الأهمية الاقتصادية للضريبة البيئية

من الملاحظ أن مشكلة التلوث البيئي أصبحت من أهم المشكلات التي تواجه الإنسان في القرن الحادي والعشرين؛ إذ إنه ترك لنفسه العنان في استغلال البيئة واستنزاف مواردها الطبيعية, لدرجة الإضرار بهذه الموارد, بل أصبحت حياته مهددة بكثير من الأمراض والمخاطر. وقد لفتت مشكلة التلوث البيئي الأنظار منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي الماضي, بسبب التقدم العلمي والتقني الذي شهده العالم, خاصة في المجال الصناعي.
ونظراً للمخاطر العديدة التي يسببها التلوث البيئي, فقد اتجهت الدراسات العلمية المتخصصة لبحث هذه الظاهرة منذ نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن العشرين الميلادي؛ حيث انصب الاهتمام أساساً على التلوث الناجم عن الأنشطة الصناعية للدول الصناعية, وعدت تلك الدول المسؤول الأول عن كثير من مشكلات التلوث البيئي؛ فأشارت بعض الدراسات على سبيل المثال إلى أن الولايات المتحدة, التي يقل عدد سكانها عن عشر سكان العالم, تنتج نحو ثلث النفايات المطروحة في الهواء والماء. وعقدت المؤتمرات والندوات والحلقات العلمية على كل الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية التي نبهت إلى خطورة التلوث البيئي من جميع النواحي الاقتصادية والاجتماعية والصحية, منها مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية الذي عقد في ريودي جانيرو في عام 1992, الذي أوصى بضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية البيئة من التلوث, أهمها الضريبة البيئية.
وأمام مخاطر التلوث البيئي اقترحت بعض الدراسات الاقتصادية الأخذ بنظام الضريبة البيئية, كوسيلة من وسائل مواجهة التلوث البيئي والحد منه بأسلوب اقتصادي. ويُقصد بالضريبة البيئية إلزام الممول, جبراً وبصفة نهائية ودون مقابل, بدفع مبلغ نقدي محدد لخزانة الدولة, بقصد حماية البيئة, أي أنها عبارة عن اقتطاع إجباري يدفعه الفرد إسهاما منه في التكاليف والأعباء العامة, وذلك باعتبار أن حماية البيئة تندرج ضمن الأعباء العامة.
ومن أهم المبررات التي استند إليها أنصار فرض تلك الضريبة البيئية, أنها إجراء يهدف إلى حماية حياة الإنسان, بتوفير الظروف البيئية المناسبة الخالية من كل مظاهر التلوث؛ بل إن هذا المبرر كان وراء المناداة بفرض ضريبة بأسعار مرتفعة, وذلك تطبيقاً للقاعدة التي تقوم عليها السياسة الضريبية, وهي قاعدة نسبية سعر الضريبة, التي تعني, من ناحية, أن الضريبة ينبغي أن تُفرض بأسعار معقولة بالنسبة إلى السلع ذات الاستعمال الشائع, وهي تلك السلع التي لا يترتب عليها كقاعدة عامة أي آثار ضارة؛ وتعني من ناحية أخرى, أن الضريبة تُفرض بأسعار مرتفعة على السلع الأكثر ضرراً.
كما يبرر أنصار فرض الضريبة البيئية الأخذ بها بأنها تهدف إلى حماية الصحة العامة للمواطنين, و الصحة في حد ذاتها أحد أشكال التنمية, بل إنها ركيزة أساسية لها, إذ إنها تعد جزءا من رأس المال الإنساني.
هذا فضلاً عن أن فرض الضريبة البيئية من شأنه أن يساعد على منع ـ أو حتى على الأقل التقليل من ـ استهلاك المواد التي تسبب أضراراً بالصحة العامة والكفاءة في العمل, وكلاهما يعد مطلباً أساسياً لرفع مستوى الإنتاجية. كما أن العائد الناتج من الضريبة يُمكن استخدامه في تعويض الضحايا الذين تثبت إصابتهم بأضرار من جراء التلوث البيئي.
ويبرر فرض الضريبة البيئية أيضاً ما يترتب على العوادم التي تنتجها المصانع وغيرها من آثار سلبية, تتطلب اتخاذ إجراءات مكلفة اقتصادياً للقضاء عليها أو التخفيف منها. فالدخان الناتج عن أحد المصانع مثلاً يتسبب في تحمل السكان المجاورين للمصنع تكاليف طبية ونظافة, على الرغم من أنهم لا يستفيدون من المنتجات التي ينتجها هذا المصنع. ولهذا فإن فرض ضريبة بيئية يُمكن أن يُسهم في إنتاج الكثير من البضائع والمنتجات دون آثار جانبية لعملية الإنتاج. ومن المعلوم أن السبب في وجود العوادم وكثرتها هو أنها أرخص طريقة لصنع الكثير من الأشياء أو لاستهلاكها, فإلقاء الفضلات يُعد بالنسبة لمن يسلك هذا السلوك أرخص من أن يشتري سلة مهملات, وإلقاء الفضلات في النهر يُعد أرخص من تنظيفها, لكنه يكون أكثر تكلفة بالنسبة للمجتمع. فإذا تم إلقاء فضلات أحد المصانع في نهر مجاور, فإن هذه العملية لا تكلف أصحاب المصنع أي تكلفة اقتصادية, ولكن السكان الذين يقيمون بجوار هذا النهر سيتحملون نفقات مالية باهظة بسبب استخدامهم مياه النهر الملوثة.
وتشير بعض الدراسات الاقتصادية إلى أن مواجهة التلوث البيئي تكلف الدول والأفراد نفقات مالية باهظة, فمواطنو دول الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال ينفقون نحو 1.5 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي من جراء الاختناقات في الشوارع, وينفق سكان بانكوك نحو 2.1 في المائة من الناتج الوطني الإجمالي لهذا السبب.
وعلى ذلك فالمبرر الأساسي لفرض الضريبة البيئية يتمثل في أنها وسيلة تُجبر الأفراد والشركات على أن تسلك أحد السبل الثلاثة الآتية: إما أن تتوقف تماماً عن النشاط الملوث للبيئة, أو أن تتحمل تكاليف نشاطها الضار بالبيئة؛ بحيث يتم استخدام حصيلة الضريبة في معالجة الأضرار التي سببها السلوك البيئي الضار, أو أن تبحث عن حلول فنية وتقنية تكفل قيامها بأنشطتها دون تلويث البيئة.
وأمام هذه المبررات الاقتصادية, فإننا نطرح عدة تساؤلات: هل يمكن الأخذ بنظام الضريبة البيئية في السعودية, ولا سيما أنها قد أولت التصنيع أهمية خاصة في خططها التنموية؟ وما الأساس الشرعي والقانوني لفرض مثل هذه الضريبة؟ وهل يُغني فرض الضريبة البيئية عن العقوبات التي تقررها قوانين حماية البيئة؟ ومن الذي سيتحمل في النهاية العبء المالي الناتج عن فرض هذه الضريبة: المنتج أم المستهلك؟ وما الآثار السلبية لهذا النوع من الضرائب؟ وهل هناك بدائل لها؟ هذا سنُجيب عنه لاحقاً, إن شاء الله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي