إلى الراغبين في الاستقالة .. إما الباب وإما النافذة
في العدد الأخير من مجلة النقل والمواصلات اطلعت على مقال لمعالي الدكتور غازي القصيبي هو عبارة عن ذكريات لمواقف تقوم المجلة بنشرها، وقد كان أحد هذه المواقف بعنوان (الزميل العصبي ... واستقالاته الوهمية)، حيث يتضمن المقال توجيه النصح لكل إداري ناشئ ألا يخضع لابتزاز الاستقالة فهو لا يختلف عن أي ابتزاز، وإن تم قبوله مرة فستكون البداية التي لن تنتهي. ويذكر معالي الدكتور أن هناك زميلا عزيزا كان معه في السكة الحديد وكان – بطبعه – عصبياً وكان كلما أبدى معاليه ملاحظة لهذا الزميل يقول الزميل على الفور (لا تضغطوا علي! كل المديرين السابقين رفضوا استقالتي أنا لا أريد البقاء ... ولكن استقالتي ترفض دائماً) ويقول معاليه إنه استمع إلى هذا الكلام مرة ... ومرتين... أما المرة الثالثة فقد قام معاليه بإيقاف هذا الزميل وقال له: كم باباً في هذا المكتب؟ فدهش الزميل ولم يجب ثم كرر معاليه السؤال فرد الزميل: هناك بابان فرد عليه معاليه: ولا تنس النافذة! تستطيع الخروج من أي باب شئت حين تشاء. الاستقالة مقبولة. يذكر الدكتور غازي في المقال أن الزميل (تمتم بعدها بأنه لم يكن يعني ما يقول ... ولم يرجع بعدها .. إلى حديث الاستقالة وإن كنت لا أستبعد أن قال للمدير الذي جاء بعدي كل المديرين السابقين رفضوا استقالتي).
يستخدم بعض الموظفين أسلوب الاستقالة كورقة ضغط يحرصون على تقديمها للحصول على بعض المميزات التي قد يرون من وجهة نظرهم أنها حق لهم أو للتعبير عن بعض الأوضاع الموجودة في العمل التي قد لا تتناسب مع آرائهم الشخصية، والمشكلة في هذا الأسلوب أنه أسلوب خطر وغير آمن، فبعض الموظفين يلجأون إلى هذا الأسلوب دون أن يقوموا بتأمين فرصة العمل البديلة، وبالتالي ففي حالة قبول الإدارة الاستقالة يفاجأ الموظف بأنه عاطل عن العمل ويبدأ مرحلة جديدة للبحث عن عمل آخر قد لا يجد فيه نصف مميزات عمله السابق، بل قد يجد فيه أضعاف العوائق التي كانت موجودة في السابق ويضطر لقبول هذا العمل لعدم وجود عمل آخر لديه، بل إنه في بعض الأحيان قد يلجأ إلى أن يتقدم إلى عمله السابق ويطلب سحب الاستقالة والتراجع عنها.
إن الذي يرغب في الاستقالة من عمله يجب أن يحرص على أن يراجع هذا الموضوع جيداً ويدرس هذا القرار بشكل واف ويضع الاحتمالات كافة ويعد قائمة بإيجابيات وسلبيات الاستقالة ولا يدع العواطف تتحكم فيه، كما لا يدع المواقف المفاجئة تكون سبباً في تحديد مستقبله فالاستقالة تعبر عن شخصية الموظف وقدرته على التحكم في مواقفه واتخاذ القرارات التي يراها مناسبة على مستواه الشخصي وكذلك العملي.
والموظفون الجادون أصحاب القدرات والمهارات المتميزة لا يقدمون على الاستقالة كورقة ابتزاز ولا يلوحون بها في كل وقت ومحفل، بل تراهم يقومون بدراسة الوضع وترتيب أوراقهم وتوفير البدائل المناسبة ثم العزم على الرحيل وتقديم الاستقالة دون تردد ومن دون أن تكون هناك مساومة، بل حتى لو قدمت لهم مميزات إضافية للبقاء فهم يرفضون ذلك، إذ إن قرار استقالتهم لم يكن للمساومة، بل كان قرار قناعة شخصية بعدم إمكانية الاستمرار والبقاء والإنتاج.
وهناك موظفون تتمنى إداراتهم أن يقوموا بتقديم استقالاتهم وتتم الموافقة عليها فوراً رغبةً في التخلص منهم ولذلك فهم يفتحون لهم الأبواب وأحياناً – النوافذ- للخروج، بل قد يقدمون لهم بعض الحوافز للاستقالة، كما أن هناك بعض الموظفين يعتبرون ثروات ورؤوس أموال تحرص الإدارات على المحافظة عليهم، ومثل هؤلاء يجب على الإدارات أن تدرس قرارات استقالاتهم جيداً وأن تعرف مسبباتها للحد من خروج المتميزين والمحافظة على الكفاءات لما فيه الصالح العام.