صندوق النقد يستبعد تقديم مساعدات إضافية للدول الفقيرة

صندوق النقد يستبعد تقديم مساعدات إضافية للدول الفقيرة

يكرس لقاء مجموعة الثمانية في هايليجين دام، جزءا من مداولاته لقضايا إفريقيا الواقعة إلى الجنوب من الصحراء. وسيجدد التزاماته التي قطعها من قبل مؤتمر قمة 2005 في جلين إيجلز بزيادة مساعداته المادية للقارة بنحو 25 مليار دولار حتى 2010، شطب ديون الدول الإفريقية الأكثر فقرا وتقليص الدعم الذي يشوه التجارة ويلحق الضرر بالفلاحين الأفارقة والعمل على مكافحة أمراض كالإيدز والملاريا.
غير أن ثمة حقائق عدة حالياً تشير إلى عكس هذه النيات: صحيح أن هناك وعدا بتقديم مزيد من المساعدات لكن صندوق النقد الدولي لا يتوقع أي زيادة تذكر في الأموال العامة قبل السنة المقبلة، وخصوصا بعد خصم القروض المستحقة (بالنسبة لنيجيريا بشكل محدد ). كما أن عدد أكثر السكان فقرا، الذين يعيش الفرد منهم على أقل من دولار في اليوم، ازداد بأكثر من 50 مليون نسمة مقارنة بعام 1990، وفي الوقت نفسه فإن الاستثمارات الأجنبية المباشرة ما زالت تتجنب العديد من الدول الإفريقية. أما آفاق النمو في المنطقة في الأجل القصير فتعتمد إلى حد كبير على الطلب العالمي، العاصف حاليا، على ما تنتجه من مواد خام فالطلب الكبير على النفط الخام مثلا يساعد بلدانا مثل أنجولا على تحقيق معدلات نمو تصل إلى 20 في المائة على الرغم من سوء الإدارة الحكومية.
ومع ذلك فإن الصورة ليست قاتمة بالكامل فمنذ 2000 شهدت المنطقة، بتحقيقها معدل نمو قدره 4.5 في المائة سنويا، أكثر فترات النمو استقرارا منذ أوائل السبعينيات من القرن الماضي. وقد انعكس ذلك أيضا على نسبة الفقر التي ابتدأت، كمعدل للقارة، بالتراجع لأول مرة منذ بداية الثمانينيات. من الجدير بالملاحظة أن على طرفي البلدين الأكثر نجاحا، بوتسوانا وموريشيوس، مجموعة متزايدة من بلدان أخرى مثل تنزانيا وأوغندا وغانا، التي تقوم بإصلاحات شاملة خصوصا في مجال السياسة التجارية. ومما لا شك فيه أن فتح الأسواق من خلال تحرير التجارة الخارجية يبين للبلدان المعنية بوضوح أين تكمن مواطن القوة ومواطن الضعف في اقتصاداتها.
إن هذه النجاحات قد تم إنجازها على قاعدة ضعيفة وهي بالتالي ليست في مأمن من الصدمات. ولعل ما يخدم القضية الإفريقية أيضا أن تؤكد قمة الثماني المكاسب التي يمكن أن تتحقق لإفريقيا من خلال عولمة الأسواق. ومن المعروف أن هذه المكاسب يمكن أن تتحقق إذا ما انضمت الدول الإفريقية إلى الدول المطالبة بإنجاز جولة مفاوضات منظمة التجارة العالمية (جولة الدوحة) المتعثرة، ذلك لأن تخوف البلدان الإفريقية المستوردة، في السابق، من فقدان جزء من دخولها بسبب الارتفاع المتوقع في الأسعار العالمية للمواد الغذائية في حالة تحرير السياسات الزراعية في البلدان الصناعية، لم يعد في مقدمة الموضوعات المطروحة للنقاش بعد ارتفاع الأسعار، على أية حال، بسبب زيادة الطلب. بل إن ثمة إشارات إيجابية متزايدة لمصلحة المزارعين الأفارقة ترسلها السوق العالمية تفيد بأنه لا يمكن استغلالها إلا عن طريق دعم السياسات التنموية.
بعد اختتام أعمال جولة مفاوضات التجارة العالمية وافقت حكومات إفريقية بسهولة على اتفاقيات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بعد أن كانت ترفضها لأنها ارتبطت بزيادة المنافسة. وفي ضوء الثقة المتزايدة بالنفس التي أصبحت تشعر بها حكومات إفريقية عديدة في مجرى نهوضها الاقتصادي، لم يعد ثمة ما هو أفضل من المرحلة الراهنة لتحقيق الانفتاح المتعدد الأطراف أولا ثم الانفتاح الإقليمي بعد ذلك إزاء الاتحاد الأوروبي. ومن العوامل التي يمكن أن تساعد على تحقيق ذلك ألا يتوقف الاتحاد الأوروبي في المفاوضات عند كل سلعة على حدة وألا يعبر عن حذر لا مبرر له في قضية فتح الأسواق.
إن المكاسب من العولمة ليست محصورة في تجارة السلع فالمنطقة يمكن أن تستفيد أيضا من الخدمات والسلع الجديدة المتاحة في أسواق المال الخاصة التي تجعل من الممكن تحقيق ذلك في الموقع حساب حجم المخاطر المترتبة على عمليات الاستثمار. كما أن الابتكارات في ميدان تكنولوجيا الاتصالات تقرب الأفارقة، دون استثمارات باهظة في البنية التحتية، من البيانات المهمة وبالتالي من أسواق تصدير واستيراد الخدمات والسلع. وهكذا فإن نقل التكنولوجيا أصبح، جزئيا على الأقل، ممكنا دون الوجود المباشر في الأماكن المعنية. كما أن من شأن ذلك كله أن يسهل من انتشار المعلومات المتعلقة بسوء الإدارة والمحاباة بين الجمهور. وبالتالي يزداد الضغط على الحكومات، كما يكتسب الحوار بين الحكومات من أجل إدارات حكومية أفضل (مبادرة نيباد) مزيدا من المصداقية.
ومن الطبيعي أن يحدث هذا كثيرا من التغييرات بالنسبة للشركاء في المنطقة، حيث أصبحت إفريقيا تتمتع بحرية أكبر في الاختيار بفضل تزايد جاذبيتها كقاعدة للمواد الخام وكسوق للتصدير فهي تستطيع مثلا أن تختار ما يناسبها من بين مصادر التمويل المختلفة، مثلا من المصادر الصينية. وهذا يشكل، من وجهة نظر مستقبلي رؤوس الأموال، مكسبا، وإن لم يكن دائما مصدر سعادة بالنسبة للممولين التقليديين. كما أن مكاسب العولمة في العالم تجد تعبيرا لها أيضا في المؤسسات الخاصة التي تتمتع بقوة مالية، وبعدم التبعية للتوجهات السياسية لدولها فيما يتعلق بتقديم المساعدة في مجالات معينة كالرعاية الصحية التي ترهق كاهل إفريقيا ككل. ومن الممكن لهذه المؤسسات، مع ذلك، أن تكون شريكا مهما للمساعدات الرسمية.
إن الدول التي استيقظت متأخرة ليست بحاجة لإعادة اختراع الدولاب، إذ إن العديد من المنجزات التكنولوجية والتجارية أيضا أصبحت متاحة الآن في الأسواق التي تتبع منهج العولمة ومن الممكن استخدامها بالمجان تقريبا بعد أن تم طرحها في الأسواق. ومن المعروف أن بوسع إفريقيا حاليا أن تستفيد من العديد من المساعدات التنموية بصفتها مجموعة من البلدان التي اقتحمت الساحة الدولية متأخرة نوعا ما.
وربما كان من المفيد أن ترسل قمة الاقتصاد العالمي في هايليجين دام إشارة تؤكد أهمية مساهمة الأسواق التي تتبع نهج العولمة في تنمية إفريقيا. إن توفير مزيد من الأموال الحكومية للعمل التنموي المشترك يمكن عند ذلك أن يستخدم بصورة أفضل لجعل المواطنين الأفارقة يستفيدون أيضا من مكاسب العولمة.

الأكثر قراءة