1000 سفينة صيد سعودية تواجه خطر دخول المياه الإقليمية للدول المجاورة
ما بين أمواج بحر عاتية وأنظمة وتراخيص وضعت من قبل جهات ذات علاقة بهدف تنظيم حركة النزول والعودة من مياه الخليج, تبحر نحو 250 سفينة صيد يوميا من قبالة شواطئ المنطقة الشرقية, باتجاه مواقع محددة تشير لها خرائط تزود بها هذه السفن من قبل موانئ النزول تتبع لحرس الحدود في المنطقة, وفي مخيلة ملاكها والعاملين عليها, جني صيد وفير يسدون به رمق أفواه, جلست هناك على اليابسة, وأياديها تلامس السماء, دعاء لهم بسلامة العودة التي قد تمتد قرابة سبعة أيام متواصلة.
هكذا هي حياه الصيادين، صراع دائم بين أحوال الطبيعة وأنظمة تطبقها الجهات المعنية لتنظيم حركة الإبحار بهدف حماية أرواحهم وممتلكاتهم, وتجنبا لدخولهم المياه الإقليمية للدول المجاورة, ما يعرضهم للمساءلة القانونية من قبل أفراد حرس الحدود لتلك الدول, بل يتعدى ذلك إلى محاكمتهم ومصادرة قواربهم في بعض الأحيان. في حين يرى الصيادون تلك الأنظمة, سلاسل متينة تكبل آمال قواربهم المزودة بجميع معدات السلامة التي تجنبها مخاطر الدخول إلى مناطق الإبحار المحظورة أو الخروج من المياه الإقليمية للمملكة, التي تدخلها في بعض الأحيان قوارب وسفن صيد من دول أخرى, تكتفي الجهات المعنية هنا بكتابة تعهد عليهم بعدم تكرار المخالفة وفي حين أنهم ـ أي الصيادين السعوديين ـ يلقون معاملة مغايرة في حال دخولهم المياه الإقليمية القطرية أو الإيرانية أو البحرينية, من حيث الغرامة والسجن ومصادرة قواربهم, بل إن بعضهم ذهب لأبعد من ذلك بأن عددا من قواربهم يتم إيقافها داخل المياه الدولية المسموح بالإبحار فيها وفق المواثيق الدولية.
"الاقتصادية" بحثت في أروقة الإجراءات المنظمة لحركة الإبحار من قبل حرس الحدود في المنطقة الشرقية, واستقصت من أعماق معاناة الصيادين عن المخاطر التي تحد نشاطهم وتهدده, من خلال هذا التحقيق بعد احتجاز السلطات القطرية سبع سفن صيد سعودية قرابة 48 يوما وفرض غرامات مالية مقدارها 350 ألف ريال قطري على سبعة ربابنة كانوا يتولون قيادة هذه السفن.
ضوابط النزول للبحر
يضع حرس الحدود في المنطقة الشرقية ضوابط وشروطا لا يمكن تجاوزها لأي سفينة أو قارب صيد يود الإبحار لمياه الخليج, حيث يتم في بداية الأمر التسجيل لدى مراسي الصيد, لتحديد وقت النزول والعودة حتى يتمكن أفراد الحرس تقديم العون والمساعدة في حال تأخرهم عن الوقت المحدد, ولا سيما أن التأخير قد يكون مرتبطا بسوء الأحوال الجوية أو نفاد الوقود لدى سفن وقوارب الصيد أو الضياع وسط مياه الخليج.
حرية الصيد
وفقا للعقيد محمد سعد الغامدي مدير العلاقات العامة في المديرية في حرس الحدود في المنطقة الشرقية, فإنه يسمح للصيادين بحرية الصيد في المواقع التي يحددونها بعد تزويدهم بخرائط توضح المناطق المسموح بالصيد فيها أو تلك المحظورة.
غرف القيادة والسيطرة
وبين العقيد الغامدي أن هناك غرف قيادة وسيطرة تابعة لحرس الحدود متمركزة في المناطق الساحلية, وتستقبل بشكل يومي على مدار الأربع والعشرين ساعة بلاغات من قبل صيادين أو متنزهين تعرضوا لمشكلات متنوعة كدخولهم مناطق ضحلة أو أن يكونوا قد علقوا في إحدى الجزر القريبة, مؤكدا أن هذه البلاغات يتم التعامل معها بشكل فوري وسريع للغاية لتقديم المساعدة المطلوبة من قبل أفراد حرس الحدود.
إنقاذ 37 شخصا
كشف العقيد أن عددا من أفراد حرس الحدود تمكن الأسبوع الماضي من إنقاذ قارب على متنه نحو 37 شخصا تحركوا من ميناء الجبيل, بيد أنهم علقوا بإحدى الجزر نتيجة سوء الأحوال الجوية التي شهدتها الفترة الماضية, واستطاع أفراد حرس الحدود بفضل الاستغاثة التي تلقاها مركز القيادة والسيطرة من قبل القار، الوصول إليهم وتقديم العون اللازم لهم وإنقاذهم وتسهيل مهمة دخولهم منطقة الجبيل سالمين, مشيرا إلى أن اتصالهم بمركز القيادة بالسرعة المطلوبة مكن أفراد حرس الحدود من التعامل مع الحادثة بصورة سريعة للغاية, مشيرا إلى أهمية إبلاغ مراكز القيادة والسيطرة بأي طارئ يتعرض له الصيادون داخل مياه الخليج, وأكد أن مراكز القيادة والسيطرة تستقبل بشكل يومي هذه البلاغات والنداءات من قبل الصيادين. هناك دوريات تجوب المناطق الساحلية لتقديم المساعدة في حين أن هناك دوريات أخرى توجد داخل مياه الخليج لتلقي أي توجيهات من قبل مراكز غرف القيادة لتقديم أي خدمة سواء فيما يتعلق بالبحث والإنقاذ أو إرشاد الصيادين للابتعاد عن المناطق الممنوع الاقتراب منها.
المياه الإقليمية والدولية
وبين العقيد الغامدي أن هناك خرائط يتم عرضها على الصيادين توضح المناطق المحظور الاقتراب منها والمناطق التي لا يسمح بتجاوز قوارب الصيد لها, حيث يتم تعريفهم بتلك الخراط على حدود المياه الإقليمية للمملكة وأهمية الالتزام بتعليمات حرس الحدود التي تنص على عدم دخول المياه الإقليمية للدول المجاورة حتى لا يتعرضوا لعقوبات أو إجراءات قانونية متفق عليها بين هذه الدول.
وأشار إلى أن المياه الإقليمية المسموح بالإبحار فيها تصل مسافتها إلى 18 ميلا بحريا عن شواطئ المملكة, وهي ما تسمى المياه الإقليمية, أما المياه الدولية فهي مياه مشتركة يسمح للسفن والقوارب بالإبحار فيها دون مساءلة من قبل أي جهة أخرى تتبع للدول المجاورة.
وألمح العقيد الغامدي إلى أن هناك بعض التجاوزات التي تحدث بين الحين والآخر تتمثل في تخطي المياه الإقليمية للمملكة من قبل قوارب الصيد, وفي مثل هذه الحالة يتم تطبيق الأنظمة بحق المخالفين. وبين أن حرس الحدود أيضا يقوم بدور إضافي عندما يقوم بالتنسيق مع "الثروة السمكية" بإيقاف من لا يتقيدون بضوابط الصيد المنظمة من قبل الثروة السميكة وتسليمهم إلى "الثروة السمكية". وعلل العقدي هذه التجاوزات بالبحث عن الصيد الوفير من الأسماك وفي بعض الأحيان بجهل الصيادين أنفسهم بهذه القوانين.
وبين أن هناك اتفاقيات دولية تطبق من قبل حرس الحدود في الدول التي تطل أراضيها على مياه الخليج. إن التجاوزات التي تحدث من قبل البعض تعود لعدم درايتهم بهذه الأنظمة التي تعمل على حماية المياه الإقليمية لكل دولة, مشيرا إلى أنه في حالة أي تجاوزات تتم كتابة تعهد على المخالفين الذين يدخلون المياه الإقليمية للمملكة, على أن تعقبها إجراءات أخرى في حال تكرارها.
4 دوافع للخروج من المياه الإقليمية
في المقابل يرى صيادون أن هناك عدة أسباب من شأنها أن تدفعهم للدخول في المياه الإقليمية, لعل من أبرزها أن أغلب المصائد في المملكة ممنوع الاقتراب منها إما لأسباب أمنية وإما لكونها مناطق نفطية تابعة لـ "أرامكو السعودية" التي عادة ما تحتل مسافات كبيرة في البحر في حال وجود عمليات لها فيه, كما أن القوارب العاملة في المنطقة الشرقية عددها كبير جدا, إذ تفوق ألف قارب صيد تنطلق من عدة مراكز منتشرة في الجبيل, القطيف, دارين, الدمام, الخبر, منيفة, وسيهات, إضافة إلى مراكز أخرى صغيرة. ومن الأسباب التي تدفعهم أيضا إلى دخول المياه الإقليمية عدم وجود دوريات محلية تابعة لحرس الحدود في المناطق المتداخلة مع المياه الإقليمية للدول المجاورة, مما يغري الصياد بالمجازفة للخروج من المياه الإقليمية, ولا سيما أن المسافة بين السعودية والبحرين أقل من المسافة المتعارف عليها دوليا وهي 18 ميلا بحريا, وفي حال أبحر الصياد في المنطقة الواقعة خلف قطر (بين قطر وأبو ظبي ) فلا توجد دوريات محلية, وهي أيضا من مناطق المياه المتداخلة, مطالبين بتكثيف وجود دوريات حرس الحدود في مناطق المياه المتداخلة, والبعد قليلا عن الشواطئ المحلية لحماية الصيادين المحليين, ولا سيما أنهم يشاهدون وجودا مكثفا لدوريات البحرين وقطر في تلك المناطق, بالتالي فإن صيادي تلك الدول يعدون محميين تماما من قبل دورياتهم في حال حدوث أي مشكلات بين الصيادين.
ويرى الصيادون أن هناك معاناة حقيقية يواجهونها في حدود المياه الإقليمية للدول المجاورة بما فيها إيران, حيث تفرض عليهم غرامات مالية لا يتحملها الصيادون، في حين أن المملكة تعامل من يدخلون مياهها الإقليمية بكل احترام, وأن الصياد المخالف في هذه الحالة يعاقب بكتابة تعهد بعدم تكرار مخالفته. بل إن السلطات السعودية تلجأ أيضا إلى معاقبة الصيادين المحليين بغرض غرامات مالية والإيقاف لمدة زمنية محددة في حال دخولهم المياه الإقليمية لأي دولة مجاورة والتي بدورها أيضا تطبيق أنظمتها على الصيادين, مطالبين في الوقت ذاته ألا يقتصر دور حرس الحدود على البحث والإنقاذ فقط بل يجب أن يتعدى ذلك إلى حمايتهم في مناطق المياه المتداخلة مع تلك الدول.
البحث والإنقاذ
وهنا, أوضح العقيد الغامدي أن البحث والإنقاذ كلمتان متلازمتان, تعني الأولى البحث عن أشخاص مفقودين أو وسائط (سفن قوارب الصيد), أما الإنقاذ فتعني أن هناك أشخاصا أو وسائط واجهوا وضعا غير عادي في البحر مثل سوء الأحوال الجوية داخل المياه, أو بداية الغرق, أو تعرض الواسطة للحريق, وهنا تقوم الواسطة بإرسال نداء استغاثة أو إشارة استغاثة لمركز القيادة والسيطرة الذي يقوم بدوره بتوجيه أحد زوارق حرس الحدود ليقوم بدور الإنقاذ, مشيرا إلى أن حرس الحدود يعمل دائما على حماية الصيادين من خلال تقديم كثير من الخدمات حفاظا على أرواحهم وممتلكاتهم.
واجبات أمنية وإنسانية وخدمية
وأوضح العقيد الغامدي أن هناك ثلاثة واجبات يقدمها أفراد حرس الحدود, تتلخص الأولى في الواجبات الأمنية تشمل مكافحة التهريب والتسلل على الحدود البحرية والبرية والمياه الإقليمية, إضافة إلى واجبات خدمية تقوم بها مراكز القيادة والسيطرة تتمثل في تقديم تسهيلات خروج الصيادين ودخولهم ومراقبة التلوث في البحر وإبلاغ الجهات المختصة بذلك, أو في حالة نفوق أسماك أيضا يتم إبلاغ الجهات المعنية بذلك للتحرك والسيطرة على أي مشكلة من هذا النوع, أما الواجب الثالث فيضمن تقديم خدمات إنسانية تتمثل في مد يد المساعدة والعون بواسطة البحث والإنقاذ والإرشاد للصيادين أو المتنزهين في البر والبحر.
ضوابط وشروط
هناك ضوابط يجب أن تتوافر في القوارب التي يود أصحابها الإبحار في مياه الخليج بها, منها ضوابط متعلقة بحجم القارب وأخرى بتوافر معدات السلامة, وإمكانية مقاومتها الأحوال الجوية وتحملها الإبحار لمسافات بعيدة ولفترة زمنية تمتد سبعة أيام بعيدا عن الشواطئ المحلية.
وبين أن هناك شروطا يجب توافرها للسماح للقوارب بالإبحار, تتمثل في أن القوارب التي يقل طولها عن تسعة أمتار ويقودها شخص واحد يسمح له بالإبحار لمدة 72 ساعة شريطة أن يلتزم الصياد المواقع المحددة له للصيد من قبل حرس الحدود ويسمح لهؤلاء بمزاولة الصيد إذا كانوا منفردين في قوارب والتزموا أمام مراكز انطلاقهم أنهم سيبحرون معا ويلتزمون الصيد في أماكن متجاورة ومرئية لبعضهم بعضا. أما القوارب التي يقل طولها عن تسعة أمتار ويقودها طاقم مكون من أكثر من شخصين فيسمح لها بالإبحار لمدة أربعة أيام. وفي حال كان طول القارب أكثر من تسعة أمتار وطاقمه مكونا من ثلاثة أشخاص فأكثر فيسمح لهم بالإبحار لمدة أسبوع فقط, وإذا أرادوا الإبحار إلى قطاع آخر فيسمح لهم بمدة لا تزيد على 15 يوما, إضافة إلى ضوابط أخرى تشمل معرفة الأحوال الجوية, عدم حمل أشخاص غير مصرح لهم بالإبحار, أو أكثر من العدد المصرح له, الخضوع لعمليات التفتيش عند النزول أو العودة من البحر, عدم الاقتراب من المناطق المحظورة كالممرات الملاحية, منطقة الميناء, المنشآت الحكومية, العسكرية, الصناعية, البترولية, محطات تحلية المياه, الجزر أو النزول إليها, عدم رمي المخلفات والفضلات, عدم تجاوز المياه الإقليمية أو الدخول في المياه الإقليمية للدول المجاورة والتأكد من ذلك عبر الخرائط الموجودة لدى ميناء النزول, تحديد منطقة الإبحار عند التصريح حتى يتمكن حرس الحدود من تقديم المساعدة في حال حدوث أي طارئ للقارب, توافر معدات السلامة ومكافحة الحرائق, وفقما ينص عليه دفتر الرخصة الممنوحة للقارب, توافر الأنوار الملاحية المطلوبة للقارب, وجود الأجهزة اللا سلكية, حيث هناك أجهزة إلزامية وأخرى اختيارية, عدم حمل أي أجهزة أخرى إلا بموافقة من الجهات المختصة, كما يمنع استخدام البنادق الهوائية بجميع أنواعها.
250 عائلة وثقت علاقتها بالصيد
يذكر أن هناك أكثر من 250 عائلة سعودية ورثت مهنة الصيد أبا عن جد في المنطقة الشرقية, وتعمل هذه العائلات في حرف متعددة لها علاقة وثيقة بالصيد, حيث هناك عائلات تمارس مهنة الصيد بواسطة قوارب يمتلكونها, وأخرى تعمل في سوق القطيف من وزانة ودلالين, وعائلات أخرى تخصصت في بيع معدات الصيد, وأخيرة لها مصانع تنتج قوارب الصيد مختلفة الأحجام والمواصفات, حتى المرأة السعودية كانت في الماضي تشكل رقما مهما في مهنة الصيد عندما تعمل في منطقة تسمى (الحضرة), وهي منطقة تتجمع فيها كميات من الأسماك بحركة المد والجزر لأمواج البحر.