حوداث السيارات تحصد الأرواح .. ولاحلول
حوداث السيارات تحصد الأرواح .. ولاحلول
عاشت شوارع مدن رئيسية في المملكة عقدين من الزمان تشهد يوميا حوادث مرورية قاتلة، وسط جهود مبذولة في دحرها بوسائل توعوية وأنظمة طالما صعب تطبيقها بين كثير من الناس دون مراعاة واهتمام. ومازالت الحوادث المرورية في ازدياد، وخصوصا على الطرق السريعة وخلال أيام الإجازات، ويبقى القصور مرتبطا بالمجتمع عامة، إضافة إلى الكثير من الأسباب التي تسهم في حصد الأرواح بطريقة عشوائية.
الكل يؤمن بأن الموت قضاء الله وقدره، ولكن هل للبشر أو الأجهزة دور وسبب؟ وهل يمكن وقف التراخي والإهمال المصاحب لهذه الحوادث التي راح ضحيتها المئات؟ ما حجم المسؤولية التي تقع على سائقي المركبات .. أو على أجهزة أمن الطرق والمرور والمجتمع كافة؟
الأمر بحاجة إلى استمرار الجهود الميدانية والمزيد من الدراسة والتوصيات حفاظا على أرواح البشر.
أكد الدكتور علي الغامدي رئيس اللجنة الوطنية للسلامة المرورية، أن الاقتصاد الوطني يفقد أكثر من 24 مليار ريال في العام الواحد بسبب الحوادث المرورية، مشيرا إلى أن هذا الرقم قد بدأ بالارتفاع منذ خمسة أعوام من 21 مليار ريال إلى أن تخطى حاجز الـ 24 مليار ريال خلال العام المنصرم، أي بزيادة قدرها ثلاثة إلى أربعة مليارات ريال سنويا.
مشيرا إلى أن الناتج الوطني يخسر بذلك نحو 4.7 في المائة من قيمته بسبب الحوادث، معتبرا أنه مؤشر خطير جدا، حيث عادة ما يكون الفاقد الوطني في الدول الصناعية في حدود 1.5 في المائة.
وأكد الغامدي من خلال دراسة أجراها أخيرا، أن ستة آلاف شخص يتوفون سنويا، بينما 35 ألفا يصابون، وذلك جراء 300 ألف حادث مروري، موضحا أن الأرقام في ازدياد ولم تنخفض.
وأضاف الغامدي أن ما يقارب من ثلث أسرة المستشفيات يشغلها أشخاص خرجوا بإصابات مختلفة من حوادث الطرق في المملكة، كاشفا أن اللجنة الوطنية للسلامة المرورية لم تنجح في تحقيق أهدافها أو التنسيق بين الجهات التنفيذية للوصول إلى تقدم ملموس في الشارع منذ 17 سنة، مشيرا إلى سعي اللجنة لطرح الحلول في المؤتمرات، لكن ضعف تبني الجهات وتباطؤها في التطبيق يبقى قائما.
ولفت الغامدي إلى أن السلامة المرورية ليست مسؤولية المرور أو اللجنة الوطنية، وإنما مسؤولية مشتركة بين الجهات الحكومية جميعها، كوزارة التربية والتعليم، الصحة، الإعلام، ورأى أن جهودها ما تزال مبعثرة، وهو ما أدى إلى ضعف النتائج على أرض الواقع. وطالب الغامدي بقرارات تغير في أهداف اللجنة الوطنية للسلامة المرورية وفي دورها في التنسيق بين الجهات, واصفا التنسيق حاليا بـ " الضعيف " كون المؤشر الذي يقيس به نجاح الكل هو في انخفاض حجم المشكلة.
وأرجع الدكتور الغامدي كثيرا من أسباب ما يحدث إلى غياب استراتيجية وطنية شاملة للسلامة المرورية، مؤكدا مطالبة اللجنة في المؤتمر الوطني الأول للمرور بوجودها، والتي لن تتحقق إلا بتضافر جهود عدة على المستوى الوطني وتنسيق متواصل، مؤكدا أن الاستراتيجية لم تر النور حتى الآن، وأنها تحتاج إلى متابعة يومية حتى صدورها, وأن أبرز ملامحها تدور حول نظام حاسب آلي يستوعب المعلومات المرورية، إضافة إلى وجود شبكة طرق جيدة بالمعيار الدولي ، في ظل الإمكانات المادية التي توفرها الدولة في تنفيذ السلامة المرورية، كما أن لدى المملكة من الموارد البشرية من المتخصصين، مشيرا إلى الخبرة المكتسبة من التوعية المرورية تراكمت على مدى السنوات, وأن العمل المروري على المستوى الوطني ليس تحت مظلة واحدة.
زيادة قدرها 88 حادثا
من جهته, أوضح اللواء سعد المغربي قائد القوات الخاصة لأمن الطرق في المملكة، أن عام 1427 هـ شهد 372 حادثاً كان سببها انفجار الإطارات على الطرق سواء داخل المدن أو خارجها بزيادة قدرها 88 حادثا عن عام 1426هـ.
ولم يخف المغربي أسبابا أدت إلى حصول حوادث مميتة ومثل الفتحات الموجودة في بعض المواقع على الطرق السريعة وتحديدا السياجات الوسطية، وما يترتب على ذلك من دخول الحيوانات السائبة للطريق، أو استخدام هذه الفتحات من قبل بعض المركبات، وضيق الطريق، وإهمال أعمال الصيانة، وجغرافية الطريق.
وأكد المغربي ضرورة وسرعة إجراء الصيانة اللازمة الفورية والدورية لجميع الطرق الداخلية والخارجية باعتبارها مسببا للحوادث، إضافة إلى دراسة إيجاد وسائل نقل بلدية للسيارات الخاصة، وذلك بالعمل على سرعة إنجاز النقل بواسطة القطارات بين المدن.
كما أكد المغربي أن جميع الجهات المختصة مسؤولة عن الحد من الحوادث المميتة، وذلك عبر حلول طرحها كتكليف الجهات المختصة في أمانات وبلديات المدن بضرورة القيام بجولات وحملات تفتيشية لمحال الإطارات للتأكد من مطابقتها المواصفات والمقاييس العالمية، ومراقبة تاريخ تصنيعها والتأكد من عدم تخزينها لأوقات طويلة.
إجراءات رادعة
وأوضح اللواء المغربي أن الحد من الحوادث المرورية من أهم أهداف الخطط التنفيذية والمرورية المعتمدة في الأمن العام، وخصوصا تلك الحوادث التي تنتج عنها وفيات وإصابات أو تؤدي للإضرار بالممتلكات العامة والخاصة، وذلك عن طريق معالجة أسبابها من خلال تطبيق الأنظمة والتعليمات الرادعة وتنفيذ إجراءات إرشادية.
ولفت المغربي إلى أن القوات الخاصة لأمن الطرق تسعى عبر إجراءات للحد من الحوادث المرورية ومنها: القيام بحملات مرورية الهدف منها الحد من الحوادث المرورية ومن ضمنها عمل منشورات يتم توزيعها على عموم مرتادي الطريق وإقامة نقاط تهدئة على الطرق للحد من السرعة التي تكون من أكثر الأسباب المؤدية لوقوع الحوادث والتأكد من سلامة المركبات وفق وسائل السلامة التي بها إضافة إلى تحرير المخالفات المرورية بحق المخالفين.
وأضاف: " إنه يتم تكثيف الدوريات في المواقع التي تكثر فيها الحوادث المرورية، إلى جانب السعي لرصد الملاحظات على الطرق بالتنسيق مع الجهات المختصة سواءً فيما يتعلق بصيانتها أو الملاحظات الأخرى والفتحات غير النظامية في الشباك والسياجات الجانبية والوسطية على الطرق السريعة.
حلول للحد من الحوادث
وأكد المغربي أن من أسباب حصول الحوادث بعد إيماننا أنه قدر مكتوب ما يتعلق بقائد المركبة (عدم انتباهه، النوم، التجاوز غير النظامي، السرعة الزائدة، الأحوال الجوية، وعدم سيطرته على السيارة).
وطرح قائد القوات الخاصة لأمن الطرق حلولا للحد من الحوادث على الطرق السريعة، حيث أكد ضرورة إدراج مادة ضمن المواد الدراسية الأساسية وخصوصا في المرحلتين الابتدائية والمتوسطة حول السلامة المرورية ، وأهمية إشراك ذوي الاختصاص في مجالات التربية والتعليم والإعلام في تنفيذ برامج التوعية المرورية وإعطاء مساحة أكبر لبرامج التوعية المرورية في وسائل الإعلام المختلفة. وطالب بتكليف الجهات المختصة في أمانات وبلديات المدن بضرورة القيام بجولات وحملات تفتيشية لمحال الإطارات للتأكد من مطابقتها للمواصفات والمقاييس العالمية ومن عدم تخزينها لأوقات طويلة، ومراقبة تاريخ تصنيعها.
السائقون سبب 80 % من الحوادث
من جهته, ركّز الدكتور سلطان الثقفي مدير إدارة الشؤون الإعلامية في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، على أسباب الحوادث المرورية باعتبارها نقطة شديدة الأهمية، حيث قال:" إن إحصائيات الدراسات والأبحاث في العالم تشير إلى أن أكثر من 80 في المائة من حوادث السير تعود إلى قائدي المركبات، ويدخل تحتها عوامل كثيرة منها: عدم التزام السائق بأنظمة السير, وسائل السلامة, الإهمال, اللامبالاة, وعدم التركيز أثناء القيادة، وغيرها الكثير".
ولفت الثقفي إلى أن النسبة المتبقية من الإحصائيات العالمية للحوادث المرورية الـ 20 في المائة تعود إلى عيوب تصاميم الطريق والسيارات والأحوال الجوية، مؤكدا أنه إذا وجدت التوعية المرورية الكافية لقائدي المركبات ومستخدمي الطريق لقلت نسبة الحوادث بنسبة كبيرة.
وعاد ليؤكد ما صدر عن الإدارة العامة للمرور أن الحوادث المرورية في المملكة يتجاوز عددها 1.3 مليون حادث ناتجة عن 145 ألف مخالفة مرورية سنوية، لذا تفقد المملكة من اقتصادها الوطني نحو 21 مليار ريال سنويا.
الاستراتيجية المرورية
وعن الخطط المرورية المستقبلية قال الثقفي:" إن المجلس المقترح للسلامة المرورية يهدف قدر المستطاع إلى الحد من الحوادث المرورية ووفياتها وإتلاف الممتلكات، وكل هذه الأمور لن تفي بالغرض المطلوب إذا لم يرتقي الوعي المروري بأهمية السلامة المرورية في الشوارع والطرقات من قبل قائدي المركبات".
ودافع مدير إدارة الشؤون الإعلامية في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، عن الاستراتيجية المرورية وإدارات المرور في المملكة، وبأنها ليست مسؤوليتها وحدها في زيادة الوعي المروري عند المواطنين، مؤكدا أن مؤسسات المجتمع الإعلامية والتعليمية هي مسؤولة أيضا بالدرجة الأولى.
وشدد الثقفي على أن المسؤولية التعليمية بمختلف المراحل ذات أهمية كبيرة، معتقدا أن الوعي والثقافة والسلامة المرورية لابد من تعلمها في المدارس ومنذ المراحل التأسيسية.
يد واحدة لا تصفق
وبسؤاله: هل فشلت الخطط المرورية والتوعوية السابقة في الحد من الحوادث، قال الثقفي:" لا أعتقد ذلك ويد واحدة لا تصفق، والمسؤولية لا تقع على جهة واحدة، بل على الجهات المعنية، كإدارات المرور, الأسر, التعليم, ومراكز الوعظ والإرشاد". وأكد أنه من باب أولى على خطباء المساجد طرح قضايا تهم المجتمع وبخاصة الشباب وذلك بالتركيز على قضايا المرور وانحرافات الشباب، بدلا من الحديث عن قضايا قد تكون أحيانا خارج حدود الوطن وقد لا نتأثر منها كثيرا.
وأكد الثقفي أن الوسيلة المثلى للحد من الحوادث المرورية سواء داخل المدن أو على الطرق السريعة باستمرار الحملات المرورية طوال السنة دون توقف، مطالبا بتجنب عملية الحملات الموسمية وعدم ربطها بمناسبات وانتهائها بمرور حدث ما، وهذا ما تسير عليه الاستراتيجية المرورية الجديدة.
100 مواصفة قياسية للسيارات
من جانبه, أكد لـ"الاقتصادية" نبيل بن أمين ملا مدير عام الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس، أن الهيئة تولي صحة وسلامة المستهلك اهتماما كبيرا، مشيرا إلى أن الهيئة أصدرت 100 مواصفة قياسية خاصة بالسيارات تشترط أعلى مستويات تحمل الصدمات عند وقوع حوادث السيارات.
وزاد ملا أن الهيئة أصدرت 13 مواصفة قياسية لإطارات السيارات منها ما هو لسيارات الركوب صغيرة الحجم ومنها ما هو للشاحنات والحافلات.
خطوات لاختيار الإطار
وأبان ملا خطوات يجب أن يتبعها المستهلك في عملية اختيار الإطار المناسب والتي منها: الحرص على اختيار رمز السرعات العالية على الإطار مثل: v، h، t،s ، باعتبارها رموزا تدل على جودة المواد المصنعة للإطار وتحمله لدرجات الحرارة المرتفعة، إلى جانب الاهتمام باختيار تاريخ إنتاج جديد للإطار.
وأضاف: كذلك من الخطوات الواجب اتباعها اختيار معامل الحمل الموصى به من قبل الشركة الصانعة للسيارة بناء على وزن السيارة، اختيار فئة درجة الحرارة A بدرجة كبيرة لكونها الأنسب لظروف المملكة.
ونصح ملا جميع المواطنين من أجل الحفاظ على الإطار في حالة جيدة، بتجنب زيادة الحمل عن الحد المقنن، إتباع الإرشادات الخاصة بضغط الهواء في الإطار طبقا للتعليمات الواردة على ملصق الموجود على أبواب السيارات، عدم السرعة والالتزام بالحدود المسموح بها، وتجنب اصطدام الإطار بالأجسام الصلبة كالأرصفة والحجارة.
كما نصح أنه في حالة عدم استخدام الإطار يراعى عدم تخزين الإطار في أماكن رطبة شديدة الحرارة، إلى جانب تجنب الفرملة المفاجئة أو التسارع المفاجئ، والاهتمام بمعايرة ضغط هواء الإطارات باستمرار وخاصة قبل السفر وبعده.
وأرجع مدير عام المواصفات والمقاييس السعودي أسباب وقوع حوادث السيارات، إلى السرعة العالية، وذلك باستخدام المحركات ذات القوة العالية، والاستغلال السيئ للطرق الجيدة، مشيرا إلى عدم التقيد بقوانين المرور يزيد من الحوادث.
التهاون في قيادة صغار السن
وشدد ملا على أن الصيانة غير الجيدة للمركبة تؤدي إلى الحوادث، ومحاولة اللحاق بإشارة المرور الخضراء والصفراء، والانشغال أثناء القيادة بالهاتف أو الأكل أو الشرب، إضافة إلى التهاون في قيادة صغار السن للمركبات، لافتا إلى أن لظروف الطقس كالأمطار والضباب والرياح والغبار دورا كبيرا في حصول الحوادث.
وعدد ملا بعضا من العوامل التي يمكن أن تسهم في الحد من الحوادث المرورية المميتة والتي منها: التعليم الصحيح للسائق فيما يتعلق بالقيادة وإشارتها وعلاماتها, رفع مستوى الرقابة في تطبيق تعليمات السير, القيادة بحرص وفي حدود السرعة المأمونة, عدم التجاوز إلا بالطرق الصحيحة مع استخدام الإشارات الضوئية, إجراء الصيانة للمركبة بصورة منتظمة إضافة إلى قيادة السيارة بحرص في الطقس الرديء.
وأكد مدير عام الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس، أهمية تطبيق الأنظمة المرورية على الجميع والالتزام بالسرعة المحددة والقيام بفحص السيارة سنوياً واستخدام التقنيات الحديثة في رصد ومتابعة المخالفين،لافتا إلى وجوب إدخال مفاهيم السلامة والتوعية المرورية ضمن مفاهيم التعليم العام في المدارس والجامعات لتحقيق وترسيخ المفاهيم المرورية السليمة.