الأسرار الأمريكية لعبة في أيدي طفل
الأسرار الأمريكية لعبة في أيدي طفل
لطالما تحدثت في العديد من المناسبات عن أن أمن المعلومات ثقافة ووعي وسياسة أكثر من كونه تقنية وأدوات. حيث إن تركيب أحدث برامج الحماية قد يكون من دون أي فاعلية في حال تم إهمال العنصر البشري. ولعلي أستغل حادثة حصلت قبل أسبوعين لأبرهن على ذلك. فقد اكتشف أحد الباحثين وثائق سرية خاصة بحكومة التحالف والتي حكمت العراق لفترة تقارب السنة قبل تكوين الحكومة العراقية الجديدة. حيث قام الباحث بسحب بعض الوثائق من الإنترنت التي تحتوي على بعض التقارير المتعلقة بالشعب العراقي والتي كانت متاحة للعموم من خلال موقع هذه الحكومة. هذه الوثائق في ظاهرها لا تحتوي على أي معلومات سرية، ولكن في الحقيقة تحتوي على بعض التقارير والخطابات السرية المتعلقة بالاحتلال الأمريكي للعراق والمخفية داخل الوثيقة، ومن المفترض ألا تنشر للعموم.
ولكن كيف يمكن وضع وثائق بهذه السرية في موقع الحكومة وإتاحتها للعموم؟! الجواب بسهولة هو عامل العنصر البشري. حيث كان ابن هذا الباحث والبالغ من العمر ثماني سنوات يعبث بفأرة الجهاز وقام بتفعيل خيار Markup من قائمة view في برنامج "الوورد". هذا الخيار يقوم بعرض جميع التعديلات على الوثيقة بتواريخها في حالة تم تفعيل خيار Track Changes في برنامج "الوورد". ويبدو أن المشرفين على الموقع في هذه الحكومة كانوا يقومون بنشر تقاريرهم بدءا من الوثائق السرية ومن ثم حذف المعلومات السرية وإضافة بعض المعلومات المتاحة للعامة. ولكن ما لم يكونوا يعلمونه أن هذه التعديلات ستبقى مخزنة في ملف الوثيقة لكي يتم اكتشافها مصادفة بواسطة هذا الطفل! وفي تقديري أن سبب هذا الإفشاء غير المقصود سلسة من الأخطاء البشرية وفي سياسة النشر وأمن المعلومات. وبغض النظر عن المحتويات الموجودة في هذه الوثائق فإن هذه القصة هي دليل على أهمية العنصر البشري في مجال الحماية.
ورغم أني من دعاة نشر أكبر كم من المعلومات على شبكة الإنترنت عن أعمالنا وأنشطتنا وتعليمنا وما نتعلمه، وأن لا نكون سجانين للمعلومات والمعارف، إلا وأنه مع الطفرة الحاصلة حاليا في المملكة العربية السعودية والوجود الآخذ في التزايد يوما بعد يوم للمؤسسات والقطاعات الحكومية على الإنترنت، فإن سياسات النشر ومراجعة ما يتم نشره وتدريب العنصر البشري أمر في غاية الأهمية. لذا فيجب أن نتعامل مع ما ينشر لعموم الناس بالطريقة السليمة المدروسة مع أخذ الاحتياطات اللازمة لجانب الحماية، حتى نتجنب الأخطاء والإحراج التي حصلت لغيرنا. ومهما حرصنا على الجوانب الأمنية، إلا أنه سيظهر بعض الأخطاء نسأل الله الحفظ والستر.