الناتج المحلي الإجمالي في المملكة: إشكالية القياس والمقارنة
كتب الدكتور فيصل بن صفوق المرشد في عدد يوم السبت (رقم 4945 بتاريخ 18 ربيع الآخر 1428هـ الموافق 5/5/2007م) في هذه الصحيفة مقالاً حول مثالب قياس الدين العام كنسبة من الناتج المحلي متعرضاً لاختلاف هيكل ومكونات الناتج المحلي ومصادرة في المملكة عن الاقتصادات الأخرى. والدكتور فيصل متخصص ضليع في هذا الموضوع فقد كانت أطروحته الرائدة منذ أكثر من ثلاثة عقود حول هيكلة الاقتصاد السعودي من خلال بناء نموذج قياسي يحدد العلاقة بين مكوناته بمثابة فتح رائد نهل منها أجيال من الباحثين والاقتصاديين في المملكة. ويتناول الدكتور فيصل في مقاله الممهور موضوعا في غاية الأهمية ويرتبط بالمفاهيم وبالمقارنات. وقد لاحظت طوال السنوات الماضية أن معظم التقارير والدراسات الأكاديمية أو تلك التي تقوم بها مؤسسات القطاع الخاص (البنوك أو الغرف التجارية أو منتديات قطاع الأعمال) تستخدم نسباً إلى الناتج المحلي وتقارنها بدول أخرى ليس بالنسبة للدين العام فحسب كما جاء في مقال الدكتور فيصل بل في مؤشرات أخرى كنسب مشاركة القطاعات الاقتصادية غير النفطية أو نسب الاستثمارات الخاصة أو غيرها إلى الناتج المحلي الإجمالي، هذا إضافة إلى الاستخدام المجتزأ لمعدلات نمو الناتج المحلي الحقيقي.
وإضافة إلى ما ذكره الدكتور فيصل حول اختلاف مصادر المكونين الأساسيين للناتج المحلي الإجمالي (النفطي وغير النفطي) فإن الأخير متغير يتأثر بالأول سواء بشكل مباشر أو غير مباشر وقد يكون تحدياً التنمية والتنويع الاقتصادي في المملكة هو في تقليص درجة التأثر تلك بحيث يكون نمو القطاع غير النفطي عموماً مستقلاً نسبياً. كما أن تطور مساهمة القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي غير النفطي ذو أهمية توازي بل وتفوق نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي. على سبيل المثال تظهر إحصاءات الدخل القومي للمملكة أن مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي قد انخفضت من 10.4 في المائة عام 1999 إلى 9.5 في المائة عام 2005 مرتفعة فقط إلى 11.4 في المائة في القيمة الحقيقية في ذلك العام. ولكن مساهمة الصناعة في الناتج المحلي غير النفطي ارتفعت من 17 إلى 20 في المائة فيما بين العامين المشار إليهما. إن الأخذ بالنسب الأولى سيكون خادعاً بلا شك بسبب الارتفاع الكبير في الناتج الاسمي الناتج عن ارتفاع أسعار البترول والناتج الإجمالي منه ولكن النسب الأخيرة تعزل إلى حد ما ذلك الأثر.
ويقود هذا إلى موضوع آخر وهو الاختلاف بين ما يسمى الناتج المحلي الاسمي والناتج المحلي الحقيقي ويمثل الفرق بينهما التغير في الأسعار والذي يكتسب معان عدة في الاقتصادات الأخرى حيث يعبر ارتفاع وديمومة الأخير عن النمو والرفاه الاقتصادي فيها غير المرتبط بالتضخم وخصوصاً إذا قورن بمعدلات النمو السكاني. أما في المملكة والاقتصادات الشبيهة فقد يكون للتغير في الناتج المحلي الاسمي دور مهم غالباً ما يتم إغفاله في قياس النمو والرفاه الاقتصادي وخصوصاً إن الزيادة في أسعار أهم مكوناته تنعكس إيجاباً في الغالب على المكونات الأخرى. وكمثال على ذلك نلاحظ أنه بينما كان معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي في المملكة نحو 6.5 في المائة عام 2005 انخفض إلى 4.2 في المائة عام 2006 وكان سبب ذلك انخفاض معدل نمو الناتج النفطي الحقيقي بنسبة 1.5 في المائة تقريباً بسبب انخفاض إنتاج المملكة من النفط هذا على الرغم من ارتفاع الناتج الاسمي النفطي بمعدل 16 في المائة بسبب ارتفاع أسعار البترول. ولكن ارتفاع الناتج النفطي الاسمي ومداخيل الحكومة أديا إلى ارتفاع نمو الناتج المحلي غير النفطي بنحو 7 في المائة مقارنة بالعام السابق.
وقد يؤدي التركيز على معدل نمو الناتج المحلي الحقيقي دون تجزئته إلى المكونين الرئيسيين له (الناتج النفطي وغير النفطي) إلى تشويه في التحليل والمقارنات. وقد لاحظت مثلاً أن دراسات عده داخل المملكة وخارجها تشير إلى أن معدل النمو في الناتج المحلي الحقيقي خلال الفترة من 1975 إلى 2005 بلغ 2.7 في المائة سنوياً، وهذا صحيح حسب إحصاءات الدخل القومي الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة. وبمقارنة ذلك بمعدل نمو سكاني بلغ 3.9 في المائة سنويا خلال العقود الماضية، تسارع تلك الدراسات إلى الاستنتاج أن متوسط معدل نمو نصيب الفرد في الناتج الحقيقي كان ينخفض بمعدل 1.2 في المائة سنوياً خلال العقود الثلاث الماضية، أي أن دخل الفرد الحقيقي انخفض بمعدل يقارب 50 في المائة منذ عام 1975 وهذا برأيي غير دقيق ويخالف الواقع المعاش.
إن سبب ذلك يعود جزئياً لخطأ في المفاهيم وفي استخدام البيانات بشكل غير دقيق حيث تعرض لجانب منها الدكتور فيصل ويعود أيضاً في رأيي لقصور في حسابات الناتج المحلي في المملكة ابتداءً من المنهجية وأسلوب التجميع وانتهاءً باختيار ما يسمى بسنة الأساس لاحتساب الناتج المحلي الحقيقي (وهي عام 1999 حسب مصلحة الإحصاءات العامة) وهي السنة التي شهدت نهاية حقبة نفطية منذ أواسط الثمانينيات كان فيها سعر النفط نحو 17.5 دولار للبرميل بينما بلغ متوسطه منذ ذلك العام وحتى الآن 37 دولاراً للبرميل. والخطأ في المنهجية وفي اختيار سنة الأساس لا يقتصر على حسابات الناتج المحلي فحسب بل يمتد إلى حساب معدل التضخم وهذا موضوع آخر لا يتسع المجال للتعرض له هنا. وهذه دعوة لمصلحة الإحصاءات العامة والجهات ذات العلاقة لإعادة النظر في حسابات الدخل القومي وهي تأييد لدعوة الدكتور فيصل لتوخي الحذر عند استخدام المناسيب المرتبطة بالناتج المحلي أو معدلات نموه ومقارنتها عبر الزمن أو بدول أخرى.