يسر الشريعة (1 من 2)
حينما تقرأ الحقائق الشرعية الكلية فإنك تجد هذا المعنى "يسر الشريعة" من جملة الكليات الشرعية المستقرة، وتجد هذا الاستقرار متمثلاً في نصوص الشريعة نفسها في الكتاب والسنة وإن كانت السياقات يدخلها قدر من التنوع في تقرير هذا المعنى الكلي، وهذا من تمام البيان، فإن التنوع في السياق يمنع فرض التوهم بالتأويل على السياق الواحد، وتحت هذا النظر يأتي مثل قول الله: (ما جعل عليكم في الدين من حرج). وقوله: (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها). وقوله: (فاتقوا الله ما استطعتم). فهذه السياقات وما في معناها تقرر معنى اليسر الشرعي، وتصنع له قواعد من حيث التطبيق، ولا تجد أصدق من مثل هذه المعاني القرآنية المقربة إلى حقائق النفس البشرية وطبيعتها الناقصة وما يدخلها من مادة سقوط القدرة أو نقصها، فحينما يعلق الأمر بالطاقة والاستطاعة فهذا محقق لمعنى اليسر على قدر من التمام، ولا تجد عفواً أوسع من العفو الشرعي في مقام الطلب بالأمر والنهي الذي يتصل بأحوال النفس الأخرى كالنوم والنسيان والإكراه، حتى لوعرض الإكراه في قول كفر فإنك تقرأ في كتاب الله: (من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً.....). الآية.
فهذا الرفع للحرج حال الإكراه هو من جملة المعنى العام لليسر الشرعي، ومن هذا المعنى وما قاربه فَقِهَ علماء القواعد والأصول جملة الحقيقة الشرعية، فجاءت التعابير عندهم تتصل بهذا الضبط والتسلسل بين الشريعة والطبيعة البشرية، ومن أشهر الكلمات الأصولية القواعدية "المشقة تجلب التيسير" وإذا كان علماء القواعد جاءت عنايتهم بمثل هذه الجمل الكلية ويذكرون فروعا لها، فإنك تقرأ في كتب فروع الشريعة ومصنفات الفقهاء التفصيلية أثر هذا المعنى الكلي في كثير من أحكام العبادات والمعاملات، وربما كانت أحكام السفر وما يرد فيه القصر وجمع الصلاة وجواز الفطر وامتداد مدة المسح إلى ثلاثة أيام ولياليهن تعد من الأمثلة المشهورة الشائعة، وإن كان اليسر عند التحقيق لا يقتصر على مثل هذه التطبيقات وحدها، بل صاحب الفقه والإدراك يقرأ الشريعة كلها يسراً، وقد كان السالفون من أئمة الفقهاء يرمزون للفقه بمثل هذا المعنى، والله الهادي.