة في الكرة الأرضية: ففي كندا وسيبيريا كانت المواسم الشتوية الماضية لطيفة نسبيا لدرجة أن الحشرات الضارة انتشرت دون توقف على نطاق واسع. ففي كندا تضررت ما يقارب 360 ألف كيلومتر مربع من الغابات، أي ما يعادل تقريبا 1 في المائة من إجمالي مساحة الغابات على سطح الكرة الأرضية، بسبب هجوم كبير للحشرات الضارة، وذلك دون أن يكون من الممكن اتخاذ أية إجراءات مضادة.

ولا يشد كبير خبراء الغابات أو يجذبه تلك التقييمات المحاطة بهالة من التشاؤم. فخبراته الشخصية تعارض هذه الأقوال: فـمروج لونيبورجر في منطقة شمال وسط المانيا أصبحت بعد التصحر قبل 200 عام صحراء ذات كثبان رملية متحركة، واليوم تبدو شيئا آخر تماما. وكذلك منطقة الأبحاث التي تبلغ مساحتها 15 كيلومترا مربعا لمعهد أبحاث الغابات بالقرب من العاصمة الماليزية كوالالمبور ينظر إليها المحايدون اليوم على أنها غابة أدغال، على الرغم من أنه في نفس الموقع في عام 1925 لم يكن يوجد سوى منحدرات جبلية وأكوام مخلفات فقط. ويقول كيلمان إذا تركها الإنسان، تعود الغابة على مدى طويل من جديد، حتى وإن كانت بتكوين مختلف.

الأكثر قراءة