هل هناك مخاطر ركود اقتصادي بعد ارتفاع اليورو؟
السيناريو الحالي نفسه يشابه تقريبا السيناريو الذي كان في منتصف التسعينيات. في ذلك الحين، شهدت ألمانيا انتعاشا اقتصاديا جيدا وواعدا. ولكن تصاعد الأجور القوي يرفع من أعباء التكاليف على الشركات، ويقلل من القدرة على المنافسة وينهي حيوية الاستثمار. إضافة إلى ذلك ترتفع قيمة العملة، ففي ذلك الوقت ارتفع المارك الألماني بنحو 30 في المائة مقارنة بآخر انخفاض شهده. وفي النهاية يتدهور الانتعاش الذي لم يمر على انطلاقته زمن طويل. وأيضا في هذا العام تشير جميع الدلائل إلى ارتفاع واضح في اتفاقيات الأجور، و اليورو وصل إلى قيمة قياسية عالية مقابل الدولار. فهل يهدد الانتعاش الاقتصادي المصير نفسه من ذلك الزمان ؟ بعض الأسباب تعارض هذه النظرية القياسية.
أولا: إن أبعاد مسألة تطور الأجور وارتفاع قيمة العملة أقل بكثير من الأبعاد قبل عشر سنوات، وهاتان المسألتان تتمتعان بنقطة انطلاق مختلفة. في عام 1995 ارتفعت الأجور والرواتب القياسية (الموضوعة حسب التعريفة) على أساس قاعدة اقتصادية كلية بنسبة 3.6 في المائة - بيد أن الارتفاع كان مصحوبا بمنحنى مرتفع بعض الشيء في القوة الإنتاجية. في هذا العام سيكون هنالك 2 قبل الفاصلة في نسبة الارتفاع. ففيما كان نمو تكاليف وحدة الأجور في التسعينيات قد خرج في مطلع العقد عن طور السيطرة، ننطلق الآن من وضع يعد في المقارنة العالمية مريحا وكانت أطراف عقود أجور التعريفة قد طورّته في الأعوام الماضية من خلال مساق معتدل. لهذا السبب ستعمل النتائج المترقبة لمباحثات الأجور على تقوية الدخل، ولكنها لن ترهق كليا، القدرة على المنافسة لدى الشركات.
كما أن ارتفاع قيمة اليورو أمام الشركاء التجاريين يتطور بصورة معتدلة أكثر مقارنة مع التسعينيات. فأولا، لا يتجاوز ارتفاع قيمة اليورو الخارجية عن آخر انخفاض شهدته العملة الأوروبية سوى 10 في المائة، وثانيا تسير هذه الحركة بخطى أبطأ من ذلك الوقت. وفي الوضع الحالي يستفيد الاقتصاد القومي لألمانيا من ميزة ملموسة للعملة الموحدة اليورو: لو كان نظام العملة الأوروبية مازال موجودا لغاية الآن، لتولد بجانب ارتفاع قيمة العملة مقابل اليورو والين ضغط إضافي في مسألة ارتفاع قيمة العملة مقابل عملات شركاء تجاريين من الاتحاد الأوروبي - وبالأخص الليرة الإيطالية والبيزيتا الإسباني، لأصبحتا من المحتمل عملتين مرشحتين لانخفاض في القيمة. ومن المحتمل أن تصيب المضاربة عملات أخرى.
أضف إلى ذلك آليات أخرى تجعل تحركات العملة نسبية: أغلب العقود التي تحتوي على مخاطر في العملة مؤمنة اليوم ضد هذه النقطة، وهذا لأشهر عديدة في المستقبل. والعديد من الشركات اليوم تنتهج التوسع عالميا بصورة أشد من قبل عشرة أعوام وبهذا فهي مستقلة عن تحركات العملة. وأخيرا - وهذه هي أهم حجة - يتطور الاقتصاد العالمي اليوم بحيوية أكبر من قبل عشرة أعوام، فموجة العولمة الحالية تعمل على تأمين أكبر نمو للاقتصاد العالمي منذ 40 عامـا.
ورغم ذلك لا تبقى التغيرات في أسعار صرف العملات دون أي تأثيرات. فقد أثبت صندوق النقد الدولي أخيراً أنه عند إزالة أسس عدم المساواة الدولية فإن التغير سوف يلعب دورا لا يستهان به. وإذا استمر اليورو في ارتفاعه دون توقف فإن تطلعات الانتعاش الاقتصادي ستكون بلا شك متواضعة. وهذا بالطبع ليس مرتبطا تلقائيا بقضية تخطي اليورو القيمة العليا الحالية 1.3 دولار لليورو الواحد. فتعليقات الشركات المتزنة حول التطورات الأخيرة في أسواق العملات، تشير أيضا في هذا الاتجاه.