تطابق المٌقـال مع الحال

[email protected]

"الحقيقة" نعيش حياتنا نبحث عنها وأحيانا إن قيلت أمامنا نرفضها, لأننا نبحث عن مصدر آخر يثبت لنا ما يدور في رؤوسنا بأنه الحقيقة. نعيش حياتنا ونسمع أقاويل مختلفة من مصادر عديدة، يحمل كل منها اسم الحقيقة. نقف، نفكر، ونتساءل كيف يمكن أن تختلف الأقاويل ويطلق عليها جميعها حقيقة؟
يولد الإنسان ويتعلم عدم قول الحقيقة منذ صغره, عندما يكذب عليه والداه لتشجيعه على القيام بعمل معين مقابل مكافأة لا تقدم له, "والتعليم في الصغر كالنقش على الحجر". يطبق ذلك الإنسان كل ما تعلمه في صغره على كلما يتعرض في حياته. ويرجع ذلك بسبب أن يحصل في النهاية على ما يريد, مقابل عدم قول الحقيقة ولا يفي بوعوده، وبذلك يكون قد طبق ما تعلم منذ صغره. نشأنا جميعا على معلومة قد تعلمناها من مصادر مختلفة، أن الأفراد في جميع الدول عامة والدول الإسلامية خاصة لا يكذبون ويتحرون قول الصدق، حيث إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وصف المسلم في الدين الإسلامي بأنه لا يكذب، فأصبح من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلمون هي الصدق وقول الحق.
عندما يعرف عن الإنسان قول الحق دائما تنشأ بينه وبين المجتمع الذي يعيش فيه مصداقية لكل ما يقول. وكما هو معروف أن المصداقية هي تطابق المقال مع الحال أو ما هو في الواقع. تعيش كثيرٌ من المجتمعات حالة عدم تطابق المقال مع الواقع الذي يعيشون فيه. بمعنى يسمع كلمات يقال عنها إنها حقائق ولكن لا يعيشها في الواقع. بطبيعة البشر أنهم دائما يفضلون التحقق بأنفسهم لما يقال لهم، وإذا وجدوه مخالفا يفقدون الثقة بالمصدر. فمثلا يقال إن المهرجان السنوي سيفتتح غداّ دون أن يروا أي مظاهر لهذا الاحتفال في شوارع مدينتهم. أو يقرأ في الصحف أن عدد الحضور للمنتدى الثقافي الذي انعقد ليلة البارحة 50 ألف متفرج. وعند النظر للصور المرفقة يجدوا أن الصفوف الأولى من القاعة هي التي شغلت فقط. بذلك يكون الشعب هنا قد فقد المصداقية بالمُقال. عند فقد الشعوب هذه المصداقية مع من أدلى لهم بالمعلومة تنشأ فجوة كبيرة جدا بين المقال والحال الذي يعيشونه ويرونه. قد تفقد كثير من الدول مصداقيتها مع شعوبها وتتكبد نتائج تعود بالضرر الكبير على المجتمع. ولكن الأهم من ذلك هو استيعاب الدول للخطر الذي يمكن أن يداهمهم نتيجة فقدان المصداقية. وتأثيره في أفراد المجتمع وفي المستوى التطوري والتقدمي الذي ستكون تلك الدول قد تراجعت فيه بشكل ملحوظ.
إن آلية البناء والمحافظة على هذه المصداقيات التي يطالب بها أفراد الشعوب متشابهة وتكاد تكون موحدة، ويسهل تطبيقها بمجرد عرض الحقائق لأفراد الشعب حتى يتعايش معها ويساعد الحكومات في حلها. بينما تشكل إعادة إحياء المصداقية لدى الشعوب التي فقدتها صعوبة رئيسية تواجه الحكومات، حيث يصعب عليها النهوض بها مرة أخرى بعد ما فقدت بين أفراد شعبها.
هناك عوامل داخلية وخارجية تؤثر في مصداقية الخبر المعلن، عوامل خارجية ممثلة في الضغوط من الدول ذات السيادة في العالم على المجتمعات ودول العالم الثالث والتي لا يمكن أن يستهان بها. إذ تشكل الدول ذات السيادة في العالم قوة تأثير خارجية عليها، بذلك يصعب التحكم في السياسات والعوامل الخارجية. من جهة أخرى تشكل العوامل الداخلية التي تؤثر في مصداقية المعلومة أهمية تنافس بها العوامل الخارجية. حيث تتضمن هذه العوامل الأفراد القائمين بالأعمال والمسؤولين عن القوانين والأنظمة، المراقبين على جودة العمل المنفذ. إن مجموع هذه العوامل الداخلية في المجتمعات هي التي تشكل قوة هذه المجتمعات وضعفها، وسيادتها بين الدول الأخرى.
إذا فقدت المجتمعات المصداقية بين أفراد الشعب والعوامل الداخلية يصاب المجتمع بتخبطات يعيشها الأفراد، وتعم حالة من الضعف الجسدي والذهني بين أفراده، وتطفو صورة الإرهاق الذي يسهل على العوامل الخارجية التأثير فيه والاستيلاء عليه فكريا وثقافيا واقتصاديا. يشكل حال الدول الضعيفة وقتها فرصة للدول ذات السيادة أن يقوموا بجهد أقل للتحكم بأفرادها، توصف وقتها هذه المجتمعات في نظر دول السيادة بمجتمعات ساقطة فكريا وحضاريا. بذلك نستخلص مدى أهمية العوامل الداخلية وقوة تأثيرها في مصداقية المقال مع وصف الحال للمجتمعات.
هناك عامل مهم جدا له تأثير قوي على الأفراد في جميع الدول والمجتمعات يمكن أن يصنف من العوامل الداخلية والخارجية في الوقت نفسه ألا وهو"الإعلام ". يلعب الإعلام دورا مهما في المصداقية التي تكون بين الأفراد والعوامل الداخلية والخارجية، حيث تكثر مصادر الإعلام المرئية، المسموعة والمقروءة والتي تسهل على العوامل الداخلية والخارجية قيادة الأفراد داخل المجتمعات. ظهرت بعض القوى الإعلامية على الساحة وأصبحت تقود الأفراد وتعيشهم أكاذيب وآمال، تصورها لهم في عالم خيالي وتعيشهم عالما من الوهم والأخبار المزيفة, وبهذه الأخبار المزيفة تستطيع السيطرة على الأفراد وتعيشهم في أحلام وردية, لا يفيقون منها إلا بحدث سياسي أو اقتصاديٍ كبير ٍ يهز المجتمع ويفيقه. لذلك يعد الإعلام أداة من الأدوات المهمة في السياسة حيث تشكل أهمية تساوي أهمية القوى الاقتصادية وقوى الدفاع في المجتمع. وللأسف كثير من الدول تعيش مرحلة الإعلام المتحكم ولم ترتقي إلى مرحلة الإعلام التنموي.
إن نشر الحقائق بأكبر قدر ممكن من المصداقية لدى الحكومات التي تعاني من صعوبة في النهوض بها مرة أخرى، يشكل رابطاً قوياً بين أفراد المجتمع والحكومات. وبالتالي يبدأ بالتعايش مع هذه المشكلة المطروحة والمعلن عنها، مما يساعد الحكومات في حلها عن طريق عدم تشكيل ضغوط عليها، بذلك تصبح الصعوبة أقل ويرجع ذلك إلى مساندة الشعوب لحكوماتهم وتخطي الصعوبات بأقل الخسائر، ذلك إن أرادت.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي