أبوي: أبوي
أبوي: أبوي
منذ سنوات طويلة وأنا أحب متابعة الشعر المحكي وقراءة لذيذه ومدهشه، و"أحاول" كتابته بطريقة مختلفة عن السائد والمألوف، وبغض النظر عن درجة نجاح أو فشل هذه المحاولات، إلا أن حُلماً كان يراودني طوال هذه السنين مع الشعر، يتلخص في كتابة قصيدة عن والدي - حفظه الله -، ورغم ملامح هذا الحلم السهلة عند البعض، إلا أنه حلم رفض أن يتحقق مع وجود محفزات لا تُحصى ولا تُعد لتحقيقه لي أنا بالذات.
كانت المحاولات كثيرة لكتابة نصوص شعرية على أمل تحقيق الحد الأدنى من ملامح هذا النص، لكني - للأسف أو "من حسن حظي" لا أدري- لم أستطع إيجاد ما يستحق أن يصل إلى هذا الحد الأدنى من قصيدة تقبلها ذائقتي للكتابة عن والدي، النتيجة النهائية دائما كلامي لا يصل إلى ما أريد الوصول إليه أو الوصول إلى أقربه!
قد يكون السبب أني لم أزل أرى والدي أكبر من أن يُكتب؟ أم أن للشاعر حالة تستلزم حضورها الكامل لديه عند رغبته الكتابة عمن يحب؟ أم أني ابتليت الشعر بإقحامي فيه إلى الدرجة التي تجعلني عاجزا عن الكتابة عن والدي؟ أم أن الحالة خاصة جدا إلى الدرجة التي تجعلها لا تستحق التأمل في أسبابها؟! ورغم هذه الخصوصية إلا أن الأسئلة التي تتراكم بسببها كثيرة جدا!
الحالة الشعرية المناسبة لكتابة نص "عظيم" كيف نستدرجها؟ هل لعناصر الزمان والمكان علاقة مباشرة بحضور الحالة؟ من هو الشاعر الحقيقي؟ هل هو القادر على كتابة الشعر في أي وقت وأي مناسبة؟ أم أنه الذي يدهشك بقراءته حتى ولو كان الذي كتب نصا واحدا فقط في حياته؟ قلب القصيدة وقالبها إلى أي حد يجب أن يتوازنا حتى يظهر النص العظيم من خلالهما؟
الزبدة: كانت غصة ذات شجون تبرر عجزي عن محاولة الامتنان لوالدٍ أعطاني أكثر مما يعطي الآباء أبناءهم بقصيدة تُخلد، وما يسلي هذا الضعف أني أعلم قبل كل تلك المحاولات الفاشلة أن هذا الرجل كان أكبر بكثير مما سأكتبه أيا كان، وأستميحكم عذرا بكتابة هذه الرسالة إليه هنا لعلي أكسب نفسي بابتسامته وأنا بعيد عنه: "أبو رمضان.. والله إن أعظم الشعراء سيقعون فيما وقع فيه ولدك لو كنت والدا لهم، فلا يشبهك إلا أنت، ولا يرضيهم في وصفك إلا أن يقولوا كما قلت في آخر ضعف كتبته لك:
لو كان هذا البحر دفتر
وروح القصايد واقفة وتلح
والله لا غرق... ما كتبتك صح!"